معان الأردنية.. مدينة «خارجة عن القانون»

سكانها أكدوا لـ {الشرق الأوسط} رفض إلباسهم «ثوب داعش»

سكانها أكدوا لـ {الشرق الأوسط} رفض إلباسهم «ثوب داعش»
سكانها أكدوا لـ {الشرق الأوسط} رفض إلباسهم «ثوب داعش»
TT

معان الأردنية.. مدينة «خارجة عن القانون»

سكانها أكدوا لـ {الشرق الأوسط} رفض إلباسهم «ثوب داعش»
سكانها أكدوا لـ {الشرق الأوسط} رفض إلباسهم «ثوب داعش»

قد يتبادر إلى ذهن الزائر إلى مدينة معان الأردنية عبر الطريق الدولي، الذي بات شبة مهترئ من قلة الصيانة، أنه على وشك دخول مدينة هادئة يعمها السكون والأمن والسلام، حيث تخلو الشوارع من المارة بينما تخفت حركة السيارات بشكل ملحوظ، لكن سرعان ما يتبدل هذا الانطباع بعد أن يشاهد العربات المصفحة لقوات الدرك الأردنية وهي تطوق مباني دار المحافظة والمحكمة ومقرات الأجهزة الأمنية، باستثناء مبنى البلدية الذي يخلو من هذه الحراسة، مما يعطي انطباعا بأن موقف البلدية ورئيسها ماجد الشراري آل خطاب ينسجم مع خطاب الشارع في معان.
وخلال جولة «الشرق الأوسط» داخل المدينة، التي تقع جنوب الأردن، خلت الشوارع من رجال المرور والشرطة، وبوسع الزائر أن يشاهد حجم الدمار الذي لحق بعدد من المباني الحكومية ومدينة الحجاج، التي يستريح الحجاج فيها لتأدية الصلاة وشراء بعض احتياجاتهم، إضافة إلى حرق مبنى بنك الإسكان والبنك العربي، والذي رفعت عليه لافتة كتب عليها «معان فلوجة الأردن تبارك للأمة الإسلامية بالفتوحات العمرية التي من الله بها على الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)»، ولافتة أخرى تقول «جمعة نصرة الدولة الإسلامية في العراق والشام.. معان فلوجة الأردن تنصر دولة الإسلام»، لكن البنك العربي الإسلامي والبنك الإسلامي الأردني لم يطلهما أي أذى.
وتشهد مدينة معان، التي يبلغ عدد سكانها نحو 55 ألف نسمة، مواجهات بين السكان وقوات الأمن بين فينة وأخرى يرجعها كثيرون إلى الفقر والبطالة، لكن آخرين يشيرون إلى وجود تيارات إسلامية متشددة، بينما يحاول البعض أن يلبس المدينة ثوب «داعش»، لا سيما بعد تعليق تلك اللافتات التي تبايع التنظيم ورفع رايات «داعش» السوداء خلال مسيرات خرجت قبل أيام، ناهيك عن نشاط التيار السلفي في المدينة.
تاريخيا، شكلت مدينة معان مفصلا مهما في تأسيس الدولة الأردنية منذ قدوم الهاشميين من الحجاز، ولعبت دورا سياسيا وقتها بأن كانت العاصمة الأولى لهذه الدولة قبل الانتقال إلى العاصمة الحالية عمان، ورفدت من أبنائها آلافا في السلك العسكري مع أبناء البادية المجاورة لتكون دعامة للنظام الأردني منذ تأسيس الإمارة عام 1923 حتى ثمانينات القرن الماضي عندما ثار مواطنون احتجاجا على رفع أسعار المحروقات. وأطلق على تلك المظاهرات اسم «هبة نيسان» لأنها أعادت الحياة الديمقراطية التي تمخضت عنها انتخابات مجلس نيابي في المملكة.
ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في نفق المعارضة، وخرجت من عقد الموالاة بعد أن كانت في الصدارة، وباتت، حسبما يقول السكان، في ذيل اهتمامات الحكومات المتعاقبة، مما زاد من نسب الفقر والبطالة. وشهدت المدينة اضطرابات أمنية متفاوتة منذ عام 1989، منها أخذ صفة المطالبة برفع «ظلم» الحكومات، وأخرى متأثرة بأحداث المنطقة سواء في العراق أو الانتفاضة الفلسطينية، إلى الأزمة السورية. لكن أحداث معان الأخيرة التي بدأت خلال شهر رمضان الماضي احتجاجا على مقتل مطلوب للأمن والتنكيل بجثته من خلال شريط فيديو سرب إلى الأهالي، أحدثت شرخا كبيرا مع الأجهزة الأمنية، بعد أن أسفرت عن مقتل عشرة من أبناء المدينة، آخرهم قبل نحو أسبوع عندما توفيت سيدة أربعينية متأثرة بجراحها خلال مداهمات.
ويشكو سكان المدينة من تراجع أوضاعهم المعيشية، ويقول أحد التجار لـ«الشرق الأوسط» إن إقبال أبناء القرى والبادية خف كثيرا على المدينة جراء الفوضى وغياب الأمن وإطلاق النار المفاجئ، إضافة إلى اعتماد هؤلاء على مناطقهم، ولم يعد حضورهم كما في كان السابق إلا لأسباب ضرورية.
بينما يشكو أحمد أبو طويلة، صاحب محل مواد غذائية في سوق البدو، من أن مبيعاته كانت تصل إلى 700 دينار يوميا، أما في الآونة الأخيرة فقد هبطت نتيجة الوضع الأمني «لا بل ماتت حركة البيع لتنخفض المبيعات إلى 50 دينارا يوميا». وأضاف أن «عددا من تجار الجملة بدأوا يفكرون جديا في الانتقال إلى مناطق خارج المدينة نتيجة الخسائر الفادحة التي يتكبدونها، إضافة إلى أن تجار التجزئة بدأوا في التوجه إلى مدينة العقبة أو الطفيلة». كما أشار إلى أن «حجم الخسائر الناجمة عن الركود الاقتصادي جعل بعض التجار عاجزين عن تسديد ديونهم، كما ازداد حجم الشيكات المرتجعة نتيجة تراجع المبيعات».
أما أحمد كريشان، صاحب مطعم وجبات سريعة من الحمص والفول والفلافل، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن حركة البيع تراجعت نتيجة الظروف الأمنية، وإن عمليات إطلاق النيران العشوائية في الليل أدت إلى تراجع حركة خروج المتسوقين ليلا. وأضاف «حاليا ندبر أمورنا بالاعتماد على إقبال طلبة جامعة الحسين الذين يدرسون الفصل الصيفي، وأن عدد هؤلاء يصل إلى ستة آلاف من خارج المحافظة. لكن إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فإننا سنغلق المطعم فور انتهاء الفصل الدراسي الصيفي حتى بداية الدوام في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».
بدوره، يقول قاسم الخطيب، إعلامي في إذاعة جامعة الحسين (صوت الجنوب)، إن سكان معان يعتمدون في اقتصادهم على قطاع النقل إذ إن هناك 1500 شاحنة يعتاش أصحابها منها، إضافة إلى العمل في سكة حديد العقبة ومناجم الفوسفات وكذلك الوظائف الحكومية. ويضيف أن «معظم أبناء المدينة انخرطوا في القوات المسلحة والدفاع المدني، ولذلك ترى أن أفراد القوات المسلحة مرحب بهم في المدينة، على عكس قوات الدرك والشرطة الذين أصبحوا هدفا للمطلوبين المسلحين».
غير أن محافظ المدينة، غالب الشمايلة، يرى أن هناك من يحاول «شيطنة مدينة معان ووصفها بأنها خارجة عن القانون»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك تيارات سياسية متشددة تحاول إلصاق التهمة بالمدينة ووصفها بالمتمردة».
ويضيف أنه «قبل عدة أيام خرجت مسيرة ترفع الأعلام السوداء ورايات تنظيم داعش من بعض المغرر بهم من التنظيم السلفي المتشدد تضم 46 شخصا منهم خمسة أعضاء في التنظيم والبقية من الأطفال». ويوضح: «المسيرة ضخمت في الإعلام العربي والدولي وبعض المواقع الإخبارية».
وأكد أن «منظم هذه المسيرة أحضر إلى هنا (مقر المحافظة) وقدم اعتذارا شخصيا لي، كما أن الزعيم في التنظيم السلفي محمد الشلبي أبو سياف تراجع عن هذه المسيرة ولم يؤيدها». واتهم «بعض الأحزاب الإسلامية واليسارية وغيرها من التنظيمات المتشددة» بالخروج مع هذه المسيرة ومسيرات أخرى «كي تلمع نفسها أو تركب الموجة من أجل الظهور في المشهد وتستغل ذلك كي تبني لها شعبية».
وقال إن ما يجري حاليا في مدينة معان «حملة أمنية للقبض على مطلوبين خطرين على المجتمع، خصوصا أنهم مسلحون وباتوا يهاجمون دوريات الدرك والأمن بالأسلحة الخفيفة ويطلقون النيران بين الحين والآخر، ولا سيما بعد منتصف الليل على قوات الدرك المتمركزة أمام المباني الحكومية».
وكشف لـ«الشرق الأوسط» عن أن عدد المطلوبين الذين قبض عليهم بلغ نحو 200 شخص منذ بدء الأحداث الأخيرة. وأضاف أن «الحملة الأمنية التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر كانت تستهدف 19 مطلوبا، أما الآن فارتفع العدد إلى 31 مطلوبا بعد أن انضم عدد من الأشخاص إلى المطلوبين وبدأوا يشاركونهم في إطلاق النيران على رجال الدرك خلال المداهمات الأمنية». وأكد إلقاء القبض على خمسة من هؤلاء المطلوبين، بينما سلم أحدهم نفسه طواعية.
وفي زيارة إلى مكتب رئيس البلدية ماجد الشراري آل خطاب، بدا المقر خاليا من الحراسات. ويعد آل خطاب أحداث معان الأخيرة التي انطلقت منذ 13 شهرا بأنها «مفتعلة من قبل الأجهزة الرسمية».
وزعم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض المسؤولين يحاول شيطنة أهل معان وإعطاء صورة داخلية وخارجية أن المدينة خارجة عن القانون». واتهم «الأجهزة الأمنية بتهيئة الظروف لأعضاء في التيار السلفي وغيرها من التنظيمات والأحزاب المتشددة للوصول إلى ما وصلت إليه الآن».
ويستدرك قائلا: «مع ذلك فنحن لم نصل إلى مرحلة أن يكون لهؤلاء سيطرة على الشارع المعاني مثلما يحاول إظهاره جهاز المخابرات وبعض المواقع الإعلامية الإلكترونية والإعلاميين الرسميين الذين يضخمون الأحداث ولا ينقلون الأحداث على طبيعتها». وطالب بفتح حوار مع الحكومة وأن يكون هناك «طروحات منطقية وألا تربط الأجهزة الأمنية هيبة الدولة بقضية معان لأن هيبة الدولة لن تجدها في معان نهائيا».
من جانبه، قال القيادي في التيار السلفي محمد الشلبي أبو سياف، إن «الحديث عن وجود تنظيم داعش أو جبهة النصرة في معان فيه ظلم على أهل المدينة»، مؤكدا أن «مشكلة معان كغيرها من المشكلات فيها مطلوبون يحتمون بين أفراد المجتمع ونحن في معان متفقون على أن هؤلاء المطلوبين يجب أن يسلموا أنفسهم ولكن ليس بهذه الطريقة». وأضاف أن الأجهزة الأمنية تلقى القبض على مطلوبين في أي مدينة أردنية ولم نسمع بإطلاق النيران على مطلوب في عمان أو الزرقاء أو السلط أو غيرها من المدن الأردنية كما يجري في معان. وأشار إلى أن هناك «أساليب معروفة يمكن للأجهزة الأمنية أن تصل من خلالها إلى المطلوبين وأن تلقى القبض عليهم دون خسائر». وأضاف أن «هناك قناعة لدى أهل معان أن رجل الأمن لا يستطيع إطلاق رصاصة دون أوامر من قيادته العليا خاصة بعد أن قتل أكثر من شخص خلال المداهمات».
وينفي القيادي أبو سياف تهمة احتضان المدينة تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة»، ويقول إن «هناك من يتعاطف ويناصر التنظيمين مثلما هو الحال من يتعاطف مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أما أن تحسب المدينة على (داعش) أو جبهة النصرة فهو كلام غير صحيح ومنافٍ للواقع».
وبالنسبة للمسيرة التي خرجت قبل أيام تأييدا لـ«داعش» قال إن «عددا من شباب التيار نظموا ذلك دون الرجوع إلينا، وقد انضم إليهم بعض الأشخاص من الذين غرر بهم وأصدر التيار بيانا عبر فيه عن رفضه لهذه المسيرة مثلما الحال أبناء المدينة الذين رفضوا هذا التصرف».
غير أنه أقر بإرسال عدد من شباب التيار في معان إلى سوريا، مشيرا إلى أن عدد الأشخاص الذين يذهبون بمفردهم بلغ أكثر من 1500 شخص.
وبالنسبة لإعلان «الخلافة» في العراق والشام، قال أبو سياف: «إننا كتيار سمعنا من بعض العلماء والأحزاب وغيرها، أن الوقت غير مناسب لذلك، ونحن مرجعيتنا في هذا الموضوع هو العلامة الشيخ أبو محمد المقدسي شيخ المنهج الذي أفتى بأنها (خلافة داعش) مستكرهة».
وعن صلاتهم بقيادة تنظيم «داعش»، قال أبو سياف: «هناك قنوات شخصية مع بعض قيادات (داعش)، أي أننا نعرف بعض الشخصيات ممن يتولون المسؤولية، أما على المستوى الرسمي فلا يوجد أي اتصال معهم».
من جانبه، طالب رئيس لجنة متابعة أحداث معان الناشط السياسي الدكتور محمد أبو صالح بـ«إقالة الحكومة المحلية والإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية تلك الأحداث والتحقيق في عمليات القتل الميدانية من قبل القضاء وإزالة اللبس في هذه القضايا وليس ترحيل هذه الملفات، كما حدث في الماضي، ومحاكمة جميع من أخطأ، سواء كان مواطنا أو رجل أمن». ودعا إلى وضع خطة تنموية لمدة عشر سنوات مقبلة لحل نسبة البطالة التي تصل إلى 28 في المائة بين الشباب، وكذلك التعويض عن حجم الأضرار للمحال التي تضررت من الأحداث، سواء بالحرق أو التكسير أو الضرر من خلال التمركز الأمني أمامها.
وتمنى أبو صالح أن تلقى رؤيتهم للحل «أذنا صاغية من المسؤولين أصحاب القرار في الحكومة الأردنية وأن يعتمدوا لغة الحوار، لأن أبناء معان يريدون أن يعيشوا بكرامة أو يموتوا بكرامة».



المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.


مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لاستقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد التوقيع على اتفاقيات سلام تهدف إلى إنهاء التوتر القائم في منطقة «شرق الكونغو»، معرباً عن استعداد بلاده لبذل «كل جهد ممكن لمساندة مسار التسوية».

وتلقى السيسي اتصالاً هاتفياً، الأربعاء، من نظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، تناول مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وتطرق إلى مستجدات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية.

ورحب السيسي خلال الاتصال بالتوقيع على اتفاق «الدوحة للسلام» الشامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو (حركة 23 مارس)، كما أعرب عن دعم مصر الكامل لاتفاق السلام الموقع في واشنطن ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مؤكداً أنه يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.

وأكد الرئيس المصري «استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن، بما في ذلك توفير المحافل اللازمة للأطراف المعنية، دعماً لمسار تسوية النزاع»، وفقاً لبيان الرئاسة المصرية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مراسم توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

من جانبه، نقل البيان المصري عن الرئيس الكونغولي «تقديره لمساندة مصر لجهود السلام والاستقرار في بلاده وفي المنطقة، واتفق الرئيسان على ضرورة تكثيف الجهود لتذليل أي عقبات قد تواجه تنفيذ اتفاقيات السلام».

ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسا رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن مطلع الشهر الحالي، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو ثلاثة عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

ويعد الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار أُبرمت في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، إضافة إلى إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو (تموز) الماضي.

وأشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية إلى أن الرئيسين اتفقا خلال اتصال، الأربعاء، على أهمية تعزيز التشاور والتعاون الثنائي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأكد السيسي تطلعه لاستضافه نظيره الكونغولي لمواصلة تعزيز التعاون بين البلدين، فيما ثمَّن تشيسكيدي الزخم الذي تشهده العلاقات مع مصر، مُعبراً عن تقديره للدعم الذي تقدمه لبلاده في مختلف القطاعات.

وفي مطلع هذا الأسبوع، قالت الخارجية المصرية إنها «تتابع بقلق بالغ التطورات المتسارعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما تشهده بعض المناطق من تدهور في الأوضاع الإنسانية الذي يفرض تحديات عاجلة على المدنيين»، مؤكدة دعمها المستمر لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الكونغولية.

وشددت مصر، وفق بيان للخارجية، السبت، على أهمية التهدئة ووقف أي تصعيد ميداني بما يسهم في خلق بيئة مواتية للحوار واستعادة الاستقرار؛ مؤكدة الالتزام باتفاق واشنطن للسلام بوصفه إطاراً أساسياً لبناء الثقة وتخفيف التوتر.

كما أكدت مصر ضرورة وقف الأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، مشددة على الحاجة إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني ومنع مزيد من التدهور.


«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
TT

«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل

استبقت حكومة الوحدة الليبية المؤقتة نتائج الحوار الأممي المهيكل بالتأكيد على «أولوية الاستفتاء على الدستور»، معلنة إجراء تعديلات وزارية قريبة، تزامناً مع تأكيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، دعم فرنسا للانتخابات.

وقالت حكومة الوحدة المؤقتة، التي رحبت بانطلاق الحوار المهيكل، إنها ستُعلن خلال الأيام القريبة المقبلة عن تعديلات حكومية إصلاحية، تشمل سدّ الشواغر الوزارية، وتهدف إلى رفع مستوى الكفاءة، وتعزيز الأداء المؤسسي، وتوسيع دائرة التوافق بما يدعم متطلبات المرحلة المقبلة.

وأكدت «الوحدة» في بيان لها، مساء الثلاثاء، أن جوهر المرحلة لا يرتبط بتعدد المسارات أو تسمياتها، بقدر ما ينصرف إلى تحقيق الهدف الوطني، المتمثل في إجراء الانتخابات، بوصفها الاستحقاق الذي ينتظره الليبيون لتجديد الشرعية، ووضع حد لحالة عدم اليقين السياسي، مشدّدةً على أن توجهها الأساسي يتمثل في الاستفتاء على مشروع الدستور أولاً، ومؤكدة أنها تتعاطى بإيجابية مع الاختراق، الذي طرأ على حالة الجمود السابقة، وعبّر عن ذلك شخصيات فاعلة، الأمر الذي يفضي إلى الذهاب المباشر نحو الانتخابات التي أصبحت اليوم محل إقرار من مختلف الأطراف، بعد أن ظلت لفترة موضع نقاش، بما يعكس تحولاً واضحاً في مقاربة الحل السياسي.

وعدّت «الوحدة» أن استمرار الخلاف حول القوانين الانتخابية، إن لم يُحسم، فإنه يكرّس الحاجة إلى الاحتكام إلى أسس دستورية واضحة، تُبنى عليها العملية الانتخابية، وتضمن قابليتها للتطبيق، وهو ما أكدت عليه المفوضية العليا للانتخابات بإعلان جاهزيتها متى توفرت هذه الأطر القانونية السليمة.

كما جدّدت الحكومة التزامها بدعم كل ما من شأنه الدفع نحو الانتخابات ضمن مسار وطني مسؤول، يحفظ وحدة الدولة، ويعكس الإرادة الشعبية، ويجنب البلاد الدخول في مراحل انتقالية إضافية.

في سياق ذلك، أوضح وزير الدولة للاتصال بحكومة الوحدة، وليد اللافي، أن التعديلات الوزارية المرتقبة ستركز على اختيار وزراء أكفاء، وتراعي المناطق الجغرافية دون استثناء، مشيراً إلى أنها ستشمل وزارات سيادية وخدمية، وتمثيلاً أكبر للشباب.

في غضون ذلك، أظهر تقرير أممي تفضيلاً واسعاً بين الليبيين لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة. وطبقاً للتقرير، الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، حول نتائج المشاورات العامة للحوار المهيكل، فقد أكد 86 في المائة ممن شاركوا في استطلاع عبر الإنترنت جاهزيتهم للتصويت فوراً، فيما أكد أكثر من 70في المائة أن مشاركتهم تؤثر فعلياً.

ووصف التقرير الأزمة الجوهرية في ليبيا، بأنها أزمة سياسية ناجمة، عما وصفه بانقسام مؤسسي وجهوي عميق، وسلطات متنافسة، وغياب سلطة تنفيذية واحدة ذات شرعية وطنية، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد والأمن والحوكمة.

وعدّ انتشار السلاح عقبة أساسية أمام الانتخابات والسلام الدائم، وحدّد الأولويات الأساسية في القطاع الأمني بنزع سلاح التشكيلات المسلحة، وإعادة إدماجها، وإنشاء جيش ومؤسسات أمنية موحدة، مع تأكيد السيطرة المدنية، وتحقيق أمن مرتكز على الحقوق وفي خدمة المواطن.

كما تحدث التقرير عن «سلطة سياسية شرعية واحدة، تسيطر فعلياً على الجيش والأمن»، بالإضافة إلى «أطر قانونية ومعايير مهنية واضحة تُطبق بعدالة، وحوافز مالية وضوابط مشفوعة بعقوبات لتشجيع الاندماج والالتزام».

وكانت البعثة الأممية قد أصدرت وثيقة «الإطار المرجعي» الرسمي للحوار، الذي يحدد منصة شاملة تضم 120 إلى 124 مشاركاً ليبياً، يمثلون تنوعاً جغرافياً واجتماعياً، مع نسبة لا تقل عن 35 في المائة للنساء، بالإضافة إلى مشاركة الشباب وذوي الإعاقة.

ويركز الحوار على أربعة مسارات رئيسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، مع دمج حقوق المرأة بوصفه موضوعاً مشتركاً.

ويعتمد على مبادئ الملكية الليبية، والشمول، والشفافية، وبناء التوافق، ويستمر لمدة 4 إلى 6 أشهر، بهدف إصدار توصيات توافقية ملموسة لمعالجة جذور النزاع، وتهيئة الانتخابات.

اجتماع صالح ورئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)

وتعهد أعضاء الحوار المهيكل، وفقاً لمدونة قواعد السلوك، التي أصدرتها البعثة الأممية أيضاً بوضع المصلحة الوطنية أولاً، والنزاهة، ورفض الضغوط أو المزايا المادية، واحترام الآراء، وتجنب التمييز أو المضايقة، والحفاظ على سرية المداولات.

في المقابل، أكد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي بدأ زيارة مفاجئة إلى العاصمة الفرنسية باريس، لم يسبق الإعلان عنها، في لقائه، مساء الثلاثاء، مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل بيفيه، أن حل الأزمة الليبية يتطلب تضافر الجهود الدولية لمساعدة الشعب الليبي في التعبير عن إرادته الحرة في انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وحذّر من أن قيام البعثة الأممية بفتح مسارات إضافية «سيعقد هذا المسار، ولن يكون لها أثر فعلي إيجابي على ملف التسوية السياسية».

ونقل صالح عن يائيل التزام فرنسا بدعم ومساندة الشعب الليبي في تحقيق رغبته في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.

وكان صالح نقل عن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاروشيه، في اجتماعهما تأييده لمقترحاته بشأن حل الأزمة الليبية من خلال الوقوف مع الشعب الليبي، وحقه في اختيار رئيسه وبرلمانه عن طريق الانتخابات المباشرة، لافتاً إلى قيام مجلس النواب بواجباته كاملة في إصدار قانوني انتخاب الرئيس ومجلس الأمة، وتقديم لجنة (6 + 6) المشتركة مع مجلس الدولة، نتائج أعمالها، التي قال وفقاً لعبد الله بليحق، الناطق باسم صالح، إنها نالت رضا مختلف الأطراف، ودعم مجلس الأمن الدولي.

كما أكد صالح، خلال لقائه مع بول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، دعم فرنسا لمجلس النواب الليبي ومساعيه لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، مشيداً بمخرجات لجنة (6 + 6) بوصفها خطوة توافقية مهمة بشأن القوانين الانتخابية، مشيراً إلى ضرورة استمرار اللجنة في مهامها.