شكك الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، في مصداقية محاميه السابق مايكل كوهين بعدما تلقي ضربتين ذواتي أبعاد قضائية في ظرف أقل من نصف ساعة أول من أمس، من محكمتين مختلفتين.
وأقرّ كوهين أمام قاضٍ فيدرالي في قاعة محكمة مكتظة بمنطقة مانهاتن بنيويورك، بثماني تهم موجهة إليه، من ضمنها الاحتيال الضريبي والمصرفي، وانتهاك القوانين الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016. في حين أدانت لجنة محلفين في فيرجينيا رئيس حملة ترمب السابق بول مانافورت بثماني تهم، تتعلق بالضرائب والاحتيال المصرفي.
في هذا السياق، اعترف كوهين الذي بدا محبطاً، وفي بعض الأحيان متلعثماً، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، بأنه دفع مبلغي 130 و150 ألف دولار لامرأتين تقولان إنهما أقامتا علاقة مع ترمب لقاء التزامهما الصمت، مؤكداً أن ذلك تم «بطلب من المرشح» ترمب، وكان الهدف تفادي انتشار معلومات «كانت ستسيء إلى المرشح».
وقال كوهين، إنه تصرف «بالتنسيق مع وبتوجيهات من» ترمب، مضيفاً «لقد شاركت في هذا السلوك بهدف التأثير على الانتخابات».
وفي أول رد فعل على اعترافات كوهين، أكد ترمب في سلسلة من التغريدات أن انتهاكات تمويل حملته «ليست جريمة»، في حين اتهم محاميه السابق باختلاق «قصص» للحصول على صفقة لتخفيف التهم الموجهة إليه. وكتب أن «مايكل كوهين اعترف بذنبه في تهمتين تتعلقان بتمويل الحملة الانتخابية، وهما ليستا جريمة»، مضيفا أن «الرئيس (السابق باراك) أوباما عانى من انتهاك تمويلي كبير لحملته الانتخابية، وتمت تسوية الموضوع بسهولة».
وقارن الرئيس بين كوهين وبين مانافورت، ووصفه بأنه «رجل شجاع جداً». وأضاف «أشعر بالاستياء الشديد حيال بول مانافورت وعائلته الرائعة... على عكس مايكل كوهين فقد رفض الانكسار، واختلاق القصص للتوصل إلى (صفقة)». وأضاف أن «عدداً كبيراً من التهم، عشر، لم تستطع (هيئة المحلفين) تأكيدها في قضية بول مانافورت. مطاردة واضطهاد»، في إشارة إلى التهم التي لم تتمكن هيئة المحلفين من التوصل إلى قرار بشأنها.
وواصل انتقاد محاميه السابق قائلاً «إذا كان أحد يبحث عن محامٍ جيد، فأنا أقترح بقوة ألا تستعينوا بخدمات مايكل كوهين».
وفي حين يتم النظر في القضيتين المنفصلتين أمام محكمتين مختلفتين، غير أن الظل نفسه يخيّم فوق المحاكمتين في ألكسندريا ونيويورك، وهو ظل سيد البيت الأبيض الذي تواجه ولايته مسائل قضائية كثيرة تكبلها؛ إذ تطال الكثير من المقربين منه.
وأفاد ليني ديفيس، محامي كوهين، في بيان بأن موكله قرر «قول الحقيقة بشأن دونالد ترمب»، و«شهد تحت القسم» بأن الرئيس الأميركي «طلب منه ارتكاب جريمة». وتساءل «إن كان تسديد هذين المبلغين يعتبر جريمة ارتكبها مايكل كوهين، فلِمَ لا يشكل جريمة لدونالد ترمب؟». كما أكد في مقابلة مع شبكة «إم إس إن بي سي»، أن كوهين مستعد للتعاون مع المدعي الخاص روبرت مولر، والكشف عن كل ما يعرفه حول تهم التواطؤ مع روسيا.
في المقابل، قال بيغ بيت، وهو محامٍ فيدرالي، إنه ما زالت هناك علامات استفهام حول مصداقية مايكل كوهين. وأضاف أن عرض لاني ديفيس بأن موكله لديه معلومات تهم المحقق مولر في قضية التدخل الروسي، «أمر غير مفهوم»، مشيراً إلى أنه من الناحية القانونية كان الأفضل لديفيس أن يتواصل مع فريق المحقق مولر مباشرة وترتيب موعد للقاء كوهين دون استخدام وسائل الإعلام لجذب الانتباه.
وتعاقب التهم الموجهة إلى مايكل كوهين (51 عاماً) بالسجن لفترة إجمالية يمكن أن تصل إلى 65 عاماً، وسيصدر الحكم بحقه في 12 ديسمبر (كانون الأول)، وسيكون على الأرجح مخففاً بعدما الإقرار بالذنب والاعتراف. وذكر مصدر لشبكة «فوكس نيوز»، أن العقوبة قد تحدد بين 3 و5 سنوات فقط.
