توقعات بزيادة تدهور الليرة التركية وإحجام الصين عن التمويل

بعد دعوة إردوغان المواطنين إلى تحويل العملات الأجنبية والإعلان عن سندات اليوان

خسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة (رويترز)
خسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة (رويترز)
TT

توقعات بزيادة تدهور الليرة التركية وإحجام الصين عن التمويل

خسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة (رويترز)
خسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة (رويترز)

توقع خبراء اقتصاديون مزيداً من الانهيار لليرة التركية في الوقت الذي جدد فيه الرئيس رجب طيب إردوغان مناشدته للمواطنين تحويل مدخراتهم من الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والذهب إلى الليرة لرفع قيمتها، بعد تدهورها إلى أدنى مستوى على خلفية العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد وزيري العدل والداخلية التركيين.
ورأى الخبراء أن إردوغان يدرك نقاط ضعف اقتصاد بلاده المعتمد على النقد الأجنبي، في الوقت الذي لم تتضح فيه الإجراءات التي سيتخذها لمواجهة الغضب الأميركي بعد الرد بالمثل بعقوبات مماثلة بحق وزيري العدل والداخلية الأميركيين. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية بحق وزيري العدل والداخلية التركية الأربعاء الماضي، على خلفية فرض الإقامة الجبرية على القس أندرو برانسون المتهم بدعم الإرهاب والتجسس والمسجون منذ أكثر من عامين، ما أعطى ضوءاً أخضر للمستثمرين الأجانب للرحيل عن تركيا قبل تطبيق المزيد من الإجراءات الأكثر تشدداً حال عدم إطلاق سراح القس.
وزاد الإجراء الأميركي الأخير من الصعوبات التي تواجه اقتصاد تركيا المصنف ضمن الفئة «المعرضة للخطر الشديد».
وخسرت الليرة أكثر من 25% من قيمتها حتى قبل عقوبات ترمب الأخيرة، وعانت الشركات التركية التي اعتمدت على الاقتراض بالدولار الأميركي لسداد ديونها، كما خرج التضخم عن السيطرة وارتفع إلى حدود 16% في يوليو (تموز) الماضي على أساس سنوي.
ويتوقع الخبراء أن تواجه تركيا مزيداً من العقوبات الأميركية المباشرة إذا لم تفرج عن برانسون، وأن تتبع الولايات المتحدة النهج نفسه الذي اتبعته مع روسيا بوضع كبار رجال الصناعة الداعمين لإردوغان في القائمة السوداء، وأن تستهدف العقوبات بعض ممولي المشروعات الضخمة التي وعد بها إردوغان، والتي تتكلف أكثر من 200 مليار دولار على هيئة استثمارات في المطارات والكباري وقنوات الشحن التي يعتمد عليها إردوغان لتحقيق النمو.
وذكرت وكالة «بلومبيرغ» في تقرير لها نُشر، أمس (الأحد)، أنه من المحتمل أن تعطل العقوبات صفقة نظام الدفاع الصاروخي الروسي (إس - 400)، وأن تفرض أميركا عقوبات فادحة على مصرف «خلق بنك» الحكومي، الذي كثيراً ما يقدم القروض للحكومة، والذي يقضى نائب مديره السابق عقوبة السجن في الولايات المتحدة لتورطه في انتهاك العقوبات الأميركية على إيران في الفترة ما بين 2010 و2015.
وحسب ماكس هوفمان، المدير المساعد بمركز «أميركان بروغرس» البحثي الأميركي، فإن الغرامة المتوقعة نتيجة للخروقات السابقة تقدر بمليارات الدولارات؛ ما يعني المزيد من الانهيار لليرة التركية.
وكان إردوغان قد تعهد عقب إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية في يونيو (حزيران) الماضي، بالسيطرة على السياسات المالية، لكن في ضوء العقوبات الأميركية الأخيرة؛ فإنه من المرجح «حدوث المزيد من الانهيار لليرة؛ ما يعزز من احتمالية رفع نسب الفائدة على الودائع المصرفية»، وفق جاسون توفاي، الخبير الاقتصادي بمؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» في لندن.
وتقدَّر قيمة الديون الأجنبية المستحقة على المصارف التركية نفسها بنحو 100 مليار دولار من المفترض سدادها خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ويصل سعر الليرة حالياً إلى 5 ليرات للدولار.
