التلوث البلاستيكي... يهدد الطبيعة والإنسان

العالم يواجه تحديات تنقية البحار والمحيطات من نفاياته

التلوث البلاستيكي... يهدد الطبيعة والإنسان
TT

التلوث البلاستيكي... يهدد الطبيعة والإنسان

التلوث البلاستيكي... يهدد الطبيعة والإنسان

يشكّل تلوّث البحار بالمواد البلاستيكيّة تهديداً مباشراً على توازن كل من الأنظمة البيئيّة البحريّة من جهة، وصحّة الإنسان من جهة أخرى. ولمادة البلاستيك تأثيرات سلبيّة على التنوع البيولوجي سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، فعندما تدخل المواد البلاستيكيّة إلى السلسلة الغذائيّة عن طريق الجسيمات الدقيقة دون أن تلفت الانتباه، فإنّ هذه المسألة البيئيّة تتحوّل إلى تحدّ كبير لصحة الإنسان ورفاهيته. ولذا فإن المحافظة على سلامة المحيطات تساهم في المحافظة على رفاهيّة الإنسان أيضاً.
وكان عنوان «التغلب على التلوث البلاستيكي» موضوع يوم البيئة العالمي لعام 2018 الذي اختارته الهند البلد المضيف لذلك اليوم لهذا العام، الذي يدعو إلى إحداث تغييرات في حياتنا اليومية للحد من العبء الثقيل للتلوث البلاستيكي على أماكننا الطبيعية وحياتنا البرية وصحتنا.
- التلوث البلاستيكي
في العالم، يتم شراء مليون عبوة مياه شرب بلاستيكية كل دقيقة. ويتم استخدام ما يصل إلى 5 تريليونات كيس من أكياس البلاستيك غير القابلة للاستعمال مرة أخرى في جميع أنحاء العالم كل عام. وعلى العموم فإن أكثر من 50 في المائة من البلاستيك الذي نستخدمه هو بلاستيك يستخدم لمرة واحدة.
ويفتقر ما يقرب من ثلث العبوات البلاستيكية التي نستخدمها إلى أنظمة لجمعها، ما يؤدي إلى امتلاء شوارع المدن بالمواد البلاستيكية وتلوث البيئة الطبيعية. ينتهي المطاف بنحو 13 مليون طن من المواد البلاستيكية في المحيطات، حيث تؤثر هذه المواد على الشعاب المرجانية وتهدد الحياة البرية البحرية الضعيفة، ويمكن أن يستمر البلاستيك في المياه لمدة تصل إلى 1000 سنة قبل أن يتحلل تماما.
كما يتحلل البلاستيك ويذوب في المياه التي نشربها - وبالتالي يمكن أن يدخل في جسم الإنسان. ولا يزال العلماء غير متأكدين من ذلك، ولكن البلاستيك يحتوي على عدد من المواد الكيميائية، يعد كثير منها ساما أو يؤثر على الهرمونات.
- نفايات البلاستيك في البحار
تنتشر مخاطر التلوث البلاستيكي على نطاق واسع ومتزايد بشكل سريع منذ حوالي نصف قرن، وتعد البحار والمحيطات التي تغطي 70 في المائة من مساحة الأرض أكثر المناطق المعرضة للخطر، ما يؤثر على النظم الأيكولوجية للمحيطات والبحار جميعها، بما في ذلك الكائنات البحرية والعوالق الحيوانية التي يعتمد عليها الإنسان في غذائه اليومي. يعتقد البعض أن جل النفايات موجود على اليابسة، ولكن الواقع والدراسات والبحوث تفيد بأن أغلب كميّة النفايات البلاستيكية ينتهي به الأمر إلى مياه البحر والمحيطات، وتستقر آلاف الأطنان من بقايا العبوات والحقائب والأغلفة والأكياس في بطون الأسماك والطيور والسلاحف والحيتان.
البقايا البلاستيكية الظاهرة على السطح ليست سوى جزء صغير للغاية من هذه النفايات، فالأدهى والأمر هو الجزيئات البلاستيكية متناهية الصغر التي تغوص في القاع وتأكلها الأسماك وغيرها من حيوانات الحياة البحرية وينتهي بها الحال إلى أطباقنا اليومية.
وأكدت دراسة واسعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أن الجزيئات البلاستيكية الصغيرة التي تتسبب فيها الأقمشة الصناعية وإطارات السيارات تلوث البحار بشكل واسع لم يكن معروف الأبعاد بهذا الشكل من قبل.
- البلاستيك وصحة الإنسان
يمكن للدائن الدقيقة وهي أجزاء بلاستيكية ذات أحجام صغيرة جداً أن تؤثر على صحة الإنسان من خلال الطعام البحري يتناوله كالأسماك وبلح البحر التي تبتلع البلاستيك. كما تهدد الصحة أيضا بولوجها إلى رقائق الملح، إذ وصلت نفايات البلاستيك إلى الملح البحري الذي يستعمله الإنسان في الطعام بشكل يومي؛ فقد اكتشف باحثون بجامعة صينية وجود جزيئات بلاستيكية في ملح الطعام، وقد تم إثبات وجود حوالي سبعمائة جزيء بلاستيكي بكل كيلوغرام في عينات صينية من ملح البحر.
ونظرا لأن مصدر هذه الجزيئات يعود إلى مياه البحر التي يستخرج منها الملح، فإن الباحثين يرون أن هناك احتمالا واردا جدا في أن يكون ملح الطعام في بلدان أخرى كذلك قد تلوث بجزيئات بلاستيكية أيضا. ومن أجل وقف تلوث المحيطات، يرى الخبراء أنه يجب إقفال مصدر التلوث باتباع استراتيجية للوقاية من النفايات تتمثل في خفض نسبة القمامة البلاستيكية بشكل كبير جدا.
كذلك يجب العمل على إعادة تدوير أكياس البلاستيك اللينة التي تستخدم في الأسواق التجارية وتملأ شوارع ومصبات القمامة، كما أن مبادرة فرز القمامة في كيسين منفصلين، أولهما للقمامة العضوية والثاني للأشياء التي يمكن إعادة تدويرها مثل البلاستيك والورق المقوى، تبقى المبادرة الأكثر رفقا بالصحة والبيئة وبالطيور والكائنات البحرية وكانت عدد من الدول قد قامت بفرض حظر على استخدام الأكياس البلاستيكية، من بينها فرنسا وبلجيكا والصين بالإضافة إلى ولايتي هاواي وكاليفورنيا الأميركيتين.
- تحلل البلاستيك يستغرق مئات الأعوام
في دراسة حديثة صادمة لصناعة إعادة التدوير، ذكرت جامعة جورجيا الأميركية أن أكثر من 91 في المائة من النفايات الأميركية ينتهي بها الحال في مكب النفايات، أو الأسوأ من ذلك في المحيط، ولم يكن الوضع أفضل حالا في أوروبا، فنسبة 70 في المائة من نفاياتها تنتهي بدون عملية إعادة تدوير.
تأخذ المواد البلاستيكية ما بين 10 أعوام وحتى 1000 عام حتى تتحلل، فالقوارير البلاستيكية مثلا تأخذ بالمعدل 450 عاما حتى تتحلل. أما مخلفات الزجاج ومع أنه يصنع من التراب، لكنه مادة لا تتحلل أبدا، في حين أن الأوراق تستغرق من أسبوعين إلى 6 أسابيع لتتحلل. وحتى أعقاب السجائر على الرغم من صغر حجمها فإن فترة تحللها تصل إلى 12 سنة.
كما يتفق العلماء أن أفضل الطرق لمعالجة أزمة النفايات المتكدسة هي التقليل من صناعة البلاستيك إضافة إلى محاولة تصنيع مواد تحل محل الأكياس البلاستيكية ولكنها صديقة للبيئة بحيث يتم إعادة استعمالها أو أنها تتحلل بسرعة حتى إذا تم التخلص منها.

- 10 حقائق صادمة حول التلوث البلاستيكي
> استعرض الخبراء 10 حقائق صادمة عن التلوث البلاستيكي في يوم الأرض هذا العام 2018، وهي كما يلي:
1. تم تصنيع 8.3 مليار طن من البلاستيك منذ الخمسينات من القرن الماضي حتى يومنا هذا.
2. عمليا كل قطعة من البلاستيك صنعت منذ ذلك الوقت ما زالت غير متحللة باستثناء كميات قليلة منها أحرقت.
3. 91 في المائة من المخلفات البلاستيكية لم يعد تدويرها، ولأن هذه المواد لا تتحلل طبيعيا بأي صورة فكل المخلفات قد تبقى لمئات بل آلاف السنين.
4. 500 مليون قصبة بلاستيكية لشرب العصير تستخدم كل يوم في أميركا لوحدها.
5. مليونا كيس بلاستيكي يتم توزيعها حول العالم كل دقيقة.
6. 100 مليون كيس بلاستيكي يستعمل في أميركا كل سنة.
7. مليون قنينة بلاستيكية يتم شراؤها كل دقيقة حول العالم وسوف يرتفع هذا الرقم إلى 500 مليار قنينة عام 2021.
8. هناك 8 ملايين طن من المواد البلاستيكية ينتهي بها المطاف في المحيطات.
9. هناك الكثير من المواد البلاستيكية الدقيقة جدا في مياه المحيطات.
10. إذا لم يتم تقليص إنتاج المواد البلاستيكية فإن التلوث البلاستيكي سوف يفوق كمية كل أحواض الأسماك بحلول عام 2050.

- 90 % من النفايات الأميركية تجد طريقها لمكبات النفايات أو المحيطات
> مرت عمليات إعادة تدوير النفايات بمراحل عديدة خلال السنوات القليلة الماضية، لتساهم في مواجهة التلوث البيئي لكوكب الأرض، فأين تذهب هذه النفايات وما هي حقيقة إعادة التدوير.
قبل بداية العام الحالي، كانت الصين تستورد وتعيد تدوير أكثر من نصف نفايات العالم من البلاستيك والورق، لكنها حظرت استيراد النفايات البلاستيكية بدءا من يناير (كانون الثاني) الماضي لأسباب بيئية، ما أدى إلى تكدس هذه النفايات بل وصولها إلى المحيطات.
وفي دراسة حديثة صادمة لصناعة إعادة التدوير، ذكرت جامعة جورجيا الأميركية أن أكثر من 91 في المائة من النفايات الأميركية ينتهي بها الحال في مكب النفايات أو الأسوأ من ذلك في المحيط، ولم يكن الوضع أفضل حالا في أوروبا، فنسبة 70 في المائة من نفاياتها تنتهي بدون عملية إعادة تدوير.
ويكمن رفض الصين في استيراد النفايات البلاستيكية لإعادة تدويرها في أن نسبة كبيرة منها أصبحت ملوثة بسبب احتوائها على نفايات أخرى بسبب عدم التزام الأفراد بتصنيف النفايات عند التخلص منها، فكم من الوقت يلزم لتتحلل نفاياتنا في الطبيعة.
تأخذ المواد البلاستيكية ما بين 10 أعوام وحتى 1000 عام حتى تتحلل، فالقوارير البلاستيكية مثلا تأخذ بالمعدل 450 عاما حتى تتحلل.
أما مخلفات الزجاج ومع أنه يصنع من التراب، لكنه مادة لا تتحلل أبدا، في حين أن الأوراق تستغرق من أسبوعين إلى 6 أسابيع لتتحلل.
وحتى أعقاب السجائر على الرغم من صغر حجمها فإن فترة تحللها تصل إلى 12سنة، كما أن حبال صيد الأسماك، يستغرق تحللها أكثر من 600 عام.
ويتفق العلماء على أن أفضل الطرق لمعالجة أزمة النفايات المتكدسة هي التقليل من صناعة البلاستيك إضافة إلى محاولة تصنيع مواد تحل محل الأكياس البلاستيكية ولكنها صديقة للبيئة، بحيث يتم إعادة استعمالها أو أنها تتحلل بسرعة حتى إذا تم التخلص منها.
ومع تكدس جبال من النفايات البلاستيكية في أنحاء من العالم يتجه الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم إضافية على صناعة البلاستيك، في مسعى منه إلى الضغط على التلوث الناتج عن هذه الصناعة.


مقالات ذات صلة

العلماء: «لا يوجد مكان على وجه الأرض غير ملوث»

يوميات الشرق اكتشف باحثون من هيئة المسح البريطانية جسيمات بلاستيكية دقيقة (هيئة المسح البريطانية)

العلماء: «لا يوجد مكان على وجه الأرض غير ملوث»

العلماء يكتشفون مخلفات بلاستيكية دقيقة في مناطق نائية في القارة القطبية الجنوبية، ويحذرون: «لا يوجد مكان على وجه الأرض غير ملوَّث».

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة القمر (إ.ب.أ)

هل أثرت جائحة «كوفيد» على القمر؟... دراسة تجيب

أفاد موقع «ساينس أليرت» بأن دراسة أُجريت عام 2024 خلصت إلى أن جائحة «كوفيد-19» التي تعرضنا لها أثرت على درجات الحرارة على القمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلوث الهواء يؤثر في قدرة الفرد على التركيز (رويترز)

دراسة: تلوث الهواء يقلل من قدرة الإنسان على التركيز

كشفت دراسة عن أن قدرة الشخص على التركيز على المهام اليومية تتأثر بالتعرض لتلوث الهواء حتى لو لفترة قصيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق عمال أنظمة الصرف الصحي يواجهون عدداً من التحديات المعقدة (جامعة جونز هوبكينز)

روبوتات ذكية لاستكشاف وصيانة شبكات الصرف الصحي

يعكف باحثون، بقيادة جامعة تالين للتكنولوجيا بإستونيا، على تطوير روبوتات ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وصيانة شبكات الصرف الصحي بأوروبا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
بيئة لقطة تُظهر مستويات عالية من تلوث الهواء في بانكوك (أ.ف.ب)

لمكافحة تلوث الهواء... طائرات تقوم برش الماء المثلج أو الثلج الجاف فوق بانكوك

توصّلت تايلاند إلى طريقة مبتكرة لإزالة الضباب الدخاني المنتشر في سماء بانكوك، إذ اعتمدت رش الماء المثلج أو الثلج الجاف بواسطة الطائرات.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
TT

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

كيف تعزز قيمة توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

من المنظور التجاري، تكمن الإمكانات الواعدة للذكاء الاصطناعي التوليدي في القيمة - إيرادات أعلى، وكفاءة، وعملية صنع قرار أكثر ابتكاراً. وفي الوقت ذاته، فإن توظيف هذه القيمة على أرض الواقع ليس بالأمر الهين، أما تعظيمها فهو أصعب.

حنسو هوانغ رئيس «نفيديا» يستعرض أهم اتجاهات التطوير في مجال الذكاء الاصطناعي بداية هذا العام في معرض الاستهلاكيات الإلكترونية في لاس فيغاس

رؤى الخبراء

يقدم الدليل التنفيذي المنشور في مجلة «سلون مانجمنت ريفيو» لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رؤى عدد من الخبراء حول الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي.

قبل أقل من عامين، تصدر الذكاء الاصطناعي التوليدي عناوين الأخبار، بفضل قدراته الجديدة المذهلة، فقد أصبح بإمكانه المشاركة في المحادثات؛ وترجمة وتفسير كميات هائلة من النصوص أو الصوت أو الصور؛ وحتى إنشاء مستندات وأعمال فنية جديدة. وفي أعقاب أسرع عملية تبني للتكنولوجيا في التاريخ -مع اجتذاب أكثر من 100 مليون مستخدم في أول شهرين- شرعت الشركات في كل الصناعات في تجريب هذا النمط من الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، ورغم مرور عامين من الاهتمام الإداري الواسع والتجريب المكثف، فإننا حتى يومنا هذا لم نشهد بعد التحولات التجارية واسعة النطاق، المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تصورها كثيرون في البداية.

مقابلات مع مديري الشركات

أجرى فريق مؤلف من كل من ميليسا ويبستر، محاضرة في مجال الاتصالات الإدارية، في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجورج ويسترمان، المحاضر في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلف مشارك للكتاب الحائز على جوائز، «قيادة الرقمنة: تحويل التكنولوجيا إلى تحول الأعمال»، أجرى مقابلات مع عدد من كبار المديرين بمجالات متنوعة، منها الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والابتكار، والعمليات، والمبيعات، داخل 21 شركة كبرى.

وتركز اهتمامنا على محاولة استيعاب ما تنجزه المؤسسات، التي تبنت الذكاء الاصطناعي التوليدي في مرحلة مبكرة وعلى نطاق واسع، ولماذا تبنته؟ كما تولينا مراجعة معلومات عامة بخصوص شركات مشابهة لتلك التي درسناها.

وفي الآونة الأخيرة، أعاد برنامج «تشات جي بي تي»، من شركة «أوبن آي»، صياغة تعريف التحول الرقمي ليصبح على النحو الآتي: «التكامل الشامل للتكنولوجيات الرقمية، على نحو يعيد تصور نماذج الأعمال والعمليات بشكل أساسي، على النقيض من التغيير التدريجي، الذي يركز على التحسينات التدريجية».

تحولات رقمية

بوجه عام، تتألف التحولات الرقمية من العديد من التحسينات التي تدعمها التكنولوجيا، والتي غالباً ما يجري تجميعها بمرور الوقت، لإحداث تغيير أوسع في كيفية عمل الشركة. ولا يجري دفعها بواسطة تقنية واحدة، بل باستخدام التكنولوجيات المناسبة للمهام الصحيحة، لطرح طريقة جديدة لإدارة الأعمال.

وخلصت أبحاثنا إلى أن أغلب الشركات تتبع نهجاً أكثر استهدافاً تجاه التحول، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي حين يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يعزز سرعة وجودة الكثير من المهام، فإنه ينطوي على مجموعة متنوعة من المخاطر المتعلقة بالدقة والأمن وإدارة الملكية الفكرية.

ويميل القادة الذين أجرينا معهم مقابلات إلى تطبيق فكرة «متحدر المخاطر» لدى اتخاذ قراراتهم، مع ربطهم المخاطر الأعلى بالعمليات التي تواجه العملاء، مقارنة بالعمليات الداخلية. ويرى القادة في صناعات مثل الطب والخدمات المالية، هذه المخاطر كذلك من منظور الالتزام التنظيمي.

تمثل ثلاث فئات من التحول مناطق مختلفة من متحدر المخاطر، بدءاً من الاستخدامات الفردية منخفضة المخاطر، ثم المهام الخاصة بالدور والفريق، وأخيراً المنتجات والتجارب التي تواجه العملاء.

شيوع الذكاء الاصطناعي بين العاملين

1. توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في المهام الشائعة بين الأفراد في الكثير من الأدوار.

في الطرف الأدنى من متحدر المخاطر، يعتمد الموظفون على النماذج اللغوية الكبيرة للاضطلاع بالكثير من الأدوار، مثل الكتابة، وتلخيص المعلومات، وتوليد الصور، وتوثيق الاجتماعات. ويمكن أن يكون للطبيعة شبه الشاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير حقيقي داخل المؤسسة.

وفي الوقت الذي كان المتبنون الأوائل يفكرون في الأدوات التي يجب توفيرها لكل موظف، بدأ هؤلاء الموظفون في استخدام أدوات عامة مثل «تشات جي بي تي» و«جيميني»، دون طلب إذن من الرؤساء. وبسبب الحذر من المخاوف المتعلقة بالخصوصية والدقة، مع مراعاة التكلفة الإضافية، شرع الكثير من الشركات في توفير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لبعض من موظفيها، على الأقل. وبدأت بعض الشركات، اليوم، في شراء أو إنشاء مجموعات أدوات متكاملة، تربط الذكاء الاصطناعي التوليدي بوظائف أخرى يؤديها الموظفون عادة. وتختلف الفوائد باختلاف الاستخدام والمستخدم، في الوقت الذي تؤثر مهارات المبادرة الفردية والتحفيز، على القيمة المستمدة من مثل هذه الأدوات.

توصيات استخدام الذكاء الاصطناعي

ضع في اعتبارك التوجهات الآتية.

* ترخيص نماذج لغوية كبيرة خاصة بالشركات

من بين سبل تناول المخاوف المرتبطة بالخصوصية والأمان، ترخيص نسخ خاصة من برامج النماذج اللغوية الكبيرة، مثل «تشات جي بي تي» أو «كلود» من شركة «أنثروبيك»، التي يمكن الوصول إليها عبر منصات سحابية آمنة. ويمكن للموظفين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المستقلة هذه في مهام الكتابة وإنشاء المحتوى الأخرى، دون تسريب معلومات سرية.

* التكامل المدمج مع أدوات الإنتاج المكتبي الشائعة

تتوسع حالات الاستخدام ومكاسب الإنتاجية، عندما تتمكن المؤسسة من دمج برنامج نموذج لغوي كبير مع معلومات الشركة وأدوات سطح المكتب، مثل «كوبيلوت» و«مايكروسوفت 365» و«جيميني» و«غوغل وورك سبيس». وتخلق هذه الأدوات ما أطلق عليه أحد المديرين «محرك بحث خارق»، قادر على تحديد المستندات المفيدة، سواء داخل الفريق أو عبر جنبات شركة عالمية. ويسمح التكامل للموظفين بسحب المحتوى من مصادر مختلفة، مثل رسائل البريد الإلكتروني ونصوص الاجتماعات والمستندات الداخلية.

* التكامل المخصَّصْ

تتجاوز بعض الشركات التكامل الأساسي لأدوات سطح المكتب، لإضافة ذكاء خاص بالشركة، وذلك عبر تدريب النماذج على المصطلحات والمعلومات التي هي ملك للشركة. وبالفعل، أنشأت شركة الاستشارات العالمية «ماكينزي» ببناء «لي لي» ـ منصة تربط الذكاء الاصطناعي التوليدي بملكيتها الفكرية من أكثر من 40 مصدراً داخلياً.

* الأدوات الخارجية

يمكن أن تكون الأدوات الخاصة بالشركات مفيدة وآمنة، لكن بعض الأشخاص يبحثون في أماكن أخرى عن أدوات لا يمكنهم العثور عليها داخلياً. في هذا السياق، أخبرنا أحد مديري البرامج في شركة تقنية كبيرة، أنه يستعين بـ«تشات جي بي تي» للاضطلاع بمهام تتضمن معلومات غير سرية، مثل كتابة المواصفات أو هيكلة المستندات، بينما يستخدم «دال إي» لإنشاء صور مرئية بسيطة بسهولة، بدلاً من استخدام أدوات أشد تعقيداً يمكنه الوصول إليها.

ويستعين زميل في إدارة المنتجات بـ«سوبر ويسبر» - أداة تحويل الصوت إلى نص تحتفظ بكل المعلومات- لإملاء أفكاره وتلخيصها وترتيبها في أثناء مراجعات الأداء. كما يستخدم أدوات مثل «بيربليكستي»، للتحقق من صحة المعلومات والإشارة إليها في مهام الكتابة التي يتولى إنجازها.

نظام سامسونغ لتنظيم حركة السير المدعوم بالذكاء الاصطناعي عرض بداية الشهر الحالي

تخصص الذكاء الاصطناعي التوليدي

2. أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتخصصة في أدوار ومهام محددة.

تعمل الشركات التي تشق طريقها نحو متحدر المخاطرة، على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي من شأنها تحسين الإنتاجية والجودة في إطار أدوار وظيفية محددة أو عمليات تجارية. وهنا، ثمة قدر أقل من التسامح تجاه الناتج غير المقبول، وإن لم يصل بعد إلى الدرجة نفسها المرتبطة بالتطبيقات التي تواجه العملاء. وعادة ما تحافظ هذه الحلول على وجود عامل بشري داخل الحلقة، حيث يتفاعل الموظفون مع الأدوات ويراجعون المخرجات، بدلاً من السماح لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي باتخاذ القرارات تلقائياً أو إنتاج المخرجات.

الآن، فكر في حالات الاستخدام الآتية:

* الترميز وعلوم البيانات

تعد هذه إحدى أقدم المهام وأكثرها شيوعاً، التي يجري إنجازها بالاستعانة بـ«تشات جي بي تي». وقد أظهرت دراسات دقيقة مكاسب إنتاجية كبيرة لمهندسي البرمجيات، الذين يستخدمون أدوات الترميز المساعد لتسريع وتيرة المهام، مثل كتابة الترميز أو العثور على مكتبات مفيدة أو إجراء مراجعات التعليمات البرمجية.

* دعم الأفراد الذين يتعاملون مع العملاء (مع وجود عنصر بشري داخل الدائرة)

شكلت خدمة العملاء واحدة من الاستخدامات الأولى لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المرتبطة بأدوار محددة، في مجال التعامل مع العملاء. ويمكن للأدوات مساعدة الوكلاء في العثور على المعلومات بسرعة واقتراح الإجراءات في الوقت الفعلي. كما يمكن لبعضها حتى تدريب الوكيل لاحقاً، وتلخيص الكثير من المكالمات لتحديد الأنماط وفرص التحسين.

وتتضمن الأمثلة الحالية لكيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمة العملاء:

- يمكن لبرنامج الدردشة الآلي الداخلي لشركة «أمازون»، ويدعى «فارماسي»، لدعم ممثلي خدمة العملاء في استرداد الإجابات من قاعدة المعرفة، داخل مركز المساعدة وتلخيص المعلومات، ما يسمح للمندوبين بالإجابة عن أسئلة العملاء في وقت أقل، بحسب الشركة.

- وجدت شركة «مورغان ستانلي» أن أداة مساعد المعرفة الخاصة بها، التي جرى تدريبها على أكثر من مليون صفحة من المستندات الداخلية، تعمل على تسريع عملية العثور على المعلومات للمستشارين الماليين، ما يسمح لهم بتوفير المزيد من الوقت للتركيز على احتياجات العملاء.

- تستعين شركة «سيسكو»، أكبر موزع أغذية بالجملة في العالم، بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهام تتنوع بين تقديم توصيات القائمة للعملاء عبر الإنترنت وإنشاء نصوص مخصصة لمكالمات المبيعات، بناءً على بيانات خاصة بالعملاء.

* دعم إنشاء المحتوى عبر الإنترنت

تعد شركة «كارماكس»، أكبر بائع تجزئة متعدد القنوات للسيارات المستعملة بالولايات المتحدة، من أوائل مَن تبنوا أدوات «أوبن آي» التوليدية. وتعتمد «كارماكس» على الذكاء الاصطناعي، لإنتاج نصّ لصفحات البحث عن السيارات، التي تساعد العملاء على اتخاذ قرار الشراء، وتضمين الكلمات الرئيسة وتنظيم المحتوى، بهدف تعزيز ترتيب البحث لصفحة الويب.

* العمليات الإبداعية

تستخدم شركة «دنتسو»، إحدى أكبر الوكالات الإبداعية بالعالم، الذكاء الاصطناعي التوليدي في جميع مراحل العملية الإبداعية، من الاقتراح إلى تخطيط المشروع إلى الأفكار الإبداعية. ويمكن للموظفين استخدامه لتحويل بضعة أسطر من نص إلى اقتراح، أو إدارة جداول بيانات الميزانية المعقدة، أو فهم الملاحظات من اجتماعات التخطيط الكثيرة.

* التمويل والتنظيم

أظهر عدد من الدراسات الاستقصائية أن فرق التمويل متأخرة نسبياً في تبني التقنيات الجديدة. وأوعز عدد من المديرين الماليين هذا التأخير إلى الفجوات التكنولوجية ومخاوف تسرب البيانات والتضارب بين الأولويات. ومع ذلك، تتقدم بعض الشركات على صعيد الابتكار، في إطار هذه الوظيفة التجارية.

تسويق المنتجات وخدمة الزبائن

3. الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنتجات والتفاعلات مع العملاء.

عندما يسأل الناس عن التحول التجاري المدعوم من الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنهم غالباً ما يقصدون التغييرات في المنتجات وتجارب العملاء الأخرى. ومع ذلك، غالباً ما تكون هذه التغييرات في نقطة أعلى على متحدر المخاطرة للشركة، مما يبرر الالتزام بخطوات حذرة، حتى مع تفكير الشركات بشكل استراتيجي في تطبيقات مستقبلية أكثر شمولاً. وبالفعل، بدأت الشركات التقليدية في تطبيق خدمة العملاء المدعومة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي للإجابة عن الاستفسارات البسيطة وتمكين عملية البيع.

بالوقت ذاته، تتولى شركات البرمجيات الكبرى بالفعل دمج الوظائف المدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها. وعليك أن تضع في اعتبارك الاستخدامات الآتية:

* التفاعلات المباشرة مع العملاء

يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على رفع قائمة الهاتف التقليدية، أو روبوت المحادثة المدعوم بأتمتة العمليات الآلية، إلى مستوى جديد من التطور. ويوفر تفاعلات باللغة الطبيعية ومرونة يتعذر تحقيقها باستخدام الذكاء الاصطناعي القائم على القواعد، علاوة على إضافة قدرات متعددة اللغات.

* تجارب التسوق المخصصة

اعتاد العملاء الحصول على المقترحات المتعلقة بمنتجات التجارة الإلكترونية، بناءً على ما اشتروه (أو اشتراه الآخرون)، بناءً على ما شاهدوه. اليوم، تستعين شركات بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تخصيص تجربة التسوق على طول رحلة العميل.

من جهتها، تعمل «أمازون» على تخصيص رحلة العميل، عبر تقديم توصيات وأوصاف للمنتجات تناسب العطلات التي يحصل عليها العميل أو رياضته أو تفضيلات نظامه الغذائي، أو حجم أسرته.

* تحسين منتجات البرمجيات الحالية

حتى مع إقدام الشركات التقليدية على تجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي في تفاعلات العملاء، شرعت شركات البرمجيات الرائدة بالفعل في دمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في منتجاتها، سواء لتحسين الميزات الحالية أو إضافة ميزات جديدة.

توليد التحولات

الآن، ما النمط الصحيح من التحول باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ تشير أبحاثنا إلى عدد من الإجراءات التي يمكن للقادة اتخاذها، لتوليد التحول باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

- تحديد الرواد الرئيسيين في مؤسستك، من صناع القرار وأصحاب المصلحة إلى المستخدمين الأقوياء، وتطوير رسالتك لهم.

- تقييم مكان شركتك في اللحظة الراهنة على متحدر المخاطرة، مقارنة بالشركات التي وصفناها.

- النظر في قابلية التوسع. وصف العديد من المشاركين في البحث كيف أن عملية الانتقال من المشروع التجريبي إلى التوسع ليست بالأمر الهين.

- ضمان دعم الإدارة. يعد دعم الإدارة ضرورياً للمشروعات الأكبر حجماً، خاصة أن المديرين ربما سمعوا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، وربما أصبحوا متشككين حيال إمكانات التقنيات الجديدة.

- التحقيق في الاستثمارات الأساسية التي يمكن أن تحسن نسبة المخاطرة إلى العائد في أعلى سلم المخاطر.

- الحفاظ على منظور طويل الأجل. إذ إن عقلية البحث عن الذهب حقيقية، ولكن التكاليف وعدم اليقين حقيقيان كذلك. عن ذلك، قال كريس بيدي، كبير مسؤولي خدمة العملاء في شركة البرمجيات «سيرفيس ناو»: «تستغرق الحالات التحويلية وقتاً أطول لبناء الحالة التجارية، واختبار النماذج، وتغيير السلوكيات، وما إلى ذلك. التحدي لا يرتبط بالجانب التكنولوجي فقط، بل كذلك في أن القادة يأخذون الوقت لإعادة تصور مستقبلهم، بناءً على أفكار كبيرة».