المهدي جمعة.. هل ينقذ حكومة الترويكا؟

المهدي جمعة.. هل ينقذ حكومة الترويكا؟
TT

المهدي جمعة.. هل ينقذ حكومة الترويكا؟

المهدي جمعة.. هل ينقذ حكومة الترويكا؟

تباينت ردود الفعل في تونس على اختيار «المهندس الليبرالي» المهدي جمعة لرئاسة حكومة التكنوقراط التي يدور منذ خمسة أشهر جدل كبير حولها بين أحزاب «الترويكا» ومعارضيها.. مما تسبب في أخطر أزمة سياسية عرفتها تونس منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.
هذا المهندس والخبير في الطاقة والتكنولوجيا الذي لقي اختياره ترحيبا من قبل جل الأطراف الاجتماعية والسياسية والعواصم الغربية - وعلى رأسها باريس وواشنطن وبروكسل - واحد من بين «الوزراء التكنوقراط» في حكومة القيادي في حزب النهضة الإسلامي علي العريض التي تشكلت قبل تسعة أشهر.. ولم يعرف عنه أي بروز في وسائل الإعلام ولا في المحافل السياسية.
فلماذا وقع اختياره؟ وهل لديه مؤهلات خاصة؟ وهل هو فعلا «إسعاف جديد» للأغلبية الحاكمة منذ انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بزعامة حركة النهضة من خلال وجه ليبرالي له ميول إسلامية «ليس لديه ماض في (التنظيم السري)» للحركة؟
هل يمكن مجرد «رئيس الحكومة الثالثة للترويكا» التي تتزعمها حركة النهضة وتضم حزبي التكتل والمؤتمر العلمانيين وبعض المستقلين؟
أم أن العكس هو الصحيح أي إن المهدي جمعة سيكون أقرب إلى المعارضة والنقابات والمنظمات الحقوقية التي كانت وراء الضغوطات في الشارع ووسائل الإعلام حتى وافقت حكومة علي العريض على الاستقالة؟
أم هو في الوقت نفسه «الإسعاف الأخير» للنهضة وحلفائها في «الترويكا الفاشلة» وللمعارضة الضعيفة والمقسمة التي يصفها خصومها بـ«معارضة صفر فاصل» للتذكير بنتائجها الهزيلة في انتخابات أكتوبر 2011؟
وحسب كمال مرجان وزير الخارجية والدفاع في الحقبة الأخيرة من عهد زين العابدين بن علي زعيم حزب «المبادرة الوطنية الدستورية» المعارض حاليا، فإن تكليف المهدي جمعة بتشكيل الحكومة الجديدة يعد «الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد من مسلسل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها».
ونوه كمال مرجان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بمؤهلات رئيس الحكومة الجديد المقترح وعده فعلا من بين «التكنوقراط والمستقلين عن كل الأحزاب». وبرر مرجان بذلك تصويت حزبه لفائدة السيد جمعة في الجلسة العامة الأخيرة للحوار الوطني بعد أن اقترحته نقابتا رجال الأعمال والعمال ومنظمتا حقوق الإنسان والمحامين.
توافق منقوص لكن عددا من قادة الأحزاب والمنظمات التي ساندت ترشيح المهدي جمعة، مثل عبد الستار موسى رئيس رابطة حقوق الإنسان ومحمد محفوظ نقيب المحامين، أقروا أن «التوافق على المهدي جمعة داخل الجلسة العامة للحوار الوطني كان منقوصا».. لأن بعض الأحزاب القوية مثل حزب نداء تونس بزعامة الباجي قائد السبسي والحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي و«الجبهة الشعبية» بزعامة حمة الهمامي اعترضت عليه.. أو رفضت المشاركة في التصويت أصلا.
لكن كثيرا من زعماء أحزاب الترويكا والمعارضة مثل مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وزعيم حزب التكتل أو ومحمد الحامدي زعيم حزب «التحالف الديمقراطي» عدوا أن «التوافق لا يعني الإجماع».. وأن المهدي جمعة الذي لم يفز بثقة مائة في المائة من الأحزاب «نجح في أن يكون أول مرشح منذ أشهر تدعمه في نفس الوقت نقابات العمال ورجال الأعمال ونحو 10 أحزاب تتحكم في نحو 70 في المائة من البرلمان الانتقالي (المجلس الوطني التأسيسي) الذي يحتاج أي رئيس حكومة جديد لتزكية نصف أعضائه زائد واحد قبل تنصيبه».
العلاقة بالخارج وإذ سارع سفراء العواصم الكبرى بتونس للترحيب بخطوة اختيار المهندس المهدي جمعة - وخاصة سفارات ألمانيا وفرنسا وأميركا - فقد شكك كثير من نشطاء المواقع الاجتماعية التونسية مثل «فيس بوك» - التي يوجد بها نحو 5 ملايين منخرط أي نصف عدد المواطنين - في شخصية رئيس الحكومة الجديد.. وخاصة في ولائه للبلاد.
واستدل هؤلاء بـ«حجة» توليه مسؤوليات عليا في شركات أوروبية عملاقة من بينها شركة نفطية متعددة الجنسيات في فرنسا. كما تساءل آخرون عن الأسباب التي جعلت بعض «الجهات الأجنبية» تروج خلال الأسابيع الثلاثة الماضية للسيد المهدي جمعة.. عبر «افتعال خبر محاولة انقلابية ضد حكومة علي العريض» واتهامه بالوقوف وراءها صحبة وزير الخارجية الحالي السفير عثمان الجارندي رغم ما عرف به الرجلان من استقلالية وابتعاد عن الأضواء وحيادية عن كل الصراعات الحزبية.
كما تساءل بعض خصوم رئيس الحكومة الجديدة عن «سر ترويج السفير الألماني في موقعه في فيس بوك لصورة مع المهدي جمعة عند تناولهما (وجبة لحم مشوي) في مطعم شعبي غربي العاصمة تونس على هامش نشاط مشترك بين السفارة الألمانية ووزارة الصناعة التي يتولى جمعة الإشراف عليها».
وكانت تلك الصورة وزعت بكثافة في المواقع الاجتماعية ووسائل الإعلام التونسية ونشرت تعليقات إيجابية عليها تحت عنوان «دبلوماسية اللحم المشوي».. بما جلب شعبية للوزير قبل أيام من ترشيحه المفاجئ للمنصب الحكومي الرفيع.
ناشط إسلامي سابق لكن هذه الاتهامات لم تلق صدى كبيرا لدى قيادات كبرى الأحزاب التي رشحت المهدي جمعة ولا تلك التي عارضت اختياره مثل بعض القيادات اليسارية والنقابية - مثل الحقوقية نزيهة رجبية - التي اتهمته بكونه كان «طالبا إسلاميا في الجامعة قبل ثلاثين عاما».. وشككت في استقلاليته وتوقعت أن يكون «مواليا لحزب النهضة وحلفائه مثل حزبي المؤتمر بزعامة المنصف المرزوقي والتكتل بزعامة مصطفى بن جعفر».
وقد نفى قياديون في حركة النهضة على رأسهم راشد الغنوشي زعيمها انتماء السيد جمعة إلى حركتهم.. وأكدوا على كونه غادر تونس منذ عقود وأنه لم يكن في عهد بن علي من بين اللاجئين السياسيين أو النشطاء.
الاختبارات الصعبة؟
وقد ساير هذا التقييم وأكد على استقلالية المهدي جمعة حسين العابسي الأمين العام لاتحاد نقابات العمال وعدد من رموز المعارضة بقوة لحركة النهضة مثل المهدي بن غربية عن التحالف الديمقراطي وسمير الطيب الناطق الرسمي باسم حزب المسار (الحزب الشيوعي سابقا).
إلا أن المدافعين عن رئيس الحكومة الجديد أشاروا إلى أن «الحكم لفائدته وتأكيد استقلاليته الحزبية والسياسية وكفاءته سيكون رهين فوزه في عدد من الاختبارات الصعبة».. وعلى رأسها «شكيل فريقه الحكومي في أقرب وقت من بين الكفاءات والخبرات المستقلة.. دون الرضوخ لوصاية الأطراف السياسية والحزبية التي رشحته ووقفت إلى جانبه».
ولوح العباسي وعدد من قيادات النقابات العمالية والأحزاب بـ«سحب الثقة» من المهدي جمعة إذا قام بما يوحي بانحيازه الحزبي وبكونه لن يحترم «خارطة الطريق».. التي كانت وراء اختياره من بين أكثر من 20 مرشحا من الحجم الكبير بينهم زعيم المعارضة في عهد بورقيبة أحمد المستيري.. ووزراء المالية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية سابقا جلول عياد ومنصور معلى وصلاح الدين بن مبارك ومحمد الناصر.