من جانبه، قال إردوغان إن تركيا تعتزم إصدار سندات مقوّمة باليوان للمرة الأولى؛ في خطوة لتنويع مصادر التمويل وتجاوز مطالب الأسواق الغربية. وكان برات البيراق وزير المالية والخزانة التركي، قد أعلن أن بلاده ستحصل على قروض بقيمة 3.6 مليار دولار من الصين لتطوير مشاريع البنية التحتية لقطاع الطاقة والنقل.
لكن الخبير الاقتصادي التركي مصطفى سونماز، شكك في إقدام الصين على تقديم قروض تمويلية لتركيا، في ظل ما تعانيه البلاد من مخاطر اقتصادية. وقال إنه لن يكون من السهل الحصول على أي تمويلات من الصين بينما ترفض الأسواق الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي إقراض تركيا.
وأشار سونماز إلى أن الحكومة التركية تتجه نحو السوق الصينية للاقتراض الخارجي من أجل التغلب على الصعوبات التي يواجهها الرئيس التركي في توفير تمويل ضمن خطته المعلنة لمدة 100 يوم، قائلاً إنها المرة الأولى التي نصدر فيها سندات باليوان الصيني.
وقال سونماز إن الصين، مثل أميركا والاتحاد الأوروبي، تنظر أولاً في قرار تقديم القرض إلى معدل المخاطر الاقتصادية التركية، قائلاً: «وصلت تركيا في مؤشر معدل المخاطر إلى مستوى 345 نقطة. بينما اليونان التي تواجه أزمة اقتصادية عنيفة، وصلت إلى مستوى 317 نقطة في مؤشر المخاطر؛ لذلك فإن الأسواق الصينية ستنظر إلى حالة الاقتصاد التركي المتدهور قبل تقديم التمويلات إلى تركيا. والرأي الغالب هو أن الصين لن تخاطر».
أما بالنسبة إلى دعوة إردوغان للمواطنين بتحويل أموالهم من الدولار والعملات الأجنبية إلى الليرة التركية، فرأى سونماز -في مقابلة صحافية- أنها لن تفيد في شيء، قائلاً: «هذه الدعوات لا جدوى منها. لأننا شاهدنا في السابق أنه بعد مثل هذه الدعوات لم يتراجع سعر الدولار ولو بنسبة قليلة».
وسبق أن فعل إردوغان الشيء نفسه عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 2016 ولم تُجدِ كثيراً في تعديل أسعار الصرف.
بالتوازي، قالت وزيرة التجارة التركية روحصار بكجان، إن الانفتاح على أسواق عالمية جديدة، مثل الهند وأميركا اللاتينية والصين والمكسيك وأفريقيا، سيكون من أولويات وزارتها خلال المرحلة المقبلة.
وقالت بكجان، في تصريحات، أمس (الأحد)، إن تركيا ستواصل نهضتها في قطاع التصدير، عبر استراتيجيات خاصة، إذ ستؤسس 35 مركزاً تجارياً في الأسواق العالمية الكبرى. وأضافت أن توحيد وزارتي الاقتصاد والجمارك تحت سقف واحد (وزارة التجارة)، جعل هناك إمكانية لتقديم الخدمات لجميع العاملين في قطاع التجارة، من مركز واحد قوي.
وتابعت: «رؤيتنا المستقبلية هي تقديم الخدمات لجميع العاملين في قطاع التجارة من مركز واحد، وخدماتنا ستصل إلى الجميع ابتداءً من أصغر التجّار إلى أكبر المنتجين».
وذكرت أن وزارتها ستتّبع استراتيجيات استباقية خلال المرحلة القادمة، من أجل فتح آفاق جديدة للبلاد، وزيادة إنعاش وتسريع نمو قطاع الاقتصاد.
وارتفعت الصادرات التركية في يوليو الماضي، إلى 14.1 مليار دولار، بنسبة زيادة بلغت 11.8% على أساس سنوي، وفق مجلس المصدرين الأتراك.
وقالت الوزيرة التركية إن «هدفنا هو الارتقاء إلى مستوى الدول ذات الدخل العالي، ولتحقيق هذا الهدف علينا زيادة الصادرات التكنولوجية، والسلع ذات القيمة المضافة العالية، وعلينا الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل البرمجيات والتكنولوجيا العالية، والذكاء الاصطناعي». وأشارت بكجان إلى أن بلادها ستستخدم الدبلوماسية التجارية بشكل فعّال مع الدول الأخرى.
وأكّدت أن تركيا ستُقدِم في المرحلة المقبلة على جميع الخطوات الرامية لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، ودول الجوار.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.