سعي حوثي لتعميق الخلافات بين قيادات «المؤتمر الشعبي»

الميليشيات تدفع للاحتفال بذكرى الحزب... والموالون لصالح يرفضون

مقاتلون من الميليشيات الحوثية بعد معارك انتهت بمقتل صالح في صنعاء يوم الرابع من ديسمبر (غيتي)
مقاتلون من الميليشيات الحوثية بعد معارك انتهت بمقتل صالح في صنعاء يوم الرابع من ديسمبر (غيتي)
TT

سعي حوثي لتعميق الخلافات بين قيادات «المؤتمر الشعبي»

مقاتلون من الميليشيات الحوثية بعد معارك انتهت بمقتل صالح في صنعاء يوم الرابع من ديسمبر (غيتي)
مقاتلون من الميليشيات الحوثية بعد معارك انتهت بمقتل صالح في صنعاء يوم الرابع من ديسمبر (غيتي)

حذرت مصادر حزبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» من قيادة الميليشيات الحوثية لمساعٍ مكثفة لتعميق الخلافات بين قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» في سياق خطط الجماعة لاستكمال السيطرة على قرار الحزب وتحويله إلى ذراع سياسية تخدم أجندة الجماعة. وقالت إن جماعة الحوثيين أوعزت إلى قيادات موالية لها في الحزب في صنعاء من أجل الترتيب للاحتفال بالذكرى 36 لتأسيس الحزب، التي تصادف يوم 15 الشهر الحالي، في سياق مساعي الجماعة لتكريس شرعية قيادة الحزب التي تشكلت تحت رعايتها عقب مقتل زعيم الحزب ومؤسسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
وذكرت المصادر أن الجماعة الحوثية تكفلت بتمويل الاحتفال والإشراف على الترتيبات الأمنية على الرغم من الرفض الواسع في صفوف قيادات الحزب لإقامة مثل هذه الفعالية الاحتفالية التي تحرص الجماعة على رعايتها بعيداً عن رغبة قيادات الحزب في الخارج وأقارب مؤسسه صالح.
وكانت الميليشيات ضغطت على قياداته في صنعاء من أجل اختيار صادق أمين أبو راس رئيساً للحزب خلفاً لصالح، كما أنها دفعت بعدد من الموالين لها في مفاصل الحزب ولجنته العامة، من بينهم القيادي الحوثي المعين أميناً للعاصمة حمود عباد، إلى جانب آخرين ممن يتهمون بأنهم من القيادات التي شاركت في الجماعة في خطتها للتخلص من صالح.
وفي الوقت الذي أصبح فيه قادة الحزب في صنعاء يمثلون امتداداً لتوجه الجماعة الانقلابي، فإنها لا تزال تسيطر على أموال الحزب ومقراته وتواصل شن حملات الاعتقال في صفوف عناصره بتهمة موالاة الشرعية ومؤازرة القوات التي يقودها العميد طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل في الساحل الغربي ضد الوجود الحوثي.
وأفاد قياديان حزبيان في صنعاء طلبا عدم ذكر اسمهما لـ«الشرق الأوسط»، بأن رئيس مجلس حكم الجماعة الانقلابية مهدي المشاط وقيادات أخرى في الجماعة الحوثية طلبوا من صادق أبو راس الاحتفال بذكرى تأسيس الحزب تحت رعايتها والخروج ببيان ختامي في الاحتفال يتطابق مع الخطاب الذي تتبناه الجماعة على صعيد الاستمرار في الانقلاب ومواصلة الحرب ضد اليمنيين خلافاً لما كان الرئيس الراحل علي صالح أعلنه قبل مقتله من دعوة للانتفاض ضد الجماعة وفض الشراكة معها.
وأضافت المصادر نفسها أن المشاط يمارس ضغوطاً كبيرة على أبو راس وقيادات الحزب لتضمين البيان براءة من قيادات الحزب المناهضين للجماعة، سواء الموجود منهم في الخارج أو القيادات الأخرى المنخرطة في صفوف الشرعية، فضلاً عن الضغط من أجل إدانة الحزب للانتفاضة التي كان قادها صالح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وانتهت بمقتله.
وعلى وقع هذه الاستعدادات في أوساط قيادة الحزب في صنعاء للاحتفال بالذكرى 36 لتأسيسه، ذكرت المصادر أن أغلب القيادات في صنعاء تعارض الفكرة، لكنهم مضطرون للرضوخ لإرادة الجماعة الحوثية التي أصبحت تهيمن على قرار الحزب وتحدد له توجهه السياسي الذي يتماهى مع خطابها الانقلابي.
في غضون ذلك، رفض قادة الجناح الموالي للرئيس السابق علي صالح والمقرب من نجله أحمد، الاحتفال بذكرى التأسيس هذا العام وعدوه أمراً لا يمثلهم ولا يعنيهم لجهة عدم أهميته في هذا التوقيت، خصوصاً أن الحزب درج أيام رئاسة صالح على الاحتفال كل 5 سنوات.
وفي السياق نفسه، طالب مصدر مسؤول في الجناح المقرب من نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بتسليم جثمان الأخير، وإطلاق سراح أبنائه وأقربائه المعتقلين في سجون ميليشيات الحوثي التي وصفها بـ«الإرهابية». وقال المصدر الحزبي في تصريحات شديدة اللهجة نقلتها عنه الوسائل الرسمية التابعة لأقارب صالح، إن «من يدعون وينظمون لفعالية الذكرى 36 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، كان الأجدر بهم أن يطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين وتسليم جثمان الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح».
وأضاف المصدر: «لا يوجد أي مبرر وليس هناك داعٍ لإقامة فعالية ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي، في حين أن أبناء وأقرباء مؤسس الحزب وأعضاء وقيادات الحزب معتقلون في سجون الميليشيات، واليمن يمر بحرب عبثية افتعلتها الميليشيا الحوثية قضت على كل مناحي الحياة».
وشدد المصدر على أنه يتوجب على «من ينظمون الفعالية أن يقوموا بالمطالبة الفورية بتسليم جثمان صالح وإطلاق سراح المعتقلين من أبنائه وأقربائه وكل أبناء المؤتمر الشعبي المعتقلين في سجون الميليشيات الحوثية»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الحزب «سيظل موحداً وملتزماً بتنفيذ وصايا مؤسسه صالح، ويعمل على القيام بدوره الريادي المعروف في الحفاظ على مكتسبات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية».
وأكد المصدر المقرب من نجل صالح في تصريحه أن «فعالية الاحتفال بالذكرى 36 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام لا تمثل حزب المؤتمر، بل تمثل الأشخاص الذين دعوا ونظموا لها».
يشار إلى أن الحزب احتفل العام الماضي بالذكرى 35 لتأسيسه بحضور صالح، وسط حشد حضره مئات الآلاف من أتباع الحزب، وهي الفعالية التي شهدت العد التنازلي لنهاية العلاقة بين صالح والجماعة الحوثية التي تصاعدت مخاوفها من شعبية حليفها، فقررت منذ ذلك اليوم وضع حد لحياته، وهو الأمر الذي تحقق لها بعد مرور مائة يوم فقط من الاحتفال.
ورغم أن الجماعة الحوثية التي نكلت بصالح وأقاربه وقيادات حزبه، منذ تصفيته، تسعى للسيطرة على تركته الحزبية والسياسية، بما في ذلك سعيها لتطويع قرار الحزب في المفاوضات السياسية المرتقبة، فإن المراقبين للشأن اليمني يرجحون أن المجتمع الدولي والإقليمي يقود توجهاً مضاداً لإعادة الحزب إلى الواجهة السياسية مجدداً.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم