شاشات: اختيارات صعبة لكنها صائبة

أحداث «بسمة منال» تتجنب إلى الآن أي دخول إلى غير العالم المزركش بالثراء
أحداث «بسمة منال» تتجنب إلى الآن أي دخول إلى غير العالم المزركش بالثراء
TT

شاشات: اختيارات صعبة لكنها صائبة

أحداث «بسمة منال» تتجنب إلى الآن أي دخول إلى غير العالم المزركش بالثراء
أحداث «بسمة منال» تتجنب إلى الآن أي دخول إلى غير العالم المزركش بالثراء

للحظة، في موقع ما من منتصف الحلقة 12 من المسلسل الخليجي «بسمة منال» (سما دبي)، يبدو موقف الزوج (يقوم به عبد الإمام عبد الله) صلبا وهو يقول لزوجته التي تمانع زيارة المحامية لهما ما يوازي بالفصحى: «دعينا نسمع ما تريد أن تقول ثم تنصرف».
بعد أقل من خمس ثوانٍ ها هي المحامية (هدى حسين) تدخل البيت وتلقي السلام، لا أحد يجيبها بأفضل منه وتهب الزوجة (وفاء سالم) في وجهها طالبة منها الانصراف. هنا يطلق الزوج موقفا مغايرا تماما لما ذكره قبل ثوانٍ؛ إذ يطلب منها أن تخرج من البيت حالا.
تغيير كهذا يجب أن تفرد له بضعة أسطر في السيناريو، وإذا ما فات الكاتب لا يجب أن يفوت المخرج، قد يكون الشيء نوعا من تحصيل الحاصل بالنسبة لصانعي المسلسل، لكنه ليس كذلك لمن يتابع الوضع الماثل ولا يجد مبررا لما يقوم به، سوى الاستجابة لموقف زوجته، وهو الأمر الذي عارضه قبل لحظات عندما قال بيقين واضح: «دعينا نسمع ما تريد أن تقول ثم تنصرف».
في مطلع الحلقة الرابعة، هناك مشهد مماثل في ذلك التدفق الذي ينزل في غير مكانه، وكل ما كان يحتاج إليه هو معالجة أفضل، هناك المكلف بالتحقيق مع منال (هند البلوشي) المتهمة بقتل الشاب الذي تحبه، والتي تدافع المحامية بسمة عنها ولأجلها قامت، في الحلقة 12 أرادت زيارة بيت أبوي الضحية، المشهد يحتوي على الرجل وراء مكتبه يخط بقلمه على ورقة، يدخل عليه الحاجب ويخبره أن المتهمة منال في الخارج، يقول له إن عليها الانتظار لخمس دقائق، لأنه مشغول قليلا، يضع يده على وجهه مهموما، ويتذكر المحامية بسمة في مشهد فلاش باك، يفيق منه على دقة الباب مجددا ودخول منال.
حين يسألها تخبره أنها ترفض الحديث من دون وجود محاميتها، يسألها من هي محاميتها فتخبره «بسمة».. يفاجأ! ومعه حق. لقد كان يفكر بها قبل لحظات. دراميا هذا لا ينفع، في أسهل الحالات هو مصادفة، في أصعبها هو تصريف خطأ في الاقتراب من الأمور وعدم دخول الفلترات الصحيحة التي تؤدي إلى المنشود، كان يمكن حذف ذلك المشهد المتخيل تماما. لاحقا، يمكن الاستعاضة عنه بحل آخر (أو قد جرى تقديم «الفلاش باك» في مناسبة أخرى)، لكن كما ورد، فإنه يمهد لتناول غير جاد لموضوع يمتاز بجدية طرحه أساسا.

تلقائية
أحداث «بسمة منال» (والعنوان جميل لأنه متعدد المعاني فهو بسمة ومنال، وبسمةُ منال، وبسمة التي تدافع عن منال) تتجنب - إلى الآن - أي دخول إلى غير العالم المزركش بالثراء، المنازل كالقصور والمكاتب تقع في أبراج عالية، لا بد أن تختلف الغاية من وراء تقديم عمل درامي عن الغاية الجمالية، فالمسلسل قائم بحد ذاته ولا يحتاج لأن يعبر سياحيا.
على أنها ليست مشكلة المسلسل المذكور وحده، فكثير جدا من المسلسلات الرمضانية تقع (هذا العام كما في الأعوام الماضية) في قصور ومكاتب فخمة، ليس لأنها ليست موجودة لكن الحاجة إليها على هذا النحو ليس مبررا دائما، ولا حتى كثيرا.
أحد المسلسلات القليلة التي تختلف هو «ابن حلال»، على قناة «الحياة»، وكان عليه أن يختلف، لأنه يريد نقل صورة واقعية عن حياة اجتماعية ليس من بين شخصياتها الكثير من الميسورين. في الحقيقة، نسمع عن أحد كبار النافذين وعندما نتعرف عليه في مكتبه، نجد المكتب متواضعا ومنطقيا، لأن ليس كل صاحب نفوذ أو كل ثري يكترث لأن يعيش السمعة وليس الفعل.
لكن حسنات «ابن حلال» لا تتوقف هنا وإلا لما استرعى الانتباه، مثل «بسمة منال»، هو دراما جنائية لكنه أكثر تشويقا، كلاهما يملك ناصية تنفيذ مشاهد على نحو جيد، لكن «بسمة منال» يقصد أن يكون بطيئا، بينما يتجاوز «ابن حلال» إيقاع معظم المسلسلات ويتقدم في سرعة الحياة ذاتها، بذلك هو معتدل واعتداله ينفع في دفع الحكاية دوما إلى الأمام والتقليل من تلك المساحات الزمنية التي تصرفها المسلسلات الأخرى على رصد الشخصيات في جلوسها وفي مشيها وفي هبوطها الأدراج أو صعودها.
لا يصرف مخرج «ابن حلال» وقتا على تصوير الأماكن، ولا ما كان سيفرض عليه اللعب بالكاميرا كما لو أنها المقصد من وراء المسلسل أساسا. على العكس، يتابع، بنفس ملح، حكاية جماعات البشر التي تعيش من يوم إلى يوم وتجد نفسها، تبعا لظروف خارجة عن إرادتها، تواجه تحديات أكبر منها.
هناك تلقائية رائعة من قبل العاملين أمام الكاميرا، خصوصا من الممثل محمد رمضان، لكن هذه التلقائية ليست حكرا على الممثلين (المبتعدون عن التنميط الأدائي) بل يشترك فيها المسلسل بأسره كنوعية سرد ونوعية معالجة وكحس اجتماعي ينتمي إلى الشارع والبيت الصغير والحياة المدقعة ويبقى في الوقت ذاته مثيرا يدعو، أكثر من سواه، إلى المتابعة ليلة بعد ليلة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».