الجيش اللبناني يواجه تحدي حماية الاستقرار

خبراء يؤكدون الحاجة إلى قرار سياسي يكرّس سلطته

TT

الجيش اللبناني يواجه تحدي حماية الاستقرار

يحتفل لبنان اليوم بالعيد الـ73 لتأسيس الجيش، ويتزامن الاحتفال مع إنجازات كبيرة حققتها المؤسسة العسكرية على صعيد مكافحة الإرهاب واجتثات المجموعات المسلّحة من حدود لبنان الشرقية، والعمليات الاستباقية التي أدت إلى كشف الخلايا النائمة في الداخل اللبناني، كما يأتي عشية تحديات تنتظر الجيش، على صعيد ترسيخ الاستقرار الأمني وحمايته، والتصدي لأي اعتداء محتمل على الحدود الجنوبية، وتعقب شبكات تجسس تعمل لصالح إسرائيل على الأراضي اللبنانية.
وأثبت الجيش اللبناني كفاءته القتالية بدءاً من المعركة ضد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد في شمال لبنان عام 2007 وصولاً إلى معركة «فجر الجرود» التي وقعت على حدود لبنان الشرقية مع تنظيم داعش خلال شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، لكن الجيش سجّل في السنوات الثلاث الأخيرة مجموعة من الإنجازات جعلته موضع اهتمام الدول الكبرى، التي تسعى لتعزيز قدراته على صعيد التدريب والتسليح والمعلومات.
العمليات النوعية التي نفذها الجيش في السنوات الأخيرة، تأتي نتيجة تراكمات من العمل العسكري والأمني والاستخباري الذي حققته المؤسسة. وأكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإنجاز الأبرز في ظلّ قيادة العماد جوزيف عون، تمثّل في معركة (فجر الجرود)، ووقف تدفق السيارات المفخخة إلى الداخل، وتخفيف الضغط الأمني على لبنان». وأشار المصدر إلى أن «حسم معركة فجر الجرود بشكل سريع سمح للجيش بتركيز جهوده على حماية الأمن الداخلي، عبر رصد الشبكات الإرهابية والإطباق على الخلايا النائمة بعمليات استباقية حققت نجاحاً كبيراً، عدا عن الملفات الأخرى المتمثلة بمكافحة الجريمة، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية كافة».
وفيما تشكّل الإنجازات التي حققها الجيش مصدر ثقة اللبنانيين، فإن الجيش لا ينام على حرير الانتصار على الإرهاب، وفق ما أعلن قائده العماد جوزيف عون، بل ثمة تحديات أخرى يجب التصدي لها ومواجهتها، ويؤكد المصدر العسكري، أن «أهم التحديات المقبلة تتمثل في الهاجس الأمني في الداخل، وحماية الحدود، سواء الشرقية مع سوريا، لمنع خطر تسلل مسلحين إلى لبنان، وخطر أي اعتداء إسرائيلي عبر حدود لبنان الجنوبية، وملاحقة شبكات التجسس التي تعمل لصالح إسرائيل».
وتضع البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، مسألة تعزيز قدرات الجيش في أولوياتها، لكن ثمة تحفظات على تشكيك بعض القوى بقدرات الجيش في الدفاع وحده عن لبنان، ليبرر بقاء سلاح «حزب الله»، الذي يشكل ازدواجية مع الدولة. ورأى مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر، أن الجيش «بات الملاذ الأخير للبنانيين، وحاضراً بشكل دائم لحماية السيادة الوطنية، وبالتالي ينقصه قرار سياسي واحد وميثاقي ليبسط سلطته المطلقة على كامل الأراضي اللبنانية». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوقائع الميدانية والعمليات القتالية التي خاضها الجيش في معارك عدّة، جعلته موضع ثقة وتقدير الجهات الدولية، التي تؤكد أن الجيش اللبناني يملك القوة العسكرية والقدرات القتالية والكفاءة العالية للدفاع عن سيادة لبنان، بفضل السلاح النوعي الذي حصل عليه من الأميركيين والأوروبيين».
ومنذ العام 2006 يحاول لبنان وضع استراتيجية دفاعية، تعطي الدولة وحدها قرار الحرب والسلم، وتحول دون بقاء أي سلاح خارج الشرعية، إلا أن كل الحوارات باءت بالفشل، بسبب رفض «حزب الله» التخلّي عن سلاحه، بحجة أن الجيش غير قادر وحده على التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، أو هجمات التنظيمات الإرهابية، ويشير سامي نادر إلى أن «الجيش أثبت في جرود عرسال وقبلها في معركة (نهر البارد)، أنه قادر على حسم المعارك، وأن يكون الملاذ الوحيد للبنانيين». وقال: «ما ينقص الجيش الآن إقرار من القوى السياسية بضرورة وضع سياسة دفاعية تنهي وجود سلاح (حزب الله) الذي لا يزال نقطة الخلاف الأولى بين اللبنانيين».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.