ميركل تخيب آمال جورجيا بشأن انضمامها للناتو والاتحاد الأوروبي

تواصل جولتها في القوقاز... وتبحث عن مصادر بديلة للغاز والنفط الروسيين

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه (أ.ف.ب)
TT

ميركل تخيب آمال جورجيا بشأن انضمامها للناتو والاتحاد الأوروبي

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه (أ.ف.ب)

بعد عشر سنوات على تعهد قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفتح المجال أمام انضمام الجمهورية السوفياتية السابقة، لعضويته، خيبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس آمال جورجيا في انضمام سريع للتكتل الدفاعي والاتحاد الأوروبي. وقالت ميركل خلال زيارتها لـلعاصمة الجورجية تبليسي إنه لا ينبغي التعهد بأن الانضمام السريع ممكن، مضيفة أن هناك إصلاحات من الضروري تنفيذها أولا.
وأكد رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل رغبة بلاده في أن تصبح عضوا بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وقال: «لكن ليس لدينا أوهام، فعندنا الكثير مما يجب عمله، ونحن جزء من الحضارة الأوروبية».
وقالت ميركل خلال لقاء مع طلاب في جامعة تبليسي الوطنية: «لا أرى انضماما سريعا (لعضوية) للحلف الأطلسي، هذا موقف ألمانيا». وقالت في أول محطة لها في رحلتها إلى جنوب القوقاز: «الأمور تحصل تدريجيا». وفي المقابل، أكدت ميركل أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أيضا توفير «هياكل قادرة على العمل»، حتى يمكن ضم أعضاء جدد للاتحاد.
تجدر الإشارة إلى أن الجمهورية السوفياتية السابقة المطلة على البحر الأسود يبلغ عدد سكانها نحو 7.‏3 مليون نسمة. وقالت ميركل إن الموقع الإقليمي لجورجيا بجوار روسيا يزيد من صعوبة بعض الأمور فيما يتعلق بمسألة الانضمام، موضحة أن الهدف هو زيادة التقارب مع جورجيا دون انضمام رسمي بالضرورة.
وكانت ميركل قالت الخميس في مستهل زيارتها لجورجيا إنها تتبنى تصنيف جورجيا كدولة آمنة وليست مصدرة للاجئين، مضيفة أنه بعد تحرير تأشيرة الاتحاد الأوروبي أمام المواطنين الجورجيين، تقدم الكثيرون منهم بطلب اللجوء إلى ألمانيا، على الرغم من ندرة عدد من اعترفت بهم السلطات الألمانية كلاجئين. وأشارت ميركل إلى تراجع أعداد اللاجئين القادمين من جورجيا ثانية وذلك بفضل مساعدة الحكومة الجورجية.
وخلال قمة في بوخارست في 2008 أعلن قادة الحلف الأطلسي أن جورجيا ستصبح عضوا في الحلف في مرحلة ما، لكن تحت ضغط من ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولاس ساركوزي، رفض القادة وضع الدولة الصغيرة المطلة على البحر الأسود في المسار الرسمي للعضوية.
وأثار مسعى جورجيا للانضمام إلى الحلف العسكري الذي يضم 29 دولة، غضب روسيا. وبلغت سنوات من التوتر ذروتها في أغسطس (آب) 2008 بحرب وجيزة على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، المنطقتين الانفصاليتين المدعومتين من روسيا. وأدت الحرب التي ألحق فيها الجنود الروس هزيمة بالجيش الجورجي الصغير في خمسة أيام فقط، إلى مقتل مئات الأشخاص من الجانبين. وبعد النزاع أعلنت روسيا الجيبين الانفصاليين دولتين مستقلتين وأقامت فيهما قواعد عسكرية دائمة رغم إبرام اتفاقية سلام بوساطة الاتحاد الأوروبي. ووفقا للقانون الدولي، فإن المنطقتين تابعتان لجورجيا. وقالت ميركل للطلاب إن ذلك يشكل «احتلالا لعشرين في المائة من الأراضي الجورجية ويعد ظلما كبيرا». وقالت: «لا ينبغي الارتضاء بذلك»، مشيرة في المقابل إلى أن حل هذه المشكلة سيتطلب وقتا أطول، مضيفة أن عدم السماح مجددا بالنفاذ عبر الخطوط الحدودية «ليس إشارة جيدة بالطبع».
وأعلن الكرملين في هذه الأثناء عن لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسي الإقليمين الانفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجمعة. وبحسب البيانات، ستدور المحادثات في موسكو حول التعاون الاقتصادي وتنمية المنطقتين. وتفقدت المستشارة في جورجيا «الخط الحدودي الإداري» الذي يفصل بين المنطقة التي تديرها جورجيا عن الإقليمين الانفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، قبل توجهها إلى أرمينيا، إذ تواصل المستشارة ميركل جولتها في جنوب القوقاز. وتتوجه ميركل بعد أرمينيا اليوم السبت إلى أذربيجان، حيث ستدعو إلى «حل سلمي وتوافقي» للنزاع الطويل الأمد بين الدولتين على منطقة ناغورني قره باخ، بحسب ما أعلن مكتبها، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية. وفي أذربيجان من المتوقع أن تناقش التعاون في مجال الطاقة مع هذه الدولة الغنية بالنفط والمطلة على بحر قزوين، والتي ينظر إليها الآن كخيار للتقليل من اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي والنفط الروسيين.
وفي سياق متصل طالب قيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية وزير المالية الألماني، المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس، بإبداء استعداد أكبر لزيادة نفقات الدفاع. وقال رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، فولكر كاودر، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إنه يرى أنه من الجيد أن يدعم وزير الخارجية الألماني و«أحد الساسة البارزين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، هايكو ماس، موقفنا بشأن زيادة نفقات الدفاع، حتى تتمكن أوروبا من فعل المزيد من أجل أمنها، مضيفا أنه خلال التفاوض حول الميزانية سيتضح ما إذا كان هناك «عواقب عملية» لموقف وزير الخارجية، وقال: «حتى الآن أرى أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يزال بعيدا عن هذا الموقف». وكان ماس طرح مؤخرا محاور لاستراتيجية جديدة تجاه الولايات المتحدة، لمواجهة التغييرات التي أحدثها دونالد ترمب منذ توليه رئاسة البلاد. وأكد ماس في هذه المحاور على ضرورة زيادة نفقات الدفاع وإقامة اتحاد أمني ودفاعي أوروبي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