وسط أوضاع اقتصادية مرتبكة، تعول الجزائر على مصدر رئيسي لاقتصادها وهو النفط من أجل إنعاش الحالة الاقتصادية العامة التي شهدت تدهورا كبيرا منذ انخفاض أسعار النفط العالمية في عام 2014. وبالأمس قال مصدر بشركة سوناطراك الجزائرية الحكومية للنفط، لـ«رويترز»، إن رئيس الشركة جمع فريقا جديدا من القيادات بهدف منع هروب الكفاءات من الشركة الوطنية العملاقة التي تلعب دورا رئيسيا في استمرار الدولة في الوفاء بالتزاماتها.
وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كلف عبد المؤمن ولد قدور بإصلاح سوناطراك في مارس (آذار) 2017، وذلك بعد أن مرت عليها سنوات لم يطل فيها المقام بعدد من الرؤساء في مقعد القيادة، وشهدت خلالها مشكلات كبرى أبعدت المستثمرين الأجانب عن الجزائر.
وتعد الشركة العملاقة مصدرا مهما من مصادر الطاقة للدول الأوروبية التي تحاول تقليل اعتمادها على روسيا، كما أنها تمول جانبا رئيسيا من الميزانية في الجزائر التي يسهم الأمن الاقتصادي فيها في منع وقوع اضطرابات اجتماعية.
وتأتي محاولات إصلاح «سوناطراك» في وقت يتواصل فيه تلقي الدينار الجزائري لخسائر بالغة، إذ تراجعت قيمة العملة الجزائرية بنحو 50 في المائة خلال السنوات الأربع الأخيرة أمام العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» والدولار الأميركي.
وتزامن استمرار تراجع قيمة الدينار الجزائري مع تسجيل ارتفاع في التضخم السنوي في الجزائر، وصل إلى 4.6 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، مقابل 4.4 في المائة في شهر مايو (أيار)، بحسب بيانات قدمها الديوان الجزائري للإحصائيات.
وفي تقريره الصادر شهر أبريل (نيسان) الماضي، توقع البنك الدولي «نفاد» احتياطي الصرف في الجزائر مع نهاية 2020، واعتبر أن «ما سيتبقى منه سيغطي 5 أشهر فقط من الاستيراد»، في وقت قاربت فيه واردات الجزائر مع نهاية العام الماضي 45 مليار دولار.
وكان التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي حذر الجزائر من اللجوء إلى التمويل غير التقليدي من خلال إعادة طباعة النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة، واصفاً إياه بـ«الخطر الجدي» على الاقتصاد الجزائري، ومتوقعاً أن يمثل التمويل غير التقليدي من الناتج المحلي الخام نسبة 23 في المائة مع نهاية السنة الحالية.
- مساعي إنعاش «سوناطراك»
والوظائف في «سوناطراك» وفيرة ومرغوبة؛ غير أن المرتبات منخفضة إذا ما قورنت بالمعدلات العالمية، كما أنها تتوقف على مدة الخدمة. وقال ولد قدور في مقابلة مع «رويترز»: «فقدنا الآلاف من أصحاب الخبرات والمهارات لأسباب على رأسها أننا لا نستطيع منحهم مرتبا يحصلون عليه الآن في دول أخرى».
وقال المصدر بالشركة إن ولد قدور، الرئيس والمدير العام لمجمع سوناطراك، جلب معه فريقه الخاص لمساعدته في كسب ثقة شركات النفط الكبرى مرة أخرى، واختار ثمانية نواب للرئيس من داخل الشركة. وطلب المصدر عدم نشر اسمه وذلك لأن التعيينات لم تعلن على الملأ بعد.
وقال المصدر إن من بين القيادات الجديدة مديرين من ذوي الخبرة مثل صلاح مكموش للتنقيب، وعربي باي سليمان للنقل عبر الأنابيب، واثنين وصفهما بأنهما من النجوم الصاعدة هما فريد غزالي للاستراتيجية، وأحمد مازيغي للشؤون التجارية. متابعا أنه «من الضروري المصادقة على التعيينات بمرسوم رئاسي؛ غير أن كبار المديرين بدأوا بالفعل».
ولم يتسن الاتصال بـ«سوناطراك» وولد قدور للتعليق على التعيينات. ويهدف ولد قدور لجعل الشركة واحدة من أكبر خمس شركات نفط حكومية على مستوى العالم بحلول عام 2030. وفي 2017 احتلت الجزائر المركز الثامن عشر في قائمة إدارة معلومات الطاقة الأميركية من حيث حجم الإنتاج.
ويأتي منح ولد قدور الصلاحيات اللازمة لإجراء تغييرات بعيدة الأثر في إطار مساعي بوتفليقة، للتغلب على ركود صادرات النفط والغاز. وقد انخفضت إيرادات قطاع الطاقة السنوية إلى النصف منذ 2014.
وتملك «سوناطراك» ثالث أكبر احتياطيات من النفط الصخري في العالم وتجري محادثات مع شركة إكسون موبيل وغيرها من الشركات من أجل إجراء عمليات استكشاف لزيادة إيرادات التصدير لقطاع الطاقة، التي تمثل 95 في المائة من إجمالي صادرات الدولة.
- استعادة الكفاءات
غير أن عمليات الاستكشاف تتطلب مهارات خاصة. وقال مدير بشركة سوناطراك إن عشرة آلاف من المهندسين وعمال الحفر وخبراء المكامن النفطية وغيرهم تركوا العمل بالشركة منذ عام 2010. ويبلغ عدد العاملين بشعبة النفط والغاز في الشركة نحو 40 ألفا.
وقد شجع هؤلاء على ترك العمل مكافآت سخية تعرض على العاملين بالشركات الحكومية الذين يستقيلون لتخفيف أعباء الميزانية.
ويعتزم ولد قدور الذي أمضى جانبا كبيرا من حياته العملية في الولايات المتحدة وشركات للطاقة في الخليج وأفريقيا، تنفيذ برنامج للتوعية والتدريب عن طريق «أكاديمية سوناطراك للإدارة»، كما أنه سيعيد العاملين المتقاعدين لتوجيه الموظفين الجدد.
وهو يسعى كذلك لاستحداث مكافآت خاصة للاحتفاظ بالمتميزين، وذلك للالتفاف على هيكل أجور جامد يحصل بمقتضاه الموظف الإداري على مرتب يعادل مرتب مهندس الحفر في المياه العميقة.
ويخشى ولد قدور أن تؤدي زيادات مباشرة في الأجور للمهندسين إلى احتجاجات أوسع، بعد أن أضرب الأطباء والمهندسون عن العمل أشهر هذا العام للمطالبة بزيادات تعادل التضخم.
وقال وزير سابق للطاقة إن على «سوناطراك» أن توسع أنشطتها الخارجية للاحتفاظ بأصحاب الأداء المتميز، إذ إن الأجور في هذه الأنشطة أفضل من أجور العاملين محليا. وتعمل «سوناطراك» في النيجر، وقال مسؤولون إنها تجري مباحثات مع العراق وليبيا بهدف إبرام تعاقدات لأعمال استكشاف وتطوير. وقد يتوقف نجاح ولد قدور على ما إذا كان الموظفون الجدد المحتملون يرون أن بإمكانه البقاء في منصبه.. وخلال السنوات العشر الأخيرة تولى رئاسة «سوناطراك» عشرة رؤساء، كما أن ولد قدور نفسه قضى فترة في السجن قبل أن يتولى منصبه.
- استراتيجيات لإنعاش قطاع الطاقة
وتحاول الجزائر جذب المزيد من الاستثمارات إلى قطاع النفط والغاز الحيوي فيها، ومنذ توليه المسؤولية، حل قدور عددا من الخلافات مع شركات نفط كبرى من بينها توتال الفرنسية، وإيني الإيطالية وريبسول الإسبانية والتي كانت سببا في تعطيل استثمارات. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، وقعت سوناطراك مذكرة تفاهم مع شتات أويل النرويجية و«بي بي» البريطانية لتعزيز التعاون، خاصة في أنشطة التنقيب عن النفط.
ومن جهة أخرى، تخطط الحكومة منذ سنوات لقانون جديد للطاقة بهدف تقديم شروط أكثر تنافسية للمستثمرين. وتقول مصادر في «سوناطراك» إن من المفترض أن يكون مشروع القانون جاهزا بحلول نهاية عام 2018. ويقولون إنه بينما ستضاف مزايا ضريبية، فإن بندا يقيد الملكية الأجنبية للمشروعات الأجنبية عند 49 في المائة سيبقى على الأرجح.
وكانت «سوناطراك» تحاول التركيز على البتروكيماويات لخفض فاتورة استيراد الوقود من خلال الاتفاق على شراء مصفاة أغوستا التابعة لـ«إكسون موبيل» في إيطاليا مقابل 700 مليون دولار هذا العام. ووقعت الشركة في يناير الماضي اتفاقا مع «فيتول» المتخصصة في تجارة النفط لتبادل الخام مقابل المنتجات المكررة، في صفقة هي الأولى من نوعها، وتناقش مشروعا للتجارة. كما تخطط الشركة لتطوير الطاقة الشمسية من أجل السماح لها بتصدير المزيد من إنتاجها.
وأطلق الرئيس التنفيذي لـ«سوناطراك» استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تحقيق إيرادات إضافية بقيمة 67 مليار دولار بحلول عام 2030، وسيجري إعادة استثمار 50 في المائة منها. ولم يتم الكشف سوى عن القليل من التفاصيل الأخرى بشأن الخطة منذ ذلك الحين.
وتمثلت نقطة تركيز أخرى في تعزيز احتياطيات الغاز الصخري لتعويض ارتفاع الاستهلاك المحلي من الغاز، والذي يؤدي إلى تآكل الصادرات. وعبرت «سوناطراك» عن أملها في أن توافق «إكسون موبيل» على التعاون في هذا المجال. علما أن الجزائر تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز في العالم.
مساعٍ لإصلاح «سوناطراك» الجزائرية بهدف إنعاش الاقتصاد
استعادة الكفاءات وثقة الشركات الأجنبية من بين أبرز الأهداف
مساعٍ لإصلاح «سوناطراك» الجزائرية بهدف إنعاش الاقتصاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة