ميشيل باشيليه... «الصوت الأعلى» لحقوق الإنسان في العالم

تتويجاً لرحلة قادتها من السجن والمنفى إلى الرئاسة وصنع القرار

TT

ميشيل باشيليه... «الصوت الأعلى» لحقوق الإنسان في العالم

يُرتقب أن تصادق الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإجماع، صباح اليوم، على قرار الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش تسمية صاحبة التاريخ النضالي الحافل الرئيسة التشيلية السابقة ميشيل باشيليه كي تكون المرأة الأولى على رأس المفوضية السامية لحقوق الإنسان خلفاً للأردني زيد رعد الحسين، الذي اتخذ كثيراً من المواقف البارزة خلال ولايته التي استمرت أربع سنوات وتنتهي في 31 أغسطس (آب) الحالي.
واتخذ غوتيريش قرار التسمية «بعد التشاور مع رؤساء المجموعات الإقليمية» للدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً لبيان وزعه الناطق باسم المنظمة الدولية، وأفاد فيه بأن باشيليه البالغة من العمر 66 عاماً تولت رئاسة تشيلي مرتين، الأولى بين عامي 2006 و2010، والثانية بين عامي 2014 و2018، علماً بأنها عُيِّنت عام 2010 أول مديرة تنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة التي تأسست في العام ذاته. وتولت باشيليه أيضاً مناصب وزارية منها الدفاع والصحة في الحكومة التشيلية.
وقدمت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، الدعم - وإن على مضض - لخيار باشيليه، المعروفة بأنها سياسية لديها ميول اشتراكية؛ ففي بيان مقتضب عقب الترشيح، كررت هيلي انتقادات إدارة الرئيس دونالد ترمب لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قائلة إنه «يمكن للمفوض أن يكون له صوت مدوّ حيال القضايا الحاسمة، حتى عندما يفشل مجلس حقوق الإنسان في القيام بما يليق باسمه». وأضافت أنه «يتعين على السيدة باشيليه، التي وقع عليها اختيار الأمين العام، أن تتلافى إخفاقات الماضي». ولم يتضمن بيان المندوبة الأميركية أي عبارات تهنئة أو تمنٍّ طيبة لباشيليه.
وكانت باشيليه أنهت أخيراً فترتها الرئاسية الثانية. وهي تتولى حالياً رئاسة مجلس الشراكة لصحة الأمهات والرضع والأطفال في منظمة الصحة العالمية، كما تشارك في مجلس الوساطة الرفيع المستوى الذي أنشأه غوتيريش أخيراً.
وبالنسبة إلى باشيليه، يتجذر اهتمامها بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها من منطلقات شخصية للغاية. ففي سن مبكرة، عانت باشيليه السجن والتعذيب، مما أرغمها على الفرار إلى المنفى. وكانت عائلتها ممزقة بسبب المأساة. وبعودتها إلى تشيلي، كان زواجها قد انهار ولكن الطلاق غير قانوني، وفي كل مكان حولها، كانت هذه المرأة تتمتع بحريات محدودة في رسم حياتها الخاصة في مجتمع كاثوليكي محافظ.
وجعلت باشيليه من حقوق المرأة أولوية عندما صارت رئيسة لتشيلي عام 2006، فأدخلت كثيراً من الإصلاحات الاجتماعية والتعليمية في ولايتيها الرئاسيتين. ويجعلها مسار حياتها مهيّأة بشكل فريد لتكون المفوضة السامية التالية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الوظيفة التي تشمل المطالبة بحقوق الناس ضد حكوماتهم. وتتعزز قوة باشيليه كناجية بصعودها المميز لقيادة بلد لا يزال يتعافى من الديكتاتورية. وهي تولت الرئاسة مع أنها محايدة دينيّاً، واشتراكية ونسوية في منطقة شوفينية تقليدياً.
وُلدت باشيليه في سانتياغو، عاصمة تشيلي، ووالدها هو القائد في سلاح الجو التشيلي ألبيرتو باشيليه مارتينيز ووالدتها اختصاصية الآثار التشيلية المشهورة أنجيلا جيريا غوميز. وكانت ميشيل باشيليه قريبة من والدها الذي تعرض للتعذيب وتوفي بنوبة قلبية في السجن عام 1974، في ظل حكم الديكتاتور الجنرال أوغوستو بينوشيه. وقالت يوماً إن حياة والدها وموته المأسويين ساعداها على فهم معاناة المهنيين في الخدمة العسكرية، والتضحيات التي قدمها كثير من الضباط في معارضة حكم الرجل القوي.
وأتاحت لها السنوات الخمس في المنفى، ومعظمها في ألمانيا الشرقية في السبعينات من القرن الماضي، أن تواصل ممارسة مهنة الطب التي بدأتها في تشيلي. ودرست في جامعة هومبولت في برلين، حيث أكملت علومها الطبية قبل عودتها إلى تشيلي متخصصة في طب الأطفال. وعينت وزيرة للصحة عام 2000.
لكن باشيليه، التي كرمت ذكرى والدها، وهي تتطلع إلى دور سياسي في تشيلي الديمقراطية، أخذت إجازة من مهنة الطب لتتعلم الاستراتيجية العسكرية في الأكاديمية الوطنية للدراسات السياسية والاستراتيجية في تشيلي، وفي كلية الدفاع الأميركية في واشنطن. وصارت وزيرة الدفاع الأولى في تشيلي - وكذلك في أميركا اللاتينية - عام 2002 وانتخبت رئيسة لتشيلي عام 2006، وأصبحت رئيسة للدولة بين عامي 2006 و2010 وعامي 2014 و2018، وبذا تكون المرأة الأولى في أميركا الجنوبية المنتخبة شعبياً للرئاسة من دون أن تكون مدينة بحياتها السياسية إلى رجل قريب، عادة ما يكون الزوج.
وكانت فترتا الرئاسة غير متعاقبتين وفقاً للقانون التشيلي، تمثلان تحدياً لها في كثير من الأحيان، إذ أدت الاضطرابات العمالية والاحتجاجات الشعبية التي قام بها الطلاب المنتقدون لنظام التعليم العام في البلاد إلى خلق توترات.
ومع ذلك، اندفعت باشيليه في كثير من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية. وقامت بزيادة الإيرادات وأغلقت بعض الفجوات في الدخل من خلال زيادة الضرائب على الشركات وسد الثغرات التي يتمتع بها الأغنياء. واقترحت جعل التعليم العالي مجاناً لأفقر التشيليين، وشجعت على إنشاء المزيد من الجامعات الرسمية، فضلاً عن إصلاحات أخرى.
ونجت باشيليه من فضيحة تمويل عائلية عام 2015 - 2016 بعدما اتهم ابنها سباستيان دافالوس باستخدام نفوذه السياسي لمساعدة زوجته في الحصول على قرض مصرفي كبير. ولكن المحقق الخاص بالبنك الوطني برَّأه، متهماً زوجته ناتاليا كومبانيون بتزوير مستندات للتهرب ضرائب قيمتها أكثر من 160 ألف دولار. وتراجعت شعبية باشيليه فيما هزّت الفضيحة حكومتها، رغم أنها أكدت أنها ليست على علم بالأحداث التي تورطت فيها عائلتها. وعادت في نهاية المطاف إلى التعامل مع الاحتجاجات الواسعة ضد صناديق التقاعد التي تديرها الدولة، مستجيبة للمطالب عبر إدخال تغييرات إدارية.
وبالنسبة إلى النساء، فإن الانتصار الذي حققه باشيليه عام 2017 هو إقرار قانون يقضي بفرض حظر على كل حالات الإجهاض التي وضعها الجنرال بينوشيه، وذلك بدعم من الكنيسة الكاثوليكية.


