يتابع سكان قطاع غزة بشكل كبير، المباحثات التي جرت في القاهرة، خلال الأيام الأخيرة، بين «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى من جانب، والمسؤولين المصريين من جانب آخر، في محاولة للتوصل إلى اتفاق للتهدئة، أو لهدنة، تسعى جهات عدة بينها مصر والمبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف، للتوصل إليها بين الفصائل وإسرائيل لتثبيت الهدوء على حدود غزة.
ويثير عدم مشاركة حركة فتح في الجولة الأولى من المباحثات في القاهرة، كثيرا من القلق، حيث انتهت الجولة بعودة وفود الفصائل إلى قطاع غزة، على أن تستأنف المباحثات مجددا بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى. ويرجع البعض هذا القلق إلى مخاوف الغزيين من أن تزيد الهدنة من تبعات الانقسام الداخلي، وتترك نتائج خطيرة على القضية الفلسطينية.
وتفاوتت آراء من استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، لكن الجميع يتفق على ضرورة تجنب أي عدوان إسرائيلي جديد، يدفع المواطنون ثمنه غاليا.
وقال الناشط الإعلامي أحمد أبو عقلين، إنه ضد الاتفاق على هدنة مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن الأطراف التي تعمل عليها، تسعى لأن تجعل من الهدنة أمرا واقعا مفروضا على الفلسطينيين خدمة لأمن إسرائيل.
وبيّن أبو عقلين، أن ثمة أطرافاً تعمل على أن تكون الهدنة مفصلة على مقاس إسرائيل، التي تحاول بدورها، كسب الوقت لإنهاء بناء الجدار الجديد حول قطاع غزة، معتبرا أن لا ضمانات لدى الوسطاء. واعتبر أن 12 سنة من الحصار الإسرائيلي على غزة، لن تنتهي بهدنة هشة تحاول إسرائيل، من خلالها، فرض شروطها، مبينا أن الفصائل الفلسطينية لا تملك أي رادع للاحتلال يؤهلها لفرض شروطها، وأنه في حال نجحت في ذلك، فسيكون لذلك ما بعده من تنازل كامل عن المقاومة، وربما تهيئ لاتفاق أسوأ من «أوسلو».
وقال: «أي تسهيلات ستجلبها التهدئة، لن يشعر بها المواطن، وخاصة طبقة العمال».
من جانبه، قال أحمد أبو عزيز (38 عاما) من سكان شمال قطاع غزة، إنه لا يؤيد الهدنة، وإنها ستكون بمثابة مضيعة للوقت لصالح الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى بقوة للانتهاء من بناء الجدار على الحدود وفي البحر، قبالة سواحل حدود القطاع، واستغلال الهدنة لتمرير مشاريعه ضمن ما يطلق عليها «صفقة القرن». واعتبر أن ما يجري يأتي في إطار اتفاقية بين أطراف عدة، بينها السلطة الفلسطينية، التي تحاول الظهور بمظهر غير المُشاركة فيما قد يصبح «فخا لـ(حماس) وفصائل المقاومة».
ودعا الفصائل الفلسطينية للحذر، مشددا على ضرورة التنبه وعدم الدخول في هدنة رسمية، وبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ضمن محاولات تجنيب المواطنين عدوانا واسعا، والعمل على الحفاظ على الهدوء مقابل الهدوء مع ضمان استمرارية فتح المعابر.
من جانبه يرى الموظف في حكومة «حماس» في غزة، ياسر عبد الحق، أنه يعارض التهدئة في حال لم تلب الحد الأدنى للفلسطينيين. لكنه سيؤيدها في حال قدمت فرصة للمقاومة لترميم قدراتها وتطويرها، ورفع الحصار عن سكان القطاع.
وبيّن أنه غير متفائل مما يجري من محادثات في القاهرة، خاصة أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يلتزم بهدنة طويلة، حتى عام واحد أو أقل من ذلك، معتبرا أن الحديث عن مصطلح «الهدنة» يمثل خطرا، لأنه يسمح للاحتلال بأخذ مكاسب كبيرة، ولكنه يفضل «تهدئة قصيرة» لترتيب الأوراق الداخلية.
واعتبر أن عدم مشاركة حركة فتح في المحادثات التي شهدتها القاهرة، يمثل خطرا ويثير قلقا يعبر عن نوايا لدى الحركة باتخاذ خطوات عبر الحكومة التي تديرها في رام الله، لفرض مزيد من العقوبات على غزة، بحجة أن الاتفاق بين «حماس» والاحتلال يمثل محاولة لمنازعتها على شرعيتها، ما سيزيد من حدة الاحتقان والخلافات الداخلية التي ستزيد بدورها من تعميق حالة الانقسام. من جهته، قال أحمد الزريعي (49 عاما) من سكان دير البلح، وسط قطاع غزة، إن الهدنة باتت مطلبا شعبيا لدى كثير من الناس الذين ذاقوا ويلات الحروب في السنوات الماضية، من دون أن يجنوا ثمارا، لذلك يمكن أن يحسنوا خلال الهدنة ظروف حياتهم.
وأضاف الزريعي الذي فقد منزله في الحرب الأخيرة على غزة (2014): «زهقنا حروب على الفاضي، ناس تعبي كروش، وناس مش قادرة تعيش». وأشار إلى أن واقع الظروف والحياة في غزة مأساوي جدا وأن هناك عائلات لا تجد قوت يومها، وأنها تعيش في واقع مظلم لا يحمل أي آمال. وعبر الصحافي خالد الزهار، عن رفضه للتهدئة إذا كانت على حساب تصفية القضية الفلسطينية، وتمريرا لصفقة القرن التي كثر الحديث عنها في الأشهر الأخيرة.
وقال: إن «أي اتفاق لـ(حماس) والفصائل الفلسطينية دون حركة فتح، واستثناءها بطريقة غير مباشرة، بعقد تهدئة مع إسرائيل بوساطة مصرية، هو مجرد حبر على ورق، لأن إسرائيل أيضا لم تلتزم بأي اتفاقات سابقة، ولطالما خرقت مثل هذه الاتفاقات».
وأضاف: «أما إذا كانت التهدئة مقابل الحصول على مكاسب، على الأقل، تعود بالنفع على سكان غزة، فلا مانع من ذلك»، مشددا على ضرورة أن تشمل تلك المكاسب رفع الحصار، والتمتع بحرية الحركة والتنقل، ووقف العدوان المستمر ضد غزة، وعودة الكهرباء.
فيما قال الموظف في حكومة السلطة الفلسطينية أحمد الشيخ عيد، إنه ضد التهدئة أحادية الجانب بعيدا عن الضفة الغربية، لأن ذلك، برأيه «يعزز الانقسام ويمثل تفردا بالقرار الوطني الجامع والمطلب الشعبي بضرورة إنهاء الانقسام من جذوره». وأضاف: «هذه ستكون خطوة أولى لتنفيذ مخطط صفقة ترمب بسلخ غزة عن الضفة الغربية، وجعلها تتبع إداريا مصر، حسب المصالح المشتركة ين الجانبين، في ظل ما يجري في سيناء».
ورأى في غالبية الفصائل المتواجدة في مصر «غير أهل ليتحدثوا باسم سكان غزة»، مشيرا إلى أن «حماس» اعتبرت ما يجري فرصة لتقدم لنفسها إنجازا وهميا بعد 12 سنة عجاف.
وحمّل في الوقت ذاته، المسؤولية للحكومة الفلسطينية في الضفة، التي تتهرب من مسؤولياتها تجاه غزة، مشيرا إلى أن المواطن في غزة هو من يدفع ثمن الصراع القائم بين «حماس» و«فتح».
وطالب جميع الجهات الفلسطينية، بضرورة تذليل العقبات لإنجاح المصالحة وأن يتم تغليب المصالحة العامة على المصلحة الحزبية المقيتة. كما وصفها. من جانبه، يرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «حماس» وإسرائيل قطعتا شوطا في التهدئة بوساطة مصر والأمم المتحدة، على أساس تفاهمات 2014، التي تمت عقب العدوان الإسرائيلي الواسع، مرجحا أن توقع الفصائل على التهدئة بعد عيد الأضحى، رغم تشدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأنها.
وأشار إلى أن «حماس» والفصائل تسعى إلى تثبيت التهدئة مع ضمان تحسين الوضع الاقتصادي، وفق معادلة «هدوء مقابل هدوء»، لافتا إلى أن التهدئة سيكون لها مسار آخر يتضمن صفقة تبادل في وقت لاحق.
وقال: «بالرغم من الجدل الفلسطيني حول عدم مشاركة السلطة ورفضها للتهدئة، فإن كثيرين يرون أنها مقبولة لغرض تخفيف الحصار وفتح المعابر وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، خاصة بشأن الكهرباء والمياه».
8:18 دقيقة
الغزيون بين «ناس تعبّي كروش وناس مش قادرة تعيش» ومخاطر الانفصال
https://aawsat.com/home/article/1369196/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%C2%AB%D9%86%D8%A7%D8%B3-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D9%91%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D9%88%D8%B4-%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D8%B4-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%B4%C2%BB-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%B5%D8%A7%D9%84
الغزيون بين «ناس تعبّي كروش وناس مش قادرة تعيش» ومخاطر الانفصال
قلقون ومنقسمون ويبحثون عن خلاص لا توفره أي من الأطراف المعنية
الغزيون بين «ناس تعبّي كروش وناس مش قادرة تعيش» ومخاطر الانفصال
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة