سينما ريفولي تفتح ستارتها في صور بعد إغلاق لـ 30 عاماً

تستضيف النسخة الخامسة من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي»

مبنى سينما ريفولي قبل إعادة تجديده
مبنى سينما ريفولي قبل إعادة تجديده
TT

سينما ريفولي تفتح ستارتها في صور بعد إغلاق لـ 30 عاماً

مبنى سينما ريفولي قبل إعادة تجديده
مبنى سينما ريفولي قبل إعادة تجديده

لم تشأ «جمعية تيرو للفنون» أن يتوقف الزّمن عند عام 1989 حين أقفلت سينما «ريفولي» أبوابها في مدينة صور الجنوبية. فيومها وبسبب ركود الصناعة السينمائية والتأثر بالحرب اللبنانية، انسحبت من السّاحة معلنة اعتزالها عرض الأفلام والمسرحيات واستضافة أهم نجوم الغرب في صالتها.
حالياً وبعد مرور نحو 30 عاما على إقفالها يستعيد هذا المعلم الثّقافي التاريخي، الحياة إثر خضوعه لعملية ترميم من قبل الجمعية المذكورة التي نذرت نفسها من أجل إعادة إحياء أماكن ثقافية تاريخية في مدينتي صور والنبطية. فهدفها الأساسي يكمن في توفير مساحات ثقافية حرة ومستقلة في لبنان، وكذلك على إقامة الأنشطة الثقافية المتنوعة، بينها مهرجانات دولية مسرحية وسينمائية وموسيقية وورشات عمل تدريبية وعروض الأفلام وتنظيم المعارض».
«إنّنا نصبو إلى استعادة النّشاط الفني وتفعيل الإنماء الثقافي المتوازي، وكسر المركزية الثّقافية من خلال إعادة إحياء دور السينما المقفلة في لبنان، ودمج أهالي المنطقة بفنون مختلفة كانوا في الماضي يعدون من أسيادها». يقول قاسم إسطنبولي رئيس «جمعية تيرو للفنون» والمسرح الإسطنبولي فيها. ويضيف: «هذه السينما ستشهد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، النسخة الخامسة من (مهرجان لبنان المسرحي الدولي) فنستقبل على مسرحها أعمالا ثقافية من لبنان والعالم».
عملية ترميم السينما أصبحت في مرحلة متطورة فصالتها التي تتسع لنحو 400 شخص بمقاعدها المخملية الوثيرة، تتمتع بمستوين أحدهما يؤلف الصالة الأرضية العادية والثاني ما يعرف بـ«البلكون» في عالم السينما القديم. بنيت هذه السينما في عام 1958 ويمتلكها أكثر من شخص واستطاعت «جمعية تيرو للفنون» أن تحصل على إذن لترميمها وإعادة إحيائها بالتعاون مع وزارتي السياحة والثّقافة في لبنان. كما أنّها تملك حالياً عقدا يؤهلها استثمارها لمدة 10 سنوات.
«هذا العقد هو بمثابة الربح الذي حققناه في هذا المجال على مدى قصير». يروي إسطنبولي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «لقد سبق ورممنا صالة سينمائية أخرى في النبطية (ستارز) إلّا أنّنا خسرنا فرصة فتحها أمام العامة بعد أن تم بيعها بصورة مبطنة. ومع الأسف لا تزال أبواب (ستارز) مقفلة حتى الساعة ولا نعرف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الإجراء الذي اعتمده مالكها الجديد».
وكانت مدينة صور تحتوي في الماضي على 5 صالات سينما رُممت واحدة منها (سينما الحمرا) وتعد «ريفولي» الثانية وهي الأخيرة المتبقية من مجموعها العام. إلّا أنّ صالة سينما «الحمرا» أُقفلت أيضا بعد أن استرجعها مالكوها وهي لا تزال مقفلة حتى الساعة. «لا نعرف لماذا تُقفل هذه الصالات، ولكن آمالنا كبيرة اليوم بإعادة فتح (سينما ريفولي) في الأيام القليلة المقبلة لتشكل مركزاً ثقافياً نتمسك بهويته وتاريخه القديمين. كما أنّنا حافظنا خلال عملية ترميمها على شكلها الخارجي والداخلي القديمين، وبالتالي سترتدي مقاعدها المخملية اللونين البني والعنابي تماما كما تألقت بهما في الماضي. أمّا إضاءة مسرحها بلمبات من نوع (البروجكتور) فبقيت على حالها بعد أن صلّحت. تمسكنا بهذه الرموز لأنّها نابعة من ذاكرتنا وهويتنا الثّقافيتين فلصور تاريخ طويل مع فنون المسرح والحكواتي والفولكلور بمختلف وجوهه». وتعدّ هذه السينما تاريخيا الأقدم بعد «أمبير» والتي دمرت تماما.
ومن الرموز التاريخية التي ستُعرض في «سينما ريفولي» أيضا، ملصقات لأفلام سينمائية قديمة سبق وعرضت فيها. وكانت في الستينات والسبعينات تعد قبلة نجوم الغرب والعرب، فيقصدونها في حفلات افتتاح أفلامهم كبريجيت باردو من فرنسا ورشدي أباظة من مصر. كما شهدت عرض مسرحيات لدريد لحام وشوشو ويعقوب الشدراوي وغيرهم.
وبموازاة الحركة السينمائية التي تنظمها الجمعية من خلال عرض أفلام قصيرة وثائقية وغيرها، اعتمدت الجمعية مبدأ «السينما الجوالة»، فسيّرت سيارة تغطيها رسوم تمثل فيروز والرّاحلين صباح وشارلي شابلن وهند أبي اللمع وغيرهم من عمالقة لبنان والعالم يجول في مناطق لبنانية لتقديم أعمال مسرحية وسينمائية وإقامة ورشات عمل لفنون الرسم والتمثيل وغيرها.
«هذا المسرح الجوال الذي يدور في مختلف المناطق اللبنانية تحت عنوان (شوف لبنان)، من شأنه حث الناس على الاندماج في الفنون الثقافية التي غيبت عنه قسراً. وحتى اليوم زرنا نحو 28 بلدة وقدمنا استعراضات مسرحية وغيرها بالتعاون مع بلدياتها ولاقت صدى طيبا من قبل الناس، لا سيما أنها مفتوحة أمام الجميع من دون أي مقابل مادي». يوضح قاسم إسطنبولي الذي يؤكد أنّ عمليات ترميم صالات السينما التي قاموا بها مولت من تبرعات عامة ومن مساعدات قدمتها وزارتا السياحة والثقافة في لبنان». استغرق ترميم سينما ريفولي نحو 9 أشهر وشهدت مهرجانات ونشاطات ثقافية عدة منذ سنة حتى اليوم هي التي شهد مسرحها في الماضي مهرجانات سياسية لزعماء لبنانيين رحلوا. «حاليا ابتعدنا كل البعد عن مجال السياسة لأنّ الفنون تحتاج إلى الحرية لتكون قوية وتثبت وجودها، ونتأمل بأنّ نستطيع الترفيه عن أهل المنطقة وتقديم الأفضل لهم في هذا الإطار بفضل فريقنا من خريجي مسرح وتلفزيون من جامعات لبنانية معروفة».
تعبق «سينما ريفولي» الواقعة على تلة مشرفة تطلّ على الحارة القديمة في مدينة صور وأحيائها الشّعبية بعطر الماضي، فحيطانها كما مقاعدها وثرياتها شهدت أياما ذهبية لا يزال أهل صور يتغنون بها حتى اليوم. «عندما تدخل صالة السينما تشتمّ رائحة التاريخ التي لا يمكن أن تطالعك في أي صالة سينمائية أخرى في لبنان. وعلى الرّغم من مرور كل هذه السنوات بقيت محافظة على عطرها هذا الذي وبشكل تلقائي يعود بذاكرتك إلى أيام عالبال». يعلق إسطنبولي، ويختم: «في نهاية الشّهر الحالي ننهي عروض السينما الجوالة لنبدأ بالاستعداد لـ(مهرجان لبنان المسرحي الدولي) الذي يستمر من 27 أكتوبر حتى 31 منه. وسنبقي على هذه السينما كمنصة ثقافية حرة ومجانية في خدمة الجميع».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».