عبد السلام العجيلي... أعمال تبنت هموم الناس البسطاء ولغتهم

مائة عام على ولادته

عبد السلام العجيلي
عبد السلام العجيلي
TT

عبد السلام العجيلي... أعمال تبنت هموم الناس البسطاء ولغتهم

عبد السلام العجيلي
عبد السلام العجيلي

مائة سنة مرت على ولادة الطبيب والكاتب والسياسي عبد السلام العجيلي، الذي يجمع كثيرون أنه كان من أكبر مبدعي عصره شعراً ونثراً في سوريا. وطبياً، كان من أمهر الأطباء الجراحين وأكثرهم التصاقاً ببيئته (الرقة) وأبناء عشيرته.
وقد خص لمهنته مجموعات قصصية تناول فيها تجربته كطبيب (عيادة في الريف، أحاديث الطبيب) في هذه المنطقة من سوريا التي يندر فيها الأطباء وتكثر الأمراض، حتى مرض الطاعون في وقت اختفى فيه هذا المرض، كما ذكر العجيلي في إحدى قصصه.
لم يتخل العجيلي رغم شهرته كاتباً عن مهنته طبيباً، إصراراً منه على مداواة أهل بلده الذين كانوا يقصدون عيادته للعلاج مجاناً. يقول: «إن ما كتبته يكتبه غيري لكن دوري في مداواة الناس لا يقدر عليه غيري».
وسياسياً، أصبح وزيراً للثقافة والإعلام والخارجية (في فترة الانفصال بداية ستينات القرن الماضي) بعد أن كان نائباً عن الرقة في نهاية أربعينات القرن الماضي.
ولد العجيلي في مدينة الرقة، التي كانت شبه قرية بدوية تسكنها قبائل زراعية رعوية، وكان العجيلية يرأسون قبيلتهم وهم من سراتها وأغنيائها.
وقد وصف بعض النقاد العجيلي بـ«البدوي البرجوازي» أو «البرجوازي النبيل» فقال عنه نزار قباني: «العجيلي أروع بدوي عرفته المدينة، وأروع حضري عرفته البادية». وللرقة رغم ضآلة عمرانها ارتباط بأشخاص وأحداث تاريخية جسام، كما هو معروف، فهي كانت مصيفاً للخليفة هارون الرشيد الذي قال فيها: «الدنيا أربعة منازل هي دمشق والرقة والري وسمرقند».
وفي ضاحيتها وقعت معركة «الفتنة الكبرى» (صفين)، التي شقت صف المسلمين، وفيها دفن الصحابي عمار بن ياسر.
هذه البيئة البدوية انعكست في كل كتابات العجيلي؛ إذ يقول عن مدينته: «ولدت في الرقة، بلدة صغيرة، أو قرية كبيرة، على شاطئ الفرات بين حلب ودير الزور، من الناحية الاقتصادية كان أغلب أهل الرقة، وأسرة العجيلي منهم، يعيشون حياة نصف حضرية، بأنهم كانوا في الشتاء يقيمون في البلدة فإذا جاء الربيع خرجوا إلى البادية يرعون فيها أغنامهم ويتنقلون بين مراعي الكلأ حتى أوائل الخريف، وقد عشت هذه الحياة في صباي، فأثرت فيَّ كثيراً وقبست منها كثيراً فيما كتبت».
بدأ حياته شاعراً ينشر أشعاره في دوريات باسم مستعار، ولشغفه بالشعر نظم مرة قصيدة في مسألة كيميائية عندما كان على مقعد الدراسة، وله ديوان يتيم: «الليالي والنجوم»، وقصائده من الشعر العمودي.
وفي هذا الديوان نقرأ قصيدة مرثية في نجله مهند الذي قضى بحادث سير أليم:
بني تركتني ومضيت هلا
صبرت لعلنا نمضي سويا
فهذا العيش بعدك كيف يحلو
أيا حلو السجايا والمحيا
حياتي قد غدت صحراء مذ ما
نفضت تراب قبرك عن يديا
ويا ولدي سبقت ألا انتظرني
فما بعد التي إلا اللتيا
ورحل الأديب العجيلي بعد نجله بعقدين من الزمن (2006).
قلائل هم من يشبهون الأديب الراحل بشعوره الوطني وتفانيه في العمل، خصوصاً دفاعه عن فلسطين، فقد ضحى بمنصبه نائباً في مجلس النواب السوري أيام «النكبة»، ليلتحق بجيش الإنقاذ (مع زميله أكرم الحوراني) لمحاربة الصهاينة في فلسطين. وقد استلهم من هذه التجربة عدداً من قصصه: «كفن حمود» من مجموعته «الحب والنفس» و«بنادق في لواء الجليل». ونجد في شعره الكثير من القصائد الوطنية عن فلسطين. «أتاح لي تطوعي في هذه الحملة تجربة فذة ومعرفة غنية لقد اكتشفت من خلال الفترة التي قضيتها في فلسطين، وفي ميدان المعارك، أشياء كثيرة عن سير أمورنا وعن خصائص شعوبنا، وأقدار رجالنا، ومن المؤسف أن تجربتي قد تكشفت لي عما خيب أمل الشاب المثالي الذي كنته» (من كتاب «ذكريات أيام السياسة»).
بعد أن ترك الشعر، أصدر العجيلي أربعة وثلاثين كتاباً في القصة والرواية والشعر وأدب الرحلات إذ كان من محبي السفر والتنقل بين البلدان، وقد تأثر كثيراً بإشبيلية التي خص لها كتاب «قناديل إشبيلية».
وكانت أولى مجموعاته القصصية قد صدرت في العام 1948 تحت عنوان «بنت الساحرة»، ولكن قبل ذلك نشر مجموعة كبيرة من القصص والأشعار والمقالات في صحف ومجلات عريقة باسم مستعار، وقد ظل رغم شهرته يعتبر الأدب بالنسبة له هواية: «بمثل هذا التستر والتوقيع بالأسماء المستعارة نشرت كتابات أدبية كثيرة في عدد من الدوريات المشتهرة في ذلك الزمن مثل مجلة (الحديث) في حلب، و(المكشوف) في بيروت، وهي دوريات كانت تحفل بما يكتبه أساطين الفكر والثقافة، ويطمح الكثيرون إلى أن تظهر أسماؤهم فيها. أما أنا فكنت قانعاً بأن يجاور إنتاجي الأدبي في تلك الدوريات إنتاج المشاهير، وبأن يلقى الإعجاب من القراء دون أن يعرف أحد».
نال عدة جوائز أدبية، وترجمت أعماله إلى لغات عدة، ومنها الفرنسية والإنجليزية. واشتهرت أعماله لأنه كان يعالج مشكلات بيئته بصدق ويصور واقعها بنصوص تصل إلى قارئها بسهولة وبساطة، فلغته تحاكي شريحة عريضة من الناس، وليس فقط المثقفين أو المهتمين بالأدب، وربما البيئة البدوية التي تغلب على سكانها الأمية أو أنصاف متعلمين جعلته يستخدم معجماً قريباً من القارئ العادي.
من أعماله: «قلوب على الأسلاك»، و«مقامات»، و«أجملهن»، و«مجهولة على الطريق» و«ساعة الملازم» و«باسمة بين الدموع»... التي نال عنها عدة جوائز أدبية.



تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
TT

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)
الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية، بجوائز بلغت قيمتها 1.6 مليون ريال، ونال كل فائز بكل فرع 200 ألف ريال، وذلك برعاية وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس أمناء المجمع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان.

وتشمل فروع الجائزة تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها، وحوسبة اللُّغة وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللُّغة ودراساتها العلميَّة، ونشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة.

ومُنحت جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد، ولدار جامعة الملك سعود للنَّشر من المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في فئة المؤسسات، فيما مُنحت في فرع «حوسبة اللُّغة العربيَّة وخدمتها بالتقنيات الحديثة»، لعبد المحسن الثبيتي من المملكة في فئة الأفراد، وللهيئة السُّعوديَّة للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» في فئة المؤسسات.

جائزة فرع «تعليم اللُّغة العربيَّة وتعلُّمها» لخليل لوه لين من الصين في فئة الأفراد (واس)

وفي فرع «أبحاث اللُّغة العربيَّة ودراساتها العلمية»، مُنحَت الجائزة لعبد الله الرشيد من المملكة في فئة الأفراد، ولمعهد المخطوطات العربيَّة من مصر في فئة المؤسسات، فيما مُنحت جائزة فرع «نشر الوعي اللُّغوي وإبداع المبادرات المجتمعيَّة اللُّغويَّة» لصالح بلعيد من الجزائر في فئة الأفراد، ولمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة من الإمارات في فئة المؤسسات.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة، وتقدير جهودهم، ولفت الأنظار إلى عِظَم الدور الذي يضطلعون به في حفظ الهُويَّة اللُّغويَّة، وترسيخ الثَّقافة العربيَّة، وتعميق الولاء والانتماء، وتجويد التواصل بين أفراد المجتمع العربي، كما تهدف إلى تكثيف التنافس في المجالات المستهدَفة، وزيادة الاهتمام والعناية بها، وتقدير التخصصات المتصلة بها؛ لضمان مستقبلٍ زاهرٍ للُّغة العربيَّة، وتأكيد صدارتها بين اللغات.

وجاءت النتائج النهائية بعد تقييم لجان التحكيم للمشاركات؛ وفق معايير محددة تضمَّنت مؤشرات دقيقة؛ لقياس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشُّمولية وسعة الانتشار، والفاعليَّة والأثر المتحقق، وقد أُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية، والتقارير التحكيميَّة للجان.

وأكد الأمين العام للمجمع عبد الله الوشمي أن أعمال المجمع تنطلق في 4 مسارات، وهي: البرامج التعليمية، والبرامج الثقافية، والحوسبة اللغوية، والتخطيط والسياسة اللغوية، وتتوافق مع استراتيجية المجمع وداعمةً لانتشار اللغة العربية في العالم.

تمثل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع لخدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

وتُمثِّل الجائزة إحدى المبادرات الأساسية التي أطلقها المجمع؛ لخدمة اللُّغة العربيَّة، وتعزيز حضورها، ضمن سياق العمل التأسيسي المتكامل للمجمع، المنبثق من برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».