نشاط {داعشي} في الشيشان

أرضية خصبة لتجنيد عناصر جديدةc

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
TT

نشاط {داعشي} في الشيشان

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})

من بين الدراسات العديدة التي تتناول إشكالية حصول تنظيم «داعش» على عناصر بشرية جديدة، يمكننا الحديث عن دراسات تتعلق بروسيا تأتي في المقدمة، حيث إن معظم هؤلاء المجندين الجدد لـ«داعش» ينحدرون من جمهورية الشيشان، التي باتت بؤرة تعصب ديني خصبة لتجنيد مقاتلي «داعش».
تقول الأرقام الرسمية إن نحو 800 شيشاني بالغ يقاتلون في صفوف التنظيم الإرهابي، في حين أنه من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، فبعض الشباب الذين التحقوا بالتنظيم يُصنفون على أنهم مفقودون، لكن السلطات لا تعلم حتى إن العديد منهم ذهبوا للقتال. ولعل السؤال الرئيسي في هذه القراءة: لماذا يلتحق هذا العدد الكبير من الشيشان بتنظيم «داعش الإرهابي»؟
إحدى أفضل الدراسات التي اطلعنا عليها في بحثنا عن جواب للسؤال المتقدم، كانت للبروفسور مايكل فشينفسكي، المحاضر غير المتفرغ في علم الجريمة بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، وصاحب الأبحاث المتميزة في الإرهاب والعنف السياسي والتطرف في الشيشان والسجون.
يؤرِّخ الرجل لبداية الإرهاب في الشيشان من عند العلاقة بين روسيا والشيشان التي تميزت دائماً بالعنف. وكان السبب الأساسي لذلك الصراع هو التوسع الروسي في منطقة القوقاز، الذي بدأ منذ القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، ثم استمر في القرن العشرين أيضاً في عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفياتي، وتلا ذلك حصول خمسة عشر عضواً من أعضاء جمهوريات الاتحاد السوفياتي على استقلالهم، مثل روسيا، وأوكرانيا، وكازخستان. إلا أن الجمهوريات التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي كان لها وضع قانوني مختلف داخل الاتحاد السوفياتي، أي أنها كانت تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من روسيا ومنها الشيشان.
وطبقاً لخطة حكومة روسيا، فإن كل البلاد الحاصلة على الحكم الذاتي داخل الفيدرالية الروسية، تبقى كما هي داخل الفيدرالية، وتعتبر جزءاً من الدولة الروسية المستقلة أو الفيدرالية الروسية. وكانت الشيشان هي الجمهورية الوحيدة داخل الفيدرالية التي أعلنت استقلالها عن روسيا 1991.
وفى عام 1994 أرسلت حكومة الرئيس يلتسين قوات إلى الشيشان لإجبار الجمهورية على العودة مرة أخرى إلى الفيدرالية، وكانت هذه هي بداية الحرب الأولى بين روسيا والشيشان، التي استمرت من 1994 وحتى 1996. وقد حاربت الشيشان من أجل استقلالها تحت قيادة الرئيس ذوخاردوديف. وانتهت الحرب عام 1996 باتفاقية خزاجفورت للسلام، التي نصَّت على تأجيل البت في الوضع الرسمي للشيشان، لمدة خمس سنوات إضافية، أي حتى عام 2001، إلا أن الخطة لم تُنفَّذ.

الطريق إلى الإرهاب الراديكالي
خلال تلك السنوات بدا وكأن الشيشان ماضية بقوة الدفع الذاتي في طريق الإرهاب الأصولي، فقد اندلعت الحرب الثانية بين روسيا والشيشان مجدداً في سبتمبر (أيلول) من عام 1999، وقد بدأ الأمر بسلسة من الانفجارات لعدة أبنية سكنية، كما وقعت الانفجارات بمدن بوجناكي بداغستان وفولجودونسك وموسكو بروسيا. وقد أتهم الإرهابيون الشيشان بارتكاب هذه الاضطرابات التي أودت بحياة 300 شخص وأصابت 700 آخرين. وفى الشهر ذاته، قامت قوة من الشيشان والداغستانيين، ومسلحين أجانب، باحتلال داغستان، وقد قاد هذا الاحتلال، شاجل بازايف وعبد الله السويلم وخطاب، بهدف تأسيس دولة راديكالية بالشيشان وداغستان.
وكانت هذه الاضطرابات الإرهابية إلى جانب احتلال داغستان، وراء بدء الحرب الروسية الشيشانية الثانية في سبتمبر 1999.
حين حل عام 2000 كانت الحكومة الروسية تعلن انتصارها العسكري ولكن في نهاية الحرب تحول القتال العسكري إلى عملية لمكافحة الإرهاب، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
ولعلَّ الناظر إلى سجلات حقوق الإنسان في الشيشان خلال العقدين الماضيين يدرك أن ظهور الإرهاب وتناميه، وقدرة «داعش» على اكتساب عناصر شيشانية جديدة، إنما يتأتى في بعض أجزائه من جراء ممارسات غير إنسانية مورست ضد المواطنين الشيشانيين على يد القوات الروسية الفيدرالية.
ومنها قصف القرى دون تمييز، إلى جانب القبض العشوائي على الرجال، وممارسة التعذيب أو قتل المحتجزين، كما كانت فرق الموت تقوم بقتل المواطنين، وسرقة أو تدمير أملاكهم، ناهيك باقتحام ديارهم، واستباحة الاعتداء على النساء والرجال، ولا تزال التعديات والانتهاكات تُمارَس ضد المواطنين الشيشان وإن كانت هذه المرة تُمارَس برعاية الحكومة الشيشانية الجديدة ومساندتها بحسب تقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش».

العنف قابلة الإرهاب
حين يتحدث كارل ماركس عن العنف بوصفه قابلة التاريخ، فإنه لم يلتفت إلى أن العنف كذلك هو حاضنة الإرهاب والعنف المضاد، الأمر الذي جرت به المقادير في الشيشان حتى الساعة.
تركت الحروب في منطقة الشيشان أثرها على الحجر والبشر، فقد تدمرت البنية التحتية للجمهورية، وتشهد الصور التي التقطت للعاصمة غروزني بعد آثار التدمير التي عاشتها أثناء الحربين الأولى والثانية على ذلك.
وطبقاً لعدة تقديرات، فإن الخسائر في الأرواح التي تعرض لها الشعب بالشيشان أثناء الحروب، تتراوح بين 65 و77 ألف فرد، وذلك من واقع تعداد يقترب من مليون قبل الحروب، مما أثَّر على كثير من الأسر والعائلات، وبالتالي على الأطفال والشباب، كما ترتب على ذلك أيضاً تفاقم حالة البطالة. وفى أعقاب حروب الشيشان تعرضت البلاد لخلل كبير في العملية التعليمية والمخزون من الأدوية. وانتابت شعب الشيشان حالة من الصدمة النفسية ونشأ جيل من الأطفال لم يعرف سوى العنف منذ أن فتح عينيه على العالم.
وكمناطق الحروب الأخرى، فإن ما تعرضت له منطقة الشيشان نتيجة للحروب الدائرة وحالة العنف، وما ترتب عليه من تدهور لظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كان له تأثيره الملموس على العائلات والأفراد، خصوصاً صغار السن منهم، حيث يعاني الجميع من انعدام الأمن والحاجة إلى الحماية الجسدية... هل لا بد لانعدام الأمن من ظهور الإرهاب؟

الإرهاب واقع يطرح نفسه
كان من الطبيعي أن تولد الحروب ضد الشيشان اضطرابات نفسية واجتماعية، واقتصادية وأمنية، وليس أفضل من هذه وتلك أجواء ملائمة لنشوء وارتقاء حركات تطرف عنيف، لا يلبث أن يتحول إلى إرهاب، بدا محلياً وها هو ينحو مع الدواعش إلى تهديد أممي.
في الفترة ما بين 1991 و1994 ارتكبت ثمانية أنشطة إرهابية على يد إرهابيين من الشيشان. هذه الأنشطة استخدمت التكتيكات والوسائل الإرهابية، خصوصاً اختطاف الرهائن والمطالبة بالفدية، بالإضافة إلى اختطاف الطائرات والحافلات وعلى متنها مسافرون. وقد أسفرت تلك الأنشطة عن وفاة أربعة أفراد وإصابة تسعة عشر آخرين. بالإضافة إلى ملايين من الدولارات التي دفعت للمختطفين كفدية.
ومن هذه الأنشطة الإرهابية اختطاف طائرة مدنية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وقد نفذت العملية احتجاجاً على الوجود الروسي بالشيشان، وهناك كثير من حوادث الاختطاف الأخرى، كان الغرض الأساسي منها المطالبة بالفدية. وهناك أكثر من 60 نشاطاً إرهابياً داخل وخارج الشيشان قد تم ارتكابه على يد الإرهابيين الشيشان، بين عامي 1995، 1999 بالإضافة إلى ما يربو على 80 حادثاً إرهابياً تم ارتكابه بين عامي 2000 و2004.
وكانت أخطر العمليات الإرهابية التي قامت بها عناصر شيشانية، حادث حصار مسرح «دوبوفكا» في موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، وعملية اختطاف الرهائن بمدرسة في بسلان، شمال أوسيتار في سبتمبر 2004. وقد حظيا بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية. وقد بدأت العمليات الانتحارية في عام 2000 وما زالت مستمرة منذ ذلك الحين، وطبقاً لبعض الإحصائيات فإن 28 حادثاً انتحارياً قد وقعوا بالفعل بين عامي 2000 و2005.
ما الذي جرى على وجه الدقة وجعل الشيشان على هذا النحو مؤولاً للإرهاب المحلي، الذي يصدر كذلك إلى الخارج؟
المؤكد أنه بعد تحول القتال العسكري الروسي بالشيشان إلى عمليات حربية ضد الإرهاب، بدأت الحركة الانفصالية في التحول هي الأخرى، حيث بدأت القوات الفيدرالية والمحلية التابعة للحكومة في مطاردتها ودفعها إلى منطقة الجبال، ومنذ ذلك الحين والحركة تعمل في سرية. وحالياً يتكون الإرهاب بالشيشان من شبكة تسمى بالجماعات، وهى مجموعات تعمل في سرية، وتتكون عادة من إسلامويين مسلحين ولها اتصالات بجماعات خارج الشيشان في داغستان، وأنجوشيتيا، وكراشايفو - شركسيا، وغيرها من جمهوريات شمال القوقاز.

طريق الإرهاب المعبَّد
لم يكن تنظيم الدولة يحلم بأفضل من مثل هذه أوضاع، هيأت العقول والنفوس لفكرة الخلافة الدولة، وهذا ما تشير إليه إيلينا سوبولينا الباحثة في قضايا الإرهاب من معهد موسكو للدراسات الاستراتيجية، التي تقدم أسبابا مقنعة تجعل «داعش» سعيداً بما يجري في الشيشان في الحال، وما جرى من زمن غير بعيد، وعندها أنه في مقدمة تلك الأسباب التي تجعل شباب الشيشان لقمة سائغة للدواعش، ارتفاع نسبة البطالة، وعدم الرضا على الحالة الاجتماعية، وعدم التمكين من تحقيق أحلامهم، هذه جميعها قادت كثيراً من أبناء المنطقة إلى الارتماء في أحضان «الجهاديين» المغشوشين من الدواعش.
أما بافل فيغنهاور المعلق العسكري المستقل في موسكو، فيذهب إلى أن جهوداً منسقة من أجهزة الاستخبارات الروسية قبيل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014، قد تكون لها علاقة بالموضوع. فالإجراءات الأمنية الصارمة وقتها دفعت أعداداً هائلة من المتطرفين للخروج من البلاد، وهؤلاء امتصهم تنظيم «داعش» مثل مكنسة كهربائية، لكن مع فقدان التنظيم الآن لكل مناطق نفوذه تقريباً، فإن المكنسة الكهربائية باتت تعمل في الاتجاه المعاكس وتهدد بلفظ الإرهابيين.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».