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إيران توقف زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده

أوقفت السلطات الإيرانية، اليوم الجمعة، رضا خندان زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده التي اعتُقلت عدة مرات في السنوات الأخيرة، بحسب ابنته ومحاميه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي صورة ملتقطة في 4 ديسمبر 2020 في جنيف بسويسرا تظهر غير بيدرسن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

مبعوث الأمم المتحدة يندد ﺑ«وحشية لا يمكن تصورها» في سجون نظام الأسد

قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إن الفظاعات التي شهدها سجن «صيدنايا» ومراكز الاحتجاز الأخرى في سوريا، تعكس «الوحشية التي لا يمكن تصورها» التي عاناها السوريون.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص «مهرّب» أرشيف التعذيب السوري يكشف هويته لـ«الشرق الأوسط» play-circle 01:34

خاص «مهرّب» أرشيف التعذيب السوري يكشف هويته لـ«الشرق الأوسط»

«سامي» الذي ارتبط اسمه كالتوأم مع قريبه «قيصر» في تهريب عشرات آلاف صور ضحايا التعذيب في سجون الأسد، يكشف هويته لـ«الشرق الأوسط»، ويوجه رسالة إلى السلطة الجديدة.

كميل الطويل (باريس)
أوروبا نساء أيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بحقوقهن والإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» المتطرف في الموصل بالعراق... 3 يونيو 2024 (رويترز)

السجن 10 سنوات لهولندية استعبدت امرأة أيزيدية في سوريا

قضت محكمة هولندية بالسجن عشر سنوات بحق امرأة هولندية أدينت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإبقائها امرأة أيزيدية عبدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.