الواقعية والاعتدال في الأثناء حذر عبد الفتاح مورو المحامي والقيادي في حزب النهضة من «المضاعفات السلبية للتهجم على المهدي جمعة أو محاولة شيطنته.. أو على أي شخصية مستقلة يقترحها البعض لإصلاح الأوضاع وقيادة البلاد في المرحلة المقبلة».
مورو نوه بخصال رئيس الحكومة الجديد لكنه دعا التونسيات والتونسيين وزعامات الأحزاب والمجتمع المدني إلى «الواقعية والاعتدال». وقال إن مؤهلات المهدي جمعة والفريق الذي سيختاره لا تعني قدرتهم على معالجة «كل الملفات المتراكمة في البلاد منذ عشرات السنين». وأكد أن أغلب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية والأمنية ستحتاج «على الأقل لعشرين عاما حتى تعالج بصفة جذرية».. لكن المطلوب اليوم من «كفاءة عالمية مثل المهدي جمعة بدء مثل هذا المشوار الإصلاحي» ومساعدة الطبقة السياسية والبرلمان الانتقالي للمرور إلى الانتخابات المقبلة في أقرب وقت.
الاستغناء فجأة عن أبرز المرشحين من جهة أخرى سجل المراقبون أنه على الرغم من ترحيب أهم النقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب باختيار المهندس المهدي جمعة لرئاسة الحكومة حتى إنجاز الانتخابات المقبلة، فإن الطرف الرئيس الذي ظل ينتقد بصوت مرتفع هذا الاختيار هو الحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي زعيم المعارضة القانونية في عهد بن علي.
لكن نقاط استفهام كثيرة لا تزال تؤرق صناع القرار والسياسيين.. من بينها ملابسات استبدال المرشحين السابقين لهذا المنصب «فجأة وفي الوقت الضائع» بوزير الصناعة الذي يبدو أن علاقات مهنية وخاصة متطورة سبق أن جمعته بالسيدة وداد بوشماوي رئيسة نقابة رجال الأعمال - اتحاد الصناعة والتجارة - وحسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل.
وحسب مصادر كثيرة فإن الثنائي بوشماوي والعباسي كانا منذ نحو الساعة الثامنة من صباح السبت الماضي أول من اقترح اسم السيد المهدي جمعة.. بعد مشاورات في الكواليس قد تكون شملت مباشرة وغير مباشرة مع قياديين من الصف الأول في «الأحزاب السبعة».. وخاصة في حزبي نداء تونس والنهضة.. ولم تبرز تلك المشاورات تحفظات جوهرية عليه على الرغم من اقتراح بعضهم اسمي السيدين محمد بن عيسى (رئيس الجامعة سابقا والمستشار السابق برتبة كاتب دولة في ديوان السيد الباجي قائد السبسي) والحبيب الصيد وزير الداخلية الأسبق والوزير المستشار الأمني في حكومتي السبسي والجبالي.
والسؤال اليوم الكبير هو: ما أهم سيناريوهات الحقبة المقبلة بعد هذا الاختيار «التاريخي»؟
العودة إلى مجلس الدولة؟
يعتقد كثيرون أن اختيار «شخصية تكنوقراط» لها خبرة 9 أشهر على رأس وزارة فنية رحبت بها المنظمات الاجتماعية و10 أحزاب (أحزاب الترويكا الثلاثة و6 أحزاب صغيرة بينها حزبا المبادرة والوطن حيث الأغلبية من بين الدستوريين) قد يكون وضع حدا لمقترح السيد الباجي قائد السبسي بإحداث «مجلس للدولة» يعوض رئيس الجمهورية. لكن بعض المراقبين المطلعين يعتقدون أن العكس هو الصحيح..
هؤلاء يقولون إن حظوظ إحداث مجلس أعلى للدولة يضم عسكريا وقياديين من نداء تونس والنهضة والنقابات «تعززت اليوم».. إذا سلمنا أن الفقرة الأولى غير المعلنة في «التوافق بين قيادتي حزبي النداء والنهضة» تتضمن إعطاء «النهضة والترويكا» صلاحية اختيار رئيس الحكومة وأغلب أعضائها مقابل تعديل القانون المؤقت المنظم للسلطات في اتجاه إنشاء «آلية تنفيذية موسعة جديدة في رئاسة الجمهورية» بزعامة السيد الباجي قائد السبسي.
لكن ماذا إذا لم ينجح هذا السيناريو؟
إسعاف «الحكومة الفاشلة (و) المعارضة الضعيفة»..
حسب كثير من صناع القرار فإن «ميزان القوى الحالي» في البلاد أقنع قيادات «الحكومة الفاشلة (و) المعارضة الضعيفة» بأنه لا سبيل لأي طرف سياسي أن يحتكر السلطة لوحده..
وحسب هذا السيناريو فإن كبار الساسة اقتنعوا أنه ليس من مصلحة أي حزب في الحكم والمعارضة «احتكار السلطة» مستقبلا.. لأن «حجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية (و) تعقيدات الأوضاع إقليميا ودوليا» يستوجب «انسحاب الزعامات السياسية من الصف الأول».. وإتاحة الفرصة للخبراء مثل المهندس السيد المهدي جمعة كي يحاول تدارك الموقف عبر إصلاحات عاجلة.
ووفق هذا التمشي فإن «حكومة التكنوقراط» التي سيشكلها السيد المهدي جمعة، تكون بمثابة «فرصة إسعاف أخيرة» للنخب الحاكمة والمعارضة في نفس الوقت.. بعد أن تبين تراجع شعبيتها جميعا وتناقص قدراتها على تحريك الشارع.. إلى درجة تبادل رموزها الاتهامات بالفشل.. في وقت أصبح فيه كثير من المراقبين المستقلين يصفون أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم بـ«الفشل» والأحزاب المناوئة له بـ«معارضة صفر فاصل» للتذكير بالنتائج التي حصل كل منها عليه في انتخابات أكتوبر 2011.. الأمر الذي مكن الإسلاميين وحلفاءهم من أن يحكموا البلاد بمجرد فوزهم بنحو مليون ونصف المليون من أصوات الـ8 ملايين ناخب.. الذين لم يشارك أكثر من نصفهم في الاقتراع العام.
ويأمل أنصار هذا السيناريو أن تمكن «حكومة التكنوقراط» كل الأطراف الحاكمة والمعارضة من فرصة القيام بنقدها الذاتي العلني.. وبدء الاستعدادات للانتخابات المقبلة.. بعيدا عن «ماكينة الدولة» وعن توظيف أموالها ومؤسساتها «خدمة لأغراض حزبية وشخصية..»؟
سيناريو «الصدام» و«القطيعة» لكن المتتبعين لفسيفساء المستجدات الأمنية والاجتماعية في البلاد لا يستبعدون سيناريوهات «قاتمة» بعد استقالة حكومة السيد علي العريض واختيار المهدي جمعة.. من بينها استفحال العنف والعنف المضاد والصراعات بين قطبين كبيرين: الأول بزعامة «الدستوريين» والمقربين «نداء تونس» والثاني بزعامة حزب النهضة وحلفائه في المجلس التأسيسي.. الذين يسيطرون على نحو ثلثي مقاعد المجلس وقد يختار «المتشددون من بينهم» الدخول في مواجهات «للمعتدلين» في أحزابهم وفي الحكومة المقبلة وحلفائها في المنظمات الاجتماعية والحقوقية.. كما قد يتمرد بعضهم مجددا على السيد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس المتمسك بمواقفه «الوسطية المعتدلة».
كل السيناريوهات واردة.. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التناقضات الداخلية في اتحادات الشغل والصناعة والتجارة والأحزاب الكبرى.. لا سيما في حزبي النهضة ونداء تونس.. وهي تناقضات قد تستفحل بعد أن يبدأ رئيس الحكومة الجديد تنفيذ برنامجه.. واقترابه من بعض «الخطوط الحمراء».. التي يبررها بحرصه على «إنقاذ البلاد» أكثر من سعيه «لإسعاف الترويكا والمعارضة ».
وفي كل الحالات سيكون أمام المهدي جمعة تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية كبرى يحتاج إلى رفعها بحزم وفي وقت قياسي مستفيدا من الدعم الذي قدمته له غالبية الأحزاب القوية والعواصم الغربية المؤثرة في القرار الداخلي التونسي لا سيما باريس وواشنطن.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.