تدهور القيمة السوقية للعملات المشفرة في «وول ستريت» خلال أسبوع

تراجعت قيمة كل العملات المشفرة المتداولة في بورصة «وول ستريت» إلى أقل من 200 مليار دولار خلال تعاملات هذا الأسبوع، وذلك للمرة الأولى منذ بداية العام، وهو أدنى مستوى لها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي.
وشهدت التعاملات خلال الأيام الماضية حركة بيع واسعة النطاق. وطبقا لموقع البحث الاقتصادي «كوين ماركت كاب» فإن 98 في المائة من أعلى العملات المشفرة في السوق تراجعت قيمتها السوقية خلال 24 ساعة قرب نهاية الأسبوع. وتراجعت قيمة العملات الرقمية بنسبة 70 في المائة من أعلى مستوى في يناير (كانون الثاني)، وهو ما يعكس إحباط المستثمرين في البورصة والهزّة العامة في الاستثمارات المضاربة خلال الأيام الماضية.
وهوى سعر «بيتكوين» إلى 6 آلاف دولار خلال تعاملات 14 أغسطس (آب) الحالي، ثم تعافى قليلا، وكان يتداول عند مستوى 6.400 دولار تقريبا أمس.
وتعد العملات الرقمية أو المشفرة رموزا رقمية تهدف إلى السماح للمستخدمين بتبادل القيمة على الإنترنت بسرعة وبتكلفة منخفضة مقارنة بالعملات الأصلية مثل الدولار. كما تقوم سوق العملات الرقمية على محاكاة بعض صفات العملات الدولية مثل الدولار والين دون الحاجة إلى توافر هذه العملات في صورة بنكنوت، ودون الحاجة إلى توفر البنية التحتية اللازمة لتداول العملات الأصلية مثل الدولار والين وغيرهما. وتعد «بيتكوين» العملة الرقمية الأكثر استخداما وشيوعا من بين أكثر من مائة عملة رقمية مستخدمة في سوق العملات الدولية.
ويرى المحللون أن جزءا كبيرا من أسباب تدهور قيمة العملات الرقمية يرجع إلى الارتفاع الملحوظ في قيمة الدولار مدفوعا بالنمو القوي في الولايات المتحدة، فضلا عن سياسة البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي) في ما يتعلق بالزيادات التدريجية لسعر الفائدة، والانسحاب من الأوراق المالية ذات المخاطر العالية الصادرة في الأسواق الناشئة مثل تركيا. ومنذ يناير الماضي، لم يتمكن مؤشر «إم إس سي آي» العالمي، وهو مقياس للأسهم العالمية، من استعادة مستوياته المرتفعة التي حققها في بداية العام. وما زالت أسعار «بيتكوين» دون مستوياتها التي وصلت إليها في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
ويقول كايل ساماني، الشريك الإداري في صندوق التحوط «مالتي كوين كابيتال»، إنه خلال الأيام الماضية اتجه عدد كبير من المتعاملين إلى عمليات بيع واسعة، وهو ما أثار مخاوف شرائح أخرى في السوق ودفعهم إلى البيع أيضا، خوفا من تدهور قيمة العملات التي بحوزتهم.
وبينما يعكس البيع المكثف مجموعة من العوامل السوقية والاقتصادية لسوق العملات الرقمية، يقول كثير من المستخدمين إن انخفاض أسعار العملات الرقمية يشير إلى الفشل الواضح للعملتين الرقميتين «بيتكوين» و«الأثير» والعملات الرقمية الأخرى في الحصول على اعتماد واسع النطاق في الاقتصاد القومي للولايات المتحدة. وينظر كثيرون إلى هذه الخطوة على أنها ضرورية لتصحيح أسعار العملات المشفرة، والتي لا تزال أعلى من مستويات العام الماضي على الرغم من عمليات البيع الأخيرة.
وتعتقد شريحة كبيرة من المتعاملين في السوق أن أسعار العملات الرقمية قد لا تصل مطلقا إلى المستويات المرتفعة التي وصلت إليها في يناير الماضي. وهناك احتمالات بزيادة حركة البيع خلال الفترة المقبلة من جانب عدد كبير من المستثمرين المتعاملين في السوق تجنبا لتحمل مزيد من الخسائر. وفشلت المنتجات المالية القائمة على «بيتكوين» والعملات الرقمية الأخرى في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية لـ«وول ستريت» والمؤسسات الأخرى لإدراجها في الاقتصاد.
وتعرض المستثمرون المتعاملون في العملات المشفرة لخسائر كبيرة متكررة هذا العام، بسبب الاختراقات في أسواق آسيا. ولا يزال حاملو «بيتكوين» والعملات الرقمية الأخرى غير قادرين على الاستفادة من هذه العملات في عمليات التجارة اليومية في البورصات التقليدية، ولا يمكنهم سوى التجارة بهذه الوحدات في إطار سوق العملات الرقمية. ويقول مارك غرانت، كبير «الاستراتيجيين العالميين»، إن المستثمرين يرون الآن أن قطاعا كبيرا من سوق العملات، الذي يتمتع بجزء ضئيل من الإشراف والرقابة من منظمي «وول ستريت»، أصبح يشبه «القمار».
ويقول غرانت: «بدأ الناس يدركون أنهم قادوا هذه الأمور إلى الجنون، وهم يدركون الآن مدى خطورة ذلك». وعلى مدى أشهر، حذر غرانت المستثمرين والأفراد من الاستثمار ووضع رؤوس أموالهم في العملات المشفرة. وخلال العام الماضي، سارع المستثمرون إلى الرهان على أن العملات الرقمية ستصبح الاتجاه الصاعد في سوق العملات. وغالباً ما كانت التعاملات على «بيتكوين» والعملات المشفرة الأخرى مدفوعة بما تسمى «تجارة الزخم» أكثر من العوامل الأساسية كما هي الحال في العملات الأصلية مثل الدولار واليورو وغيرهما. وبلغت قيمة التعاملات في العروض الأولية للعملات المشفرة مليارات الدولارات، وهو ما دفع ببورصة «وول ستريت» والبورصات العالمية الأخرى للحصول على قطعة من الكعكة.
وعلى الرغم من الانخفاض الشديد في قيمة العملات الرقمية، فإن ذلك لا يعد شيئاً جديداً لمستخدمي هذه العملات. فخلال العام الماضي، شهد سعر «بيتكوين» تقلبات حادة صعودا وهبوطا في نطاق نسبة 20 في المائة على الأقل مرة واحدة كل شهر. وخلال شهر ديسمبر الماضي ارتفعت قيمة «بيتكوين» بنسبة 40 في المائة في غضون ساعة فقط، وتراجعت بعد ذلك بنسبة 25 في المائة خلال 24 ساعة لاحقة. ويرى عدد كبير من المستثمرين أن علميات البيع واسعة النطاق التي شهدتها السوق خلال الأيام الماضية لم تكن شيئاً غير عادي بالنسبة لسوق العملات الرقمية التي تتميز بسرعة تقلبها.
ويعاني المتعاملون حاليا من مشكلات كثيرة تواجه سوق العملات الرقمية، فعلى سبيل المثال، تعاني شبكة «إيثيروم»، حيث يتم تداول عملة «الأثير» من خلالها، من صعوبات في التطوير. كما واجهت شبكة «إي أو إس»، المنافسة لشبكة «إيثيروم»، كثيرا من المشكلات بعد إطلاقها. وعلى الرغم من كل الإثارة على منتجات العملات المشفرة، فإن عددا قليلا فقط هو الذي يتم تداوله وبعدد قليل من المستخدمين.
وبعد 3 سنوات من التطوير، أطلقت شبكة «إيثيروم» خدمة «أسواق التنبؤ» التي كانت مرتقبة بشكل دقيق في يوليو (تموز) الماضي، وأطلق عليها «أجور»، إلا إنها فشلت في بناء أي زخم، ولا يزال استخدامها في نطاق ضيق. كما أطلق مالك بورصة نيويورك في وقت سابق من هذا الشهر، فرعا لتطوير تبادل متوافق للأصول الرقمية، إلا إن تنفيذ ذلك واجه عددا من النكسات البارزة. وفي يوليو الماضي، رفضت لجنة الأوراق المالية والمبادلات مقترح إنشاء صندوق لمبادلة «بيتكوين». ولا يزال مقدار الأموال المؤسسية المتدفقة إلى قطاع العملات الرقمية صغيرا.