أميركا تجمع «أوراقها السورية» للضغط على روسيا وإخراج إيران

قررت الإبقاء على قواتها شرق نهر الفرات... وربط تمويل الإعمار وعودة اللاجئين بالحل السياسي

مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يتحدث في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره الروسي في جنيف أمس (إ.ب.أ)
مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يتحدث في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره الروسي في جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

أميركا تجمع «أوراقها السورية» للضغط على روسيا وإخراج إيران

مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يتحدث في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره الروسي في جنيف أمس (إ.ب.أ)
مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يتحدث في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره الروسي في جنيف أمس (إ.ب.أ)

بات ملف إخراج القوات الإيرانية النظامية وغير النظامية من سوريا مكونا رئيسيا في «السياسة الأميركية» في التعامل مع الملف السوري، حيث تتمسك واشنطن بأوراق ضغط على موسكو للوصول تدريجيا إلى هذا الهدف بالتوازي مع حصول إسرائيل على «ضوء أخضر» من موسكو لتوجيه ضربات ضد «البنية التحتية» الإيرانية في سوريا.
وأكدت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» أمس أن إدارة الرئيس دونالد ترمب حسمت قرارها بعد مناقشات داخل الإدارة ومع حلفاء واشنطن للإبقاء على جنودها الـ2000 شمال شرقي سوريا وبقاء منطقة الحظر الجوي التي أقامها التحالف الدولي ضد «داعش» فوق ثلث الأراضي السورية في شمال وشمال شرقي البلاد (من أصل 185 ألف كيلومتر مربع).
وتختلف قراءة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول أهداف هذا الوجود العسكري الذي يضم مئات من الوحدات الخاصة الفرنسية والإيطالية والبريطانية أعضاء التحالف الدولي ويشمل أيضا قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية الأردنية العراقية جنوبا والطبقة ومنبج شمال غربي البلاد وجنوب نهر الفرات.
بولتون يريد أن يكون الهدف من ذلك تحقيق أمرين؛ محاربة «داعش» ومنع ظهوره ومراقبة الوجود الإيراني والضغط لانسحاب هذه القوات والميلشيات وعودتها إلى بلادها، في حين يضيف بومبيو هدفا ثالثا للوجود، يتمثل بالضغط لتحقيق حل سياسي في سوريا وتنفيذ القرار 2254 وإجراء إصلاحات دستورية.
والواضح، بحسب المصادر، أن بومبيو يريد من خلال تعيين 3 شخصيات بارزة؛ الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» ديفيد شينكر، ومسؤول الشرق الأوسط السابق في مجلس الأمن القومي جويل روبان، والباحث في «معهد واشنطن» السفير الأميركي السابق في بغداد وأنقرة جيمس جيفري، الوصول إلى خطة للإفادة من أوراق الضغط الأميركية للوصول إلى حل سياسي.
وتواصل إسرائيل شن غارات على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» بموجب تفويض من الكرملين الذي أشار إلى أن موسكو لا تستطيع إخراج إيران من سوريا، وأن وجودها «شرعي»، لكنها لا تمانع ولا تعترض على توجيه «ضربات جراحية». وقال دبلوماسي غربي: «روسيا تريد إضعاف إيران في سوريا، لكن لا تريد إخراجها حاليا، وتعمل للموازنة بين مطالب إسرائيل وطموحات إيران».
وتبدو أطراف الإدارة مجمعة على جملة من النقاط في «السياسة السورية»؛ منها الحصول على دعم الدول الأعضاء في التحالف الدولي لخطط الاستقرار وتوفير 300 مليون دولار أميركي لهذا الغرض، الأمر الذي تحقق معظمه بعد نقل واشنطن 230 مليون دولار من صرفها في سوريا إلى صرفها في العراق. ومنها تعزيز الوجود الدبلوماسي شمال شرقي سوريا، الأمر الذي جرى التعبير عنه ببقاء السفير الأميركي ويليام روباك معظم الوقت في هذه المنطقة وقيام روبان بزيارة قصيرة لهذه المناطق.
ويعتقد خبراء أميركيون أن منطقة شرق الفرات تملك جميع العوامل كي تمثل ورقة ضغط رئيسية في تفاوض واشنطن مع دمشق وموسكو، ذلك أنها تضم 90 في المائة من النفط السوري (الإنتاج كان 360 ألف برميل يوميا قبل 2011) ونصف الغاز السوري وأكبر 3 سدود على نهر الفرات (الطبقة، تشرين، البعث)، إضافة إلى محاصيل زراعية، خصوصا القطن والحبوب. وقالت المصادر الدبلوماسية: «بالإمكان الإفادة من هذه الأوراق للضغط على موسكو خصوصا أن مناطق النظام، التي تسمى سوريا المفيدة وتشكل 60 في المائة من مساحة البلاد، لا تضم موارد استراتيجية عدا الفوسفات».
ومن الأوراق الأخرى، التي تلوح بها واشنطن، أن لا إعادة إعمار (وهي مقدرة بنحو 400 مليار دولار أميركي) قبل توفر ظروف سياسية وتقليص دور إيران. وقال دبلوماسي: «رسالة واشنطن لموسكو... إما تحقيق ذلك وإما أن تتحمل روسيا أعباء الإعمار وتحصل على دولة فاشلة بمناطق النظام».
كما تربط واشنطن عودة اللاجئين إلى سوريا بحل سياسي أو تقليص دور إيران في سوريا. وأبلغ بومبيو هذا الموقف للمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا خلال لقائهما الأخير في واشنطن قبل أسبوع. كما ضغطت واشنطن على دول أوروبية للتعاطي ببرود مع مقترحات موسكو بإعادة اللاجئين في الظروف الراهنة.
في المقابل، تواصل موسكو الضغط لتنفيذ خطة لإعادة 1.7 مليون لاجئ، حيث بحث الرئيس فلاديمير بوتين هذا الملف مع المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل في برلين الأسبوع الماضي. كما ينوي بحثه خلال القمة الروسية التركية الإيرانية في طهران في 7 من الشهر المقبل، والقمة الروسية التركية الألمانية الفرنسية التي يجري العمل على تحديد موعدها.
اللافت أن وزارة الدفاع الروسية وزعت أمس ورقة تضمنت تصوراتها لإعادة اللاجئين، إذ إنها تحدثت عن وجود 6.648 مليون لاجئ سوريا في دول الجوار وأوروبا (بينهم 3.5 مليون في تركيا و534 ألفا في ألمانيا و976 ألفا في لبنان) بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. وأشارت إلى أنها شكلت لجانا وفرق عمل مع الأردن وتركيا ولبنان لإعادة السوريين، إضافة إلى توفير 10 ممرات آمنة عبر الحدود لتحقيق هذا الغرض.
ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة استمرار موسكو في «فرض وقائع على الأرض وتوفير دعم سياسي لمبادرة إعادة اللاجئين والإعمار»، إضافة إلى السيطرة بطريقة ما على إدلب، مقابل استمرار واشنطن على طريقة للإفادة من «الأوراق التفاوضية» التي تملكها للضغط على موسكو وتحقيق تقدم في إخراج إيران أو تقليص دورها والحل السياسي مع استمرار المعركة ضد «داعش» في جيوبه الأخيرة قرب حدود العراق.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.