تمخض اجتماع مجلس شورى حركة النهضة المنعقد في مدينة الحمامات (شمال شرقي تونس) عن تخيير يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، بين الالتزام بعدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي مواصلة ترؤس حكومة الوحدة الوطنية الحالية حتى حلول الموعد المحدد، أو الرحيل ومغادرة رئاسة الحكومة، من أجل العمل على تشكيل حكومة سياسية محايدة برئاسة جديدة تكون مهمتها قيادة البلاد وتهيئتها لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
ودعا عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة النهضة، في تصريح إعلامي، الشاهد، إلى «التعجيل بتوضيح مسألة إعادة هيكلة الحكومة والتعديل الوزاري حتى لا تبقى البلاد في حالة انتظار». ومن شأن هذا الموقف السياسي الجديد، أن يزيد الضغط على حكومة الشاهد التي تغافلت عن دعوة «حزب النداء» نهاية الشهر الماضي إلى ضرورة تجديد ثقتها أمام البرلمان، كما أن الوضع الحالي قد يعيد اتحاد الشغل (نقابة العمال) إلى الواجهة لإحياء دعوة مماثلة إلى ضرورة «تغيير ربان السفينة»، كما ذكر نور الدين الطبوبي رئيس هذه المنظمة النقابية المؤثرة في المشهد السياسي التونسي.
وخلافاً للتقييمات المتعددة الصادرة عن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والاجتماعية، وإقرارها بتأزم الأوضاع السياسية والاجتماعية والسياسية في تونس، وضرورة إجراء تعديلات على العمل الحكومي، فإن المكتب التنفيذي لـ«حركة النهضة» أكد خلال اجتماع عقده قبل ثلاثة أيام بمقر الحزب على أن «الوضع الحكومي مستقر، خصوصاً إثر تزكية هشام الفراتي وزير الداخلية الجديد»، غير أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يبقى في حاجة ملحة لمزيد من العمل على دفع نسق النمو الاقتصادي، وهي رؤية تختلف تماماً مع تقييمات بقية الشركاء السياسيين، خصوصاً «حزب النداء».
رفض المساواة في الميراث
وعكس اجتماع مجلس شورى «حركة النهضة» كذلك رفضها «أي مشروع يتنافى مع الدستور ومع النصوص القطعية للقرآن الكريم»، في إشارة إلى مشروع قانون المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة الوارد في تقرير لجنة «الحريات الفردية والمساواة»، الذي اقترحه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. وهي المرة الأولى التي تعلن فيها الحركة ذات التوجه الإسلامي عن موقف واضح من هذا الموضوع، إذ سبق لعماد الخميري المتحدث باسم الحركة، التصريح بقبول جزء من تقرير «الحريات الفردية والمساواة»، ورفض جزء آخر دون مزيد من التوضيحات.
ويعتبر مجلس شورى حركة النهضة، الذي يضم 150 عضواً، من المؤسسات المؤثرة في توجهات الحركة، وهو الذي يحسم المسائل الخلافية بعد تداولها من قبل المكتب التنفيذي للحزب. وفي السياق ذاته، دافع بلقاسم حسن عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة عن مطالبة الحزب ليوسف الشاهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في حال اعتزامه مواصلة رئاسة الحكومة، وكذلك دعوة الشاهد لإجراء تعديل وزاري جزئي على الحكومة، وأكد أن هذا الطلب ليس «بدعة»، إذ سبق أن اشترط الباجي قائد السبسي على أعضاء الحكومة في 2011 عدم الترشح للانتخابات، كما تم اشتراط عدم الترشح على أعضاء حكومة مهدي جمعة عام 2013.
وقال حسن إن طلب «النهضة» عدم الترشح للانتخابات الرئاسية ليس موجهاً إلى شخص يوسف الشاهد شخصياً، بل له كرئيس حكومة وحدة وطنية حتى لا يقع توظيف رئاسة الحكومة لتحقيق مآرب سياسية.
على صعيد آخر، أعلن المكتب السياسي لـ«الاتحاد الوطني الحر»، عن تراجع سليم الرياحي، الرئيس المؤسس للحزب، عن الاستقالة التي كان قد تقدم بها وتم رفضها في وقت سابق من قبل كافة هياكل الحزب.
وكان الرياحي استقال في 28 ديسمبر الماضي من رئاسة الحزب بعد أن تعرض لضغوط سياسية وأمنية متعددة، إثر معارضته لتوجهات الحكومة، وخروجه عن «وثيقة قرطاج» التي تشكلت على أساسها حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها يوسف الشاهد.
وبشأن هذه العودة السياسية، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن تراجع الرياحي عن الاستقالة وعودته لرئاسة حزب «الاتحاد الوطني الحر» سيخلط الكثير من الأوراق، خصوصاً أنه من بين الطامحين لدخول قصر قرطاج. ومن شأن معارضته ليوسف الشاهد وتمسك حزبه بضرورة تغيير الحكومة برمتها، أن يمتن العلاقة بين «الوطني الحر» و«حزب النداء».