الموصل مدينة واجهتها «داعش».. وهواها «النقشبندية»

{الشرق الأوسط} ترصد من داخلها نبض حياتها وآراء السكان

شباب يسهرون في مقهى بمنطقة الغابات السياحية بمدينة الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
شباب يسهرون في مقهى بمنطقة الغابات السياحية بمدينة الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
TT

الموصل مدينة واجهتها «داعش».. وهواها «النقشبندية»

شباب يسهرون في مقهى بمنطقة الغابات السياحية بمدينة الموصل أمس («الشرق الأوسط»)
شباب يسهرون في مقهى بمنطقة الغابات السياحية بمدينة الموصل أمس («الشرق الأوسط»)

بعد مضي أكثر من شهر على سقوط الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث السكان التي كانت تضم ما يقرب من مليوني شخص، بأيدي الجماعات المسلحة، جيش النقشبندية وداعش أو ما يسمى «دولة الخلافة»، يشكو الناس هناك من غياب كامل للخدمات وعدم منح الرواتب للعاملين، مع توفر الأمان وانحسار الممارسات الأمنية من قبل القوات الحكومية التي كانت تضغط على الأهالي.
سكان محليون في الموصل قالوا لـ«الشرق الأوسط» التي ترصد هنا نبض حياة هذه المدينة من داخلها، بأنهم يكادون لا يلتقون بعناصر داعش، وأن حياتهم تسير بصورة طبيعية لولا انحسار الخدمات.
وحول حقيقة الأوضاع ومستقبل المدينة، قال أثيل النجيفي، محافظ نينوى التي سقطت بأيدي «دولة الخلافة» «داعش» في العاشر من الشهر الماضي، إن «(داعش) تستعد للانسحاب من الجانب الأيسر من مدينة الموصل وتسليمه إلى (جيش الطريقة النقشبندية) المقربين من حزب البعث الفرع الذي يتزعمه عزة الدوري»، مشيرا إلى أن «هناك على ما يبدو شبه اتفاق بين (داعش) و(النقشبندية) للتخلي عن الجزء الأكبر من مدينة الموصل تهيؤا لترك محافظة نينوى والعودة إلى قواعدهم في منطقة الجزيرة».
وقال النجيفي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من منطقة الحمدانية التي تقع على أطراف الموصل أمس، إن «(داعش) ليست لها إمكانية المواصلة ومسك الأرض حيث لا يتجاوز عددهم اليوم في مركز المحافظة ألفي عنصر، وهم غير معتادين أو مهيئين لاحتلال مدن وتسييرها إداريا، بل هم يقولون للناس نحن لن نبقى وسوف ننسحب»، موضحا أن «إدارة المحافظة خارج سيطرتي الآن مع أني أديرها من خلال الهاتف والاتصالات المباشرة، بينما عينت (داعش) منسقا بينها وبين إدارة المحافظة، وكل ما أنجزوه هو سحب سيارات الدولة ومصادرتها، لكنهم لم يتدخلوا في شؤون الإدارة».
وأشار النجيفي إلى أن «الموصل ستعود لسيطرة الدولة خلال شهرين ومن دون تدخل عسكري؛ إذ إن الناس و(داعش) لا يريدون أي تدخل للقوات المسلحة التي تخلت عن الدفاع عن المحافظة»، معبرا عن اعتقاده أن «(النقشبندية) سوف يعملون على إعادة المحافظة إلى الشرعية كونهم معتدلين وهم أصحاب طريقة صوفية وليسوا سلفيين مثل (داعش)».
وعن موضوع توزيع الرواتب بعدما وافقت الحكومة العراقية على منحها لمنتسبيها قال محافظ نينوى: «سيجري توزيع الرواتب قريبا في الأقضية والنواحي القريبة من مركز مدينة الموصل، وهذا يعني أن يتوجه الموظفون ومستحقو الرواتب لهذه البلدات الآمنة أو عبر وكلاء»، مشيرا إلى «أننا سنجد طريقة مناسبة لتوزيع الرواتب المقطوعة عن مستحقيها منذ ما يقرب من شهرين».
من جهته أوضح الناشط المدني غانم العابد، المتحدث السابق باسم المتظاهرين في الموصل، أن وجود «داعش» في الموصل له وجهان، الأول إيجابي نسبي حيث اختفت المظاهر الأمنية من الشوارع تماما، ولم تعد هناك مداهمات من قبل القوات الأمنية الحكومية، مشيرا إلى أن «أهالي الموصل لا يكادون يلمسون وجود مسلحي (داعش) في الشوارع، بل في نقاط التفتيش عند مداخل الموصل أو في الثكنات العسكرية التي كانت تابعة للجيش العراقي»، أما الجانب الآخر فهو سلبي ويتمثل في غياب الخدمات تماما وعدم صرف الرواتب للعاملين في الدولة.
وأوضح العابد قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة الموصل أمس، إن «(داعش) نقلوا جميع أسلحة الجيش العراقي وعرباته إلى منطقة الجزيرة المشتركة بين العراق وسوريا وهذا يعني أنهم لا ينوون البقاء في الموصل؛ إذ لا يسمح عددهم بمسك الأرض أو المطاولة، وقد بدأوا ينسحبون من الجانب الأيسر من المدينة وهو الجانب الكبير».
وكشف العابد عن أن «هناك اتصالات بين جيش (النقشبندية) و(داعش) لانسحابها (داعش) من الجانب الأيسر، وربما هذا تمهيد لانسحابها من الموصل»، مشيرا إلى أن «حضور (النقشبندية) هو الأقوى على الأرض وبين الناس كونهم مسالمين ولا يتمتعون بثقافة العنف أو الانتقام».
وأوضح العابد أن «عناصر (داعش) لم تعتد على الأموال العامة أو الخاصة ولم تسرق أي مصرف، بل حافظت عليها وحمتها، وهي بذلك تحاول أن تستميل الناس إليها»، مشيرا إلى أن «جميع عناصر (داعش) في الموصل هم من العراقيين ونلتقيهم عند نقاط التفتيش في مداخل المدينة؛ إذ يكونون عادة ملثمين ويحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، وهم في الغالب لا يفتشون سيارة فيها عائلة، ويسألون الرجال عن هوياتهم فقط». وقال إن «الدخول والخروج من الموصل وإليها متاح للجميع، و(داعش) لا تمنع دخول أحد أو ترفض خروجه».
وأشار العابد إلى أن «عناصر (داعش) لم يكرروا ممارساتهم في سوريا من ممارسة أساليب الضغط على الناس وإجبارهم على نمط حياة معينة كون عددهم لا يسمح بالسيطرة على مدينة كبيرة تضم ما يقرب من مليوني شخص ويتمتعون بثقافة إسلامية غير متشددة».
ويأتي هذا الوصف لنمط الحياة التي تعيشها مدينة الموصل تحت ظل سيطرة «داعش» متوافقا مع وصف مراسل «الشرق الأوسط» في الموصل الذي أكد أن المدينة تعيش بعد دخول مسلحي الدولة الإسلامية وهروب الجيش منها، وضعا جديدا، فرغم تعطل الدوائر الحكومية والمستشفيات والمدارس والجامعات والأسواق في أيامها الأولى، فإن المدينة الآن أخذت تسترد عافيتها، بعد توفر الأمان فيها بنسبة كبيرة، فقد فتحت أحياء المدينة وأفرعها وشوارعها بعد أن كان الجيش قد أطبق على أنفاسها بالسيطرات والحواجز الكونكريتية.
يقول عبد العظيم محمد خضير وهو ضابط عسكري سابق: «لقد خلصونا من إذلال وإهانات الجيش، وأعادوا لنا كرامتنا المهدورة، المدينة الآن تعيش هانئة دون منغصات وتشعر بعودة كرامتها، فقد فتحت الأسواق وأصبح المواطن يتجول في المدينة إلى ساعة متأخرة من الليل دون أن يوقفه أحد، المسلحون الذين يسيطرون على المدينة يعاملون المواطن بكل أدب واحترام ويعملون على توفير الخدمة له ويسهرون على راحته».
ورغم قيام الجماعات المسلحة بإزالة تماثيل لعثمان الموصلي والشاعر أبي تمام وآخرين، كما تمت إزالة قباب بعض الأولياء والمزارات، لاعتقادهم أنها إشراك في العبادة، ولكن لم تهدم أي كنيسة أو جامع كما لم يجر الاعتداء على المتاحف أو الإضرار بالآثار القديمة. هناك اجتهادات يقوم بها بعض عناصر الدولة في المدينة، منها مثلا أنهم يتجولون في المقاهي والمنتديات ويقومون بتقديم النصح لترك التدخين وعدم لعب الدومينو أو الطاولة من دون أن يمنعوها.
ومن مظاهر شهر رمضان خلو المدينة من أي مقهى أو مطعم مفتوح خلال النهار احتراما للشهر الكريم، وفي السابق كان هناك تنسيق لفتح مطعم واحد في كل سوق ومقهى للمسافرين وبإشراف دائرة الصحة، كما شهدت أسواق الموصل ارتفاعا حادا في الأسعار، إلا المواد الغذائية اليومية كالفواكه والخضراوات وغيرها، انخفضت أسعارها إلى أدنى مستوى لها لشح النقود بسبب عدم صرف رواتب الموظفين لشهرين متتالين، في حين تشهد المحافظة وضعا سيئا للغاية تمثل في القصف العشوائي اليومي، أكثر من ثلاث طلعات جوية لطائرات مسيرة إيرانية وطائرات سورية راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، كما تم استهداف محطات الكهرباء والوقود ومحطات تحلية المياه. كما تشهد مستشفيات الموصل شحا في الأدوية حسبما أعلنت دائرة صحة نينوى، مما يهدد حياة المرضى ويجبرهم على اللجوء إلى مستشفيات إقليم كردستان.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم