شاشة الناقد

من «جزيرة كلاب»
من «جزيرة كلاب»
TT

شاشة الناقد

من «جزيرة كلاب»
من «جزيرة كلاب»

Isle of Dogs
> إخراج: وس أندرسون
> أكشن - الولايات المتحدة - 2018
> تقييم:

وس أندرسون يفعلها مرّة ثانية، ويقدّم فيلماً جديداً من الرسوم (بتقنية «ستوب موشن» التي هي، في موجزها، رسم كل تفصيلة بكادر مستقل، مهما كانت التفصيلة صغيرة، وليس بواسطة الكومبيوتر غرافيكس الأسرع تنفيذاً). فيلمه السابق «مستر فوكس الرائع» كان عن الثعلب الذي يتخلى عن حياته «المدنية»، ويعود لصاً يسرق الدجاج. «جزيرة كلاب» عن كلاب أجبروا على التخلي عن حياتهم المدنية كحيوانات أليفة، وعلى الإقامة فوق جزيرة مهملة، ليموتوا فيها إذا شاؤوا. تقع الأحداث في اليابان، حيث يأمر محافظ المدينة كوباياشي (كونيشي نومورا الذي وضع القصّة) بالقبض على كل الكلاب، وإلقائهم في جزيرة معزولة، على أساس أنهم تسببوا في انتشار داء الإنفلونزا. جزيرة كانت مطمراً للقمامة التي ارتفعت في مناطق منها كالجبال؛ لكن هناك معارضة لهذا القرار المتعسف، الذي نراه يدخل حيز التنفيذ بلا هوادة منذ مطلع الفيلم. تتمثل هذه المعارضة بشخص طالبة أميركية صغيرة السن، اسمها ترايسي (صوت غريتا غرويغ) التي تنتقد هذا الفعل بقوة. ومتمثلة أيضاً بابن شقيق المحافظ أتاري (كويو رانكن) الذي يتسلل بطائرة صغيرة إلى جزيرة الكلاب. ترايسي تدافع عن كل الكلاب من موقع إنساني؛ لكن الصبي مهتم فقط، ولأكثر من نصف الفيلم، بالبحث عن كلبه سبوتي. والبحث يقوده وخمسة كلاب تقرر مساعدته (بينها كلب «يحب العض» كما يكرر القول عن نفسه) إلى منطقة تعيش فوقها كلاب غير أليفة، ما يشكل - نظرياً بالنسبة للحكاية - خطراً على الصبي والوافدين معه.
يطرح الفيلم نفسه كمغامرة في بيئة غير متوفرة في أفلام رسوم أخرى. الجزيرة بشعة الطبيعة. مليئة بالجرذان، وعليها هياكل لمنشآت مهجورة منذ أن غادرها البشر، وهي متشعبة التضاريس، ما يفيد بأن المخرج أراد الابتعاد كاملاً عما قد يثير البهجة. ولو أن الأحداث ليست داكنة على النحو الذي قد توحي به النبذة أعلاه. ليس على نحو أفلام تيم بيرتون الكرتونية مثلاً. في الوقت ذاته هي ليست بجماليات أفلام وولت ديزني المازجة بين الخفة والعمق، ولا هو قريب من شغل بيكسار الفاتن، إلا من حيث إن الشركة المذكورة استخدمت رسومات ذات دلالات اجتماعية أكثر من مرة.
يعوز المغامرة التي ينص عليها «جزيرة كلاب» التشويق. هي ثرية بمواقفها وشخصياتها وتصاميم أماكنها ومحيطها القريب أو الفضائي الواسع؛ لكن القطع بين الأزمنة، أحياناً لمشهد سريع واحد، يفكك اللحمة الممكنة. صحيح أنه يمنح الفيلم تجديداً في السرد (بالنسبة لسينما الأنيميشن على الأقل) إلا أنه يعيق سلاسة العمل ولو بحدود.
مشكلة أخرى تواجه اختيارات المخرج هذه المرّة، وهي أنه عمد إلى فيلم تقع أحداثه في اليابان؛ حيث الحوار بلغة أهل البلد (غير مترجم عن قصد) بينما حوار الكلاب بالإنجليزية. هذا يصنع أيضاً سابقة غير مبررة على الإطلاق. الكلاب تعيش في اليابان، وإذا ما كان المفترض بها أن تتكلم (كما تفعل حيوانات معظم أفلام الرسوم المتحركة) فلم لا تتكلم اليابانية؟ أو ما معنى أن تقع الأحداث في اليابان أساساً؟



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.