الأفغاني... شرارة الحركة التنويرية في العالم الإسلامي

كان يستبعد أي تناقض بين أسس التمدن والتدين

جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني
TT

الأفغاني... شرارة الحركة التنويرية في العالم الإسلامي

جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني

لقد كان العالم الإسلامي/ العربي على شفا الثورة الإصلاحية بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خاصة في عهد الخديوي إسماعيل باعث النهضة الفكرية في مصر، وكانت المجتمعات في حاجة إلى إطار فكري لاحتواء حركة الإصلاح، وكان أثر جمال الدين الأفغاني واضحاً في إشعال هذه الحركة، فوضعت مقالاته وخطبه الإطار العام لمسعى الأمة نحو الإصلاح والخروج من حالة التردي السياسي والثقافي والانحطاط الحضاري، فكان الأفغاني بالنسبة لحركة الإصلاح بمثابة «جون لوك» للحركة الليبرالية، أو «رينيه ديكارت» للحركة العقلانية، وذلك على الرغم من أنه لم يكن في التقدير فيلسوفاً بالمعنى التقليدي للكلمة.
ولد الأفغاني في قرية أسد آباد الأفغانية عام 1838 من أصول شريفة، ونشأ على الفكر الصوفي وتعلم وسافر منذ صباه إلى الدول المختلفة في العالم الإسلامي من إيران إلى الآستانة إلى مصر التي بقي فيها ثماني سنوات، ثم إلى لندن وباريس ومات في الآستانة في 1897. والثابت أنه طُرد من أغلبية الدول الإسلامية التي زارها لتناقض تعاليمه مع النظم الأوتوقراطية فيها، فطرد من الآستانة بسبب محاضرته الشهيرة بعنوان «الصناعات وفلسفتها»، ومن مصر بسبب خطورة أفكاره على حكومة الخديوي توفيق، ومن إيران بسبب معارضته للشاه آنذاك، ورغم ذلك فقد ظهرت بعض الآراء يقودها المفكر لويس عوض تدعي أن الأفغاني كان شيعياً إيرانياً وعميلاً لبريطانيا، ولكن د. محمد عمارة فندها في كتابه «جمال الدين الأفغاني: موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام».
لقد سعى الأفغاني بلغة اليوم لمحاولة التحديث في إطار الأسس والقواعد الإسلامية، فكان بمثابة جسر فكري لنقل عوامل التقدم إلى العالم الإسلامي وتوفيقها مع الهوية والعقيدة الإسلامية التي يعتبرها الأساس. ورغم ذلك فالأفغاني في واقع الأمر لم يقدم إلا رؤى وأفكاراً دون وضع هيكل عملي متكامل لهذا المشروع، ولكن لا بأس، فالإطار الذي صممه لا يزال مساهماً في أجزاء منه فيما نطلق عليه اليوم أزمة العقل والنقل.
لقد بدأ الأفغاني قاعدته الفكرية الليبرالية من حقيقة أن «الإنسان حيوان يمدنه الدين وليس متمديناً بطبعه»، مؤكداً «أن الدين قوام الأمم وبه فلاحها وفيه سعادتها...»؛ ولكن عوامل الزمن والتردي السياسي وفساد الحكم أثرت سلباً على هذا، متبعاً في ذلك نهجاً مشابهاً للمفكر «روسو» في هذه الجزئية فقط، فأكد أن جوهر الدين الإسلامي عظيم وأن الإساءة التي حدثت ليست موجهة أو نابعة من العقيدة الإسلامية العظيمة ولكنها في تقديره نتاج للأفكار الضالة الشائعة كالباطنية والدهرية وغيرها، التي أفسدت الدين إلى جانب سلوك المسلمين، وقد خصص الأفغاني كتاباً ثرياً بعنوان «في الرد على الدهريين» فند فيه هذه الأطروحة بدقة، مؤكداً أن العقيدة الإسلامية تمثل في حد ذاتها مشروعاً قيماً للتحضر، وآراؤه في التقدير تحتاج لمناقشة أخرى أكثر عمقاً لارتباطها المباشر بقضايا نعيشها اليوم.
وفي هذا الإطار أشار إلى أن الإصلاح يجب أن يكون منبته الرعية ولصالح الرعية أنفسهم، فرفض كل أنواع الهبات الإصلاحية الصادرة عن الحكام المستبدين، وهو ما تطلب أيضاً «إصلاح الرعية» كشرط أساسي لإصلاح الحاكم والأمة ككل، ومن ثم اهتمامه البالغ بالتعليم والبحث العلمي كركن أساسي للتقدم والأخذ بمعايير الحضارة، مؤكداً خصوصية وهوية العالم الإسلامي بالتأكيد على «أننا يا معشر المسلمين إذا لم يؤسس نهوضنا وتمدننا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير لنا»، وأكد على «أنه لا يجب للشرقي في بدايته أن يقف موقف الغربي في نهايته»، مشيراً إلى أن «التجارب علمتنا أن المقلدين من كل أمة المتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها».
وتجدر الإشارة إلى أن سنواته في مصر كانت أكثرها خصوبةً لوجود التربة الصالحة لانطلاقة أفكاره، ففي هذه الفترة تتلمذ على أيديه مؤسسو حركة الإصلاح الفكري والسياسي في مصر وعلى رأسهم الإمام محمد عبده، كذلك محمود سامي البارودي الذي أصبح وزيراً للدفاع في حكومة الإصلاح والإخوة المويلحي، كما أنه شجع على إصدار الصحف وساهم فيها ومنها «جريدة مصر» لإسحاق أديب و«التجارة» و«الوقائع المصرية»، وأسس كذلك مع تلميذه محمد عبده جريدة «العروة الوثقى» في باريس، ومن ثم فلا غرابة في أن الحكام الأوتوقراطيين سعوا على الفور لطرده، ولكنه كان قد ترك بذور أفكاره وربطها بالدين الإسلامي وأوضح عدم تعارضها معه.
الواقع أن الأفغاني سعى لإيجاد المعادلة الفكرية والعملية لبناء القاعدة الفكرية للربط بين مقومات الحضارة والأسس القائمة عليها، العقيدة والحضارة الإسلامية، وهي في التقدير لا تزال معادلة شاردة، بل متناثرة الأضلاع بين تيارات تقليدية بعضها غير قادر على تقبل مقومات التطور ويراها تناقضاً من رصيد عقيدتنا الإسلامية وتاريخنا من ناحية، وبعض التيارات «المدنية» المتطرفة الطامسة للإرث الحضاري الإسلامي من ناحية أخرى، وبينهما تيارات سعت لإصباغ الإسلام بآيديولوجيات غربية مثل اليسار، وبين هذا التناثر تُطمس أسس المعادلة، فيهتز بها حاضرنا ومعه عناصر هويتنا المستقبلية.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.