«غوغل» تحذر وسائل الإعلام البريطانية من حذف الروابط الخاصة بها

محرك البحث لديه نحو 85 في المائة من حصة السوق في أوروبا

«غوغل» تحذر وسائل الإعلام البريطانية من حذف الروابط الخاصة بها
TT

«غوغل» تحذر وسائل الإعلام البريطانية من حذف الروابط الخاصة بها

«غوغل» تحذر وسائل الإعلام البريطانية من حذف الروابط الخاصة بها

بعد أسبوع من بدء شركة «غوغل» حذف روابط تخص محتوى شبكة الإنترنت في أوروبا، بدأ يظهر بعض الأمثلة على نوع المعلومات التي يتعين الإدلاء بها.
وحسب ما أفاد به عدد من وسائل الإعلام البريطانية، بما في ذلك الـ«بي بي سي» وصحيفة «غارديان»، فقد تلقوا إخطارا من شركة «غوغل»، يوضح طبيعة المقالات الخاصة بهم التي لن تظهر في عمليات البحث الأوروبية عبر الإنترنت (ورغم ذلك ما زالت الروابط متاحة عبر «Google.com»).
وتتضمن الروابط مقالة عن ستان أونيل الرئيس السابق للمصرف الاستثماري ميريل لينش (Merrill Lynch)، ومقالات أخرى ذات صلة بحكم كرة قدم اسكوتلندي. ففي المقالة التي نشرها موقع «بي بي سي»، كتب روبرت بستون - المحرر الاقتصادي لـ«بي بي سي» في عام 2007 عن دور السيد أونيل في الخسائر التي تكبدها بنك ميريل لينش أثناء الأزمة المالية. وذكرت صحيفة الغارديان، أنه جرى حذف روابط لستة مقالات في أوروبا، بما فيهم ثلاثة مقالات تعود إلى عام 2010، تتناول حكم كرة القدم (الذي تقاعد الآن) الذي أقدم على الكذب بشأن سبب إعطائه ضربة جزاء في إحدى المباريات في اسكوتلندا.
ولم يكن من الواضح ما إذا كان الأفراد المذكورون على وجه التحديد في تلك المقالات هم الذين طالبوا بحذف روابط تلك المقالات، أم أن آخرين قاموا بتقديم طلبات إلى شركة «غوغل» لحذف تلك الروابط.
ومن الجدير بالذكر أنه من أجل حذف الروابط، يتعين على الأفراد تقديم طلبات لحذف روابط تتعلق بأسماء معينة، ولكن تستمر تلك المقالات في الظهور بمجرد البحث باستخدام الكلمات المفتاحية (وليس من خلال اسم الفرد) في عمليات البحث الأوروبية. ولا تزال أيضا المقالات متاحة على المواقع الإخبارية، حتى لو لم تكن متاحة من خلال البحث عن اسم الشخص عبر محرك البحث «Google.co.uk» وعلى مجالات البحث الأوروبية الأخرى عبر محرك البحث «غوغل».
وبموجب القضية الأخيرة الشهيرة بالمحكمة الأوروبية العليا، يجب أن يسمح محرك البحث الأميركي للمستخدمين في المنطقة، وربما من هم يوجدون خارج أوروبا، الطلب بحذف روابط المعلومات الخاصة بهم من نتائج البحث. وينطبق هذا الحكم على محرك البحث «غوغل»، الذي لديه نحو 85 في المائة من حصة السوق في أوروبا، كما ينطبق هذا الأمر على محركات بحث أخرى، مثل محرك البحث «بينغ» التابع لشركة «مايكروسوفت».
وحسبما ذكرت وسائل الإعلام البريطانية، فقد تلقت إخطارات من شركة «غوغل»، توضح طبيعة المقالات التي لن يُسمح بعرضها في نتائج البحث الخاصة بها.
وحسبما جاء في الإخطار: «يؤسفنا أن نحيطكم علما بأنه لم يعد باستطاعتنا إظهار الصفحات التالية على موقع الويب الخاص بكم عند إجراء عمليات بحث أوروبية على محرك البحث (غوغل)». وقد سلط الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية الضوء على الصعوبات التي تواجهها المنطقة من أجل تحقيق التوازن والتوفيق بين حرية التعبير عن الرأي، وحق الأفراد في الخصوصية.
وعلى النقيض من الولايات المتحدة، لم ينص القانون الأوروبي على أن حرية التعبير تعلو الحقوق الأخرى، ولذا يتعين على المشرعين والشركات التوفيق بين هذين الحقين اللذين عادة ما يكونان متعارضين. وبموجب مبدأ «الحق في النسيان»، يمكن للمستخدمين المطالبة بحذف روابط معينة من محرك البحث «غوغل»، في حال أن هذه المعلومات «غير ملائمة، أو غير ذي صلة، أو أنها لم تعد ذات صلة». وسوف يقع على عاتق محرك البحث «غوغل» وغيره من محركات البحث الأخرى مسؤولية تحديد ما إذا كان يتعين إظهار المعلومات أم لا في نتائج البحث. وفي حال اعتراض المستخدمين على القرار المتخذ، يمكنهم طلب تدخل المنظمين المعنيين بمسألة حماية البيانات الشخصية للأفراد.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة «غوغل» تلقت أكثر من 50000 طلب من المستخدمين على الإنترنت لحذف الروابط الخاصة بهم من محرك البحث، ومن المرجح أن يظل النقاش حول ما الذي يجب (وما لا يجب) حذفه مثيرا للجدل.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.