من جانبه، قال المدعي العام الفيدرالي في مانهاتن، روبرت خزامي، لدى خروجه من المحكمة «إنها اتهامات في غاية الخطورة تنم عن طريقة عمل قائمة على الكذب، وقلة النزاهة استمرت لفترة طويلة من الوقت».
أما إدانة مانافورت، فتتضمن رمزية كبرى لأنها تختتم أول محاكمة ناجمة عن التحقيق في الملف الروسي، وهو تحقيق يزداد تشعباً يجريه المدعي الخاص روبرت مولر حول تدخل روسيا في حملة الانتخابات الأميركية الأخيرة والشبهات بتواطؤ فريق حملة ترمب مع الكرملين بهذا الشأن.
وبقي مانافورت (69 عاماً) صامتاً عند تلاوة الحكم، وقال محاميه كيفن داونينغ، إن موكله يشعر بـ«خيبة أمل كبيرة» و«يدرس كل الخيارات». وهو يواجه عقوبة قصوى تصل إلى ثمانين عاماً في السجن، لكن المدعي العام الفيدرالي السابق جاكوب فرينكل أوضح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن القاضي «يمكن أن يصدر عقوبة تتراوح ما بين سبع وتسع سنوات» في حال اتبع التوجيهات الفيدرالية.
لكن بمعزل عن العقوبة، فإن الإدانة تشكل بعد أسبوعين من الشهادات والمداولات التي تابعها الأميركيون بشكل مكثف، انتصاراً رغم أنه غير مكتمل، للمدعي الخاص مولر.
واستغل الديمقراطيون التطورات الأخيرة لمهاجمة الرئيس، في حين التزم أبرز الجمهوريين الصمت. وسعت نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب، للضغط على النواب الجمهوريين واتهمتهم بالتستر على الرئيس. وطالبت بيلوسي بمكافحة الفساد والإجرام المتفشي في الدائرة الداخلية لإدارة ترمب، وقالت «اعتراف كوهين بدفع مئات الآلاف من الدولارات لإسكات السيدات من أموال تبرعات الانتخابات، يظهر أن مزاعم الرئيس عن عدم علمه بهذا الأمر ليست دقيقة، ويضعه في خطر قانوني كبير». وأضافت أن «تصميم الجمهوريين في الكونغرس على التستر على الرئيس وأتباعه يجعلهم يخونون القسم. ويجب على الجمهوريين في مجلس النواب التخلي عن مساندتهم للرئيس ترمب، وأن يؤكدوا أن لا أحد فوق القانون». كما أشادت بيلوسي بعمل المدعي الخاص روبرت مولر، وقالت إن إدانة كلٍ من مانافورت وكوهين دليل على أن مولر وفريقه يجرون تحقيقات دقيقة ومهنية.
من جانبه، قال متحدث باسم بول راين، رئيس مجلس النواب «نحن على علم باعتراف كوهين بالذنب في هذه التهم الخطيرة، ونحتاج إلى مزيد من المعلومات أكثر مما هو متاح حالياً».
من جنبها، ذكرت شبكة «سي إن إن» عن مصادر بالإدارة الأميركية، أن هناك صدمة بين العاملين بالبيت الأبيض من التطورات في قضيتي مانافورت وكوهين. ويرى جوناثن تورلي، أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن، أن مايكل كوهين ليس شاهداً يتحلى بمصداقية عالية، مشيراً إلى أن معظم ما قاله كوهين خلال اعترافاته أول من أمس كانت حقيقية، بعكس أقواله خلال العام الماضي التي كانت معظمها كذباً. وأوضح، أن استخدام كوهين شاهداً في القضايا التي تخص الرئيس دونالد ترمب يتطلب أن يكون هناك تعاون من جانبه، بحيث يوافق على إعطاء مزيد من التفاصيل عن علاقته بترمب. وأضاف أن أقوال كوهين بشأن تلقيه أوامر من ترمب لدفع مبالغ مالية لستورمي دانيال والتأثير على الحملة الانتخابية لترمب تندرج تحت مظلة قضايا تمويل الحملات، وهو أمر صعب التحقيق فيه وإثباته.
بدورها، تعتقد باربرا ماكواد، محامية أميركية متقاعدة، أن المهم في الأمر بالنسبة للقضاة في قضية كوهين كان التوصل إلى اتفاق يعترف فيه كوهين بالتهم الموجهة إليه، مشيرة إلى أن الخطوة القادمة ستكون التركيز علي الحصول على مزيد من التفاصيل بشأن علاقة بترمب بقضية التدخل الروسي. وأضافت أنه إذا تمكن كوهين من إثبات أن ترمب كان على علم باللقاء الذي عقده ابنه دونالد ترمب جونيور في برج ترمب في نيويورك، مع محامية روسية، فإن دائرة الاتهام ستقترب بشكل كبير من البيت الأبيض.
ترمب يتهم محاميه بـ«اختلاق قصص» ويشيد بمدير حملته السابق
قال إن تهمتَي انتهاك قانون تمويل الحملة الانتخابية الموجهتين إلى كوهين «ليستا جريمة»
ترمب يتهم محاميه بـ«اختلاق قصص» ويشيد بمدير حملته السابق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة