«الجدار»... معرض يحكي معاناة بيروت وفلسطين بعدسة جوزيف كوديلكا

نحو 18 صورة فوتوغرافية التقطها المصور التشيكي الأصل بين بيروت وفلسطين، يستضيفها دار النمر في بيروت ابتداء من 12 سبتمبر (أيلول) المقبل، في معرض تحت عنوان «الجدار».
كوديلكا الملقب بـ«الهائم حول العالم» الذي يحمل عدسة كاميرته الفوتوغرافية ليصور تفاعله مع هذا العالم من خلال نظرته للأمور، سيحط هذه المرة في لبنان بعد أن أقام في بيروت لمرتين متتاليتين في عام 1991، في إطار بعثة فوتوغرافية مؤلفة من 6 فوتوغرافيين مختلفي الجنسية. يومها، جذبته بيروت بحلوها ومرها فجال بين أزقتها وشوارعها المدمرة يلتقط صوراً لأماكن خالية من الناس تارة وأخرى مكفهرة بالكاد يمر بها بيروتي عتيق أو حيوان أليف. «إنها بمثابة جرح، فهي مكان للجميع دمر فيه الإنسان أخاه الإنسان». يقول كوديلكا الذي تأثر بمنظر مدينة تحولت إلى آثار يمكن وصفها بمساحة تغمر بقايا زمن كما يذكر في أحد أحاديثه.
تنقل كولديكا وسط بيروت التي شهدت ذروة حرب شوارع في منتصف السبعينات. فهو المشهور بالتقاطه أشهر مشاهدها في العالم. كان يعمل لساعات طويلة واقفاً مرات، ومنحنيا وراكعا مرات أخرى، لإظهار مدى بشاعة الإنسان بحق أخيه الإنسان. وفي الصور التي يعرضها دار النمر ستعود بنا الذاكرة إلى خطوط التماس ومشاهد باصات محترقة وعمارات مهدمة وكذلك إلى فترة سكتت جدران بيروت فيها عن الكلام المباح وهي تئن تحت وطأة حرب علقها الآخرون على مساحاتها.
أما الصور التي تحكي عن فلسطين التي زارها في عام 2007، ليصور الجدار الفاصل بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة، فقد اختار فيها كوديلكا العودة إلى تقنيته السابقة في التقاط الصور البانورامية. فهو يعتبر أن صبغة البانوراما تتوافق مع مجال الرؤية البصرية وقادرة أيضاً على إبراز أفقية المساحة.
يتميز عمل كولديكا الفوتوغرافي باحتكاكه المباشر مع الناس الذين يرى فيهم نبض الحياة في اللاحياة التي يحاول نقل آثارها بصوره. «هذه الصور تنقل بأم العين الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع الأرض. فالشعور بالوجود وراء جدار يحجب عنك رؤية ما في المقلب الثاني لهو جريمة بحد ذاتها ضد المنظر الطبيعي. فالناس قادرون على الدفاع عن أنفسهم أما الطبيعة فلا. هنا المنظر مقدس لجزء كبير من البشرية وهم يدمرونه».
جميع الصور المعروضة في «الجدار» بالأبيض والأسود. «إذا ما وضعتها قبالة بعضها، تؤلف إطاراً لمدينتين متشابهتين». يقول جوزيف كوديلكا واصفاً نقاط التشابه بين البلدين. ويضيف: «كيف للمرء ألا يرى الارتباط المأساوي بين الاثنين؟ فالجدار في فلسطين يقطع الحياة عن الحياة، والجدران المهدمة في بيروت القديمة تُظهر مصير هدم البناء. فكلاهما يحكيان عما تفعله الحماقة البشرية حين يغذيها الخوف».
صور أعشاب يابسة تتسلق الجدران المفخوتة بفعل الرصاص وشظايا القنابل، وأخرى تنقل صور دواليب سيارات جاهزة للاحتراق وإقفال الطرق بواسطتها، إضافة إلى ثالثة يصور فيها «المبنى البيضاوي» المهدم وسط العاصمة الذي لا يزال يشكل حتى الساعة شاهداً صامتاً على الحرب اللبنانية، تشكل مجموعة مشاهد مختلفة نقلها جوزيف كوديلكا بعدسته البالغة التعبير مركزا في بعض زواياها، على الوحدة التي عاشتها أحجار المدينة بعيدا عمن يعزيها.
ولد المصور التشيكي حامل الجنسية الفرنسية جوزيف كوديلكا عام 1938. يقيم حالياً بين باريس وبراغ. عمل في السابق مهندس طيران وصور في تلك الفترة أعمالا مسرحية ومشاهد يومية من حياة الغجر في تشيكوسلوفاكيا سابقاً. نالت تغطيته لاجتياح الدبابات الروسية لمدينة براغ في سنة 1968 «ميدالية روبرت كابا الذهبية» في العام التالي، تحت اسم «مصور براغ». لم تُنشر صوره باسمه الحقيقي إلا بعد وفاة والده في عام 1970. طلب اللجوء إلى إنجلترا وأصبح بلا جنسية ومن ثم انضم لوكالة ماغنوم للصور في عام 1971. خصص متحف الفن الحديث في نيويورك معرضاً لكولديكا في عام 1975، وهو نفس الموعد الذي شهد نشر كتابه «غجر» الذي تبعه «منافي» في عام 1988. نال عدداً من الجوائز بينها «الوطنية الكبرى للتصوير الفوتوغرافي» في فرنسا، وجائزة «هنري كارتييه» في عام 1991، وكذلك «إنفينيتي» من المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي في عام 2004.