227 ألفاً يعيشون في 20 مخيماً جنوب تركيا

TT

227 ألفاً يعيشون في 20 مخيماً جنوب تركيا

عندما هرب أحمد وعائلته من منزلهم الكائن ببلدة دارة عزة في ربيع 2012، كان يبلغ من العمر 16 عاماً، ويدرس بالصف الحادي عشر - الفرع العلمي، بمدارس مدينة حلب شمال سوريا، على وقع القتال بين القوات النظامية وفصائل من «الجيش السوري الحر»، الأمر الذي دفع بعائلته للنزوح واللجوء إلى تركيا قاصدين مخيم كلس رقم «1» الذي كان قد افتتح حديثاً.
بعد وصوله إلى المخيم، تبددت أمنيات أحمد؛ إذ كان يحلم بالحصول على درجة الدكتوراه تنفيذاً لوصية والده القاضي الذي توفي بحادث سير قبل سنوات. يروي كيف قررت إدارة المخيم افتتاح مدرسة في بداية سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، وبعد انقطاع لم يستغرق سوى 6 أشهر، عاد إلى مقاعد الدارسة، وكان أول طالب يسجل البكالوريا العلمية إلى جانب 5 آخرين، لكن حتى المدرسون كانوا يجهلون من ستكون الجهة التي ستعترف بالشهادة، أو ما إن كان سيتم قبولهم في الجامعات التركية، وعلى الرغم من ذلك قرر متابعة الدراسة.
اجتاز أحمد المرحلة الثانوية العامة وحصل على نسبة 82 في المائة، ليحجز مقعداً دراسياً في جامعة «يوزونجو ييل» الواقعة في مدينة فان شرق تركيا، ودرس الهندسة الكيماوية. وعن الأيام الأولى في حياته الجامعية وكيف قضاها، قال أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتعلم اللغة التركية، وأتعرف على الطلاب الذين كان جلهم من الأتراك، أول سنة كانت صعبة وشكلت تحديا حقيقيا لإكمال دراستي».
نجح في امتحان اللغة التركية وحصل على نسبة 88 في المائة، ودخل كلية الهندسة، وخلال سنوات دراسته الخمسة كان من بين الأوائل، وتخرج حاصلا على المرتبة الأولى على دفعة قسمه، والمرتبة الثالثة على طلاب كلية الهندسة في الجامعة، مما دفع برئاسة الجامعة إلى تكريم الطلاب الأوائل وأحمد كان من بينهم، وعبر عن مشاعره قائلا: «أن تكون لاجئا ومتفوقاً في الدراسة فهذا شعور لا يوصف. مرت سنوات من الجهد والتعب وتحمل والدتي وإخوتي حتى حصلت على المرتبة الأولى، أحمد الله وأشكره».
وبعد انتهاء حفل التخرج في مدينة فان التركية، توجه أحمد إلى مخيم كلس، ليطمئن على والدته وإخوته الثلاثة ثم ذهب إلى المدرسة التي تخرج فيها للقاء أساتذته الذين قدموا له يد العون لإكمال دراسته، ليفاجأ بحفلة صغيرة تنتظره نظمها الكادر التدريسي احتفاءً بتفوقه.
يروي المدرس عقيل (47 سنة)، من كوادر مدرسة المخيم ويعيش فيه مع عائلته، أن أحمد وباقي الطلاب كانوا يعانون من انقطاع التعليم وغياب الأفق بسبب ظروف الحرب واللجوء، وذكر أن «أحمد كان متفوقاً وذكياً، كان غرسة من الصبر والتصميم حتى أزهرت وأثمرت، كنت أعلمه وأتعلم منه، كان قدوة لزملائه في اجتهاده ودراسته».
وكانت أحاديث المبادرة الروسية حاضرة بقوة وطرحت كثيرا من التساؤلات، وعلق أحمد: «العودة لسوريا مرتبطة بتوفير الأمان وفرصة عمل ضمن تخصص دراستي، هل ستعود المصانع والمعامل كما كانت قبل 2011. أعتقد أن الأمر يحتاج لسنوات حتى يتحقق».
وكشف أحمد أنه تقدم للحصول على الجنسية التركية، وينوي الاستقرار فيها حتى تحين فرصة مناسبة للعودة إلى مسقط رأسه، وقال: «أخطط حالياً لإخراج عائلتي من المخيم، وسأكمل الماجستير ودراسة الدكتوراه، سأخدم بلدي من هنا».
واستنكر المدرس عقيل اختزال قضية السوريون باللجوء وإعادتهم لبلدهم، وقال: «لا توجد قضية اسمها لاجئون، لدينا قضية وطن. لماذا خرج هذا الشعب في وجه الحاكم، وشارك مئات الآلاف بحركة الاحتجاجات مطالبين بإسقاط الأسد ونظامه؟»، مضيفاً أن روسيا «تدعم النظام عسكرياً وسياسياً ولا نثق بدورها، طائرتها لم ترحم السوريين، وبرعاية الجيش الروسي أجبر الأهالي على قبول اتفاقيات ما سميت (المصالحة)، واليوم تصبح ضامنة لعودة اللاجئين. هذا أمر غير منطقي».
ويقع مخيم كلس في ولاية كلس جنوب تركيا، قرب باب السلامة، ويبعد نحو 400 متر عن مدينة إعزاز، ويعيش فيه نحو 12 ألف لاجئ سوري. أثناء التجول داخل المخيم كانت الحياة تبدو شبه طبيعية. يلاحظ كثرة الأطفال الذين كانوا يلعبون على قارعة الطرقات. فيما تكفلت النساء بالتسوق وشراء الخضراوات والمواد الغذائية، أما الرجال فكانوا يتجمعون أمام مكاتب إدارة المخيم ويتبادلون وشوشات الأخبار الساخنة وآخر التطورات الميدانية.
محمد كامل أبو عمر (57 سنة) فضل متابعة الأخبار عبر شاشة تلفزيون مسطحة وضعت في زاوية خيمته، كان منشغلا بمتابعة نشرة الأخبار الآتية من مسقط رأسه جسر الشغور بريف محافظة إدلب غرب سوريا، بعد إرسال القوات النظامية تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وإلقائها مناشير تدعو الأهالي للانضمام إلى «اتفاقات المصالحة» على غرار مدينتي درعا والقنيطرة.
وتمنح تركيا كل لاجئ في مخيم كلس بطاقة بقيمة 100 ليرة تركية (ما يعادل 30 دولارا) شهرياً، فضلا عن مجانية الطبابة والتعليم وتقديم معونات عينية توزع بشكل غير منتظم، في وقت يلجأ فيه معظم أهالي المخيم للعمل خارجه، لكسب مردود مالي يعينهم في معيشتهم، إلا إنه لا توجد قوانين تركية تشرع عمل اللاجئين القاطنين في المخيمات، أو حماية حقوقهم وأجورهم. وفي مخيم كلس تسكن كل عائلة في خيمة مسبقة الصنع، تتوفر فيها الكهرباء وخزان للمياه وحمامات. كما توجد مدرسة للمراحل التعليمية الثلاث تتبع مديرية التربية التركية، وشهادتها مصدقة لدى الحكومة التركية، ويعطي الكادر التدريسي معظم الدروس باللغة التركية، إضافة إلى تدريس بعض المواد باللغة العربية.
ومن إجمالي عدد اللاجئين السوريين، الذي أعلنت عنه دائرة الهجرة بوزارة الداخلية منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي، يعيش نحو 227 ألف لاجئ سوري داخل مخيمات تنتشر في الولايات التركية الجنوبية ويبلغ عددها 20 مخيماً.
وقالت وصال (36 عاما) المتحدرة من منطقة جبل التركمان بريف مدينة اللاذقية، وتسكن في مخيم كلس، عندما سمعت بالمبادرة الروسية: «راودني شعور بالضحك وبالبكاء في الوقت نفسه، فالدولة التي تدعوا إلى عودة اللاجئين وتعطي ضمانات، هي نفسها من تقصف وتدعم الأسد. أرفض المبادرة لأنها تسعى لإعادتنا للعيش تحت حكم الأسد».
وأكدت وصال، التي تسكن مع زوجها وأولادها في المخيم، أنها ترغب بالعودة إلى موطنها، شريطة وجود ضمانات دولية، وبرعاية الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين، وأضافت: «إذا قامت تركيا بإعادة اللاجئين إلى مناطق (درع الفرات)، فأنا لست من سكان تلك المناطق، لكنني أتمنى أن يسيطر الجيش التركي على الساحل السوري ومدينة إدلب وكامل سوريا». وبحسب تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عاد نحو 600 ألف نازح داخل سوريا إلى مناطقهم، ونحو 15 ألف لاجئ سوري ممن يعيشون في دول الجوار عادوا تلقائيا إلى منازلهم في النصف الأول من العام الحالي.



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم