«تسونامي» الاحتجاجات العراقية يصل إلى «شبكة الإعلام»

صحافي يدفع ثمن انتقاده لأعضاء الحزب الحاكم... وأخرى لتغطيتها المظاهرات

TT

«تسونامي» الاحتجاجات العراقية يصل إلى «شبكة الإعلام»

يبدو أن الموجات الارتدادية لـ«تسونامي» الاحتجاجات العراقية المتواصل منذ 3 أسابيع، وصلت أخيراً إلى «شبكة الإعلام العراقي» الممولة من المال العام، وتسببت بإنهاء عقد مدير تحرير مجلة «الشبكة» الشهرية أحمد عبد الحسين، ومطالبة المحرر في جريدة «الصباح» التابعة للشبكة أحمد عبد السادة بكتابة تعهد بعدم «السب والقذف بحق كبار المسؤولين السياسيين والرموز السياسية للبلد». كذلك تسببت بتحويل مقدمة البرامج حنان مهدي إلى محررة، لاشتراكها في المظاهرات.
وإذا كانت شبكة الإعلام لم تصدر قراراً بفصل الصحافي أحمد عبد السادة حتى الآن، وأعلنت عن أن نقل المذيعة حنان مهدي من شعبة المذيعين إلى غرفة الأخبار من «أجل تأهيلها استناداً إلى توصيات لجنة مختصة تم تشكيلها لإعادة تقييم المذيعين والمذيعات» وليست معاقبتها، فإن الشبكة قررت إلغاء عقدها المبرم مع أحمد عبد الحسين لأنه رفض التوقيع على تعهدها المتعلق بعدم مهاجمة كبار المسؤولين والرموز السياسية.
وكتب أحمد عبد الحسين على كتاب التعهد الذي طلبت منه الشبكة التوقيع عليه ما يلي: «أمتنع عن توقيع هذا التعهد لأنه اعتداء على حريتي، هذا إجراء يذكّرنا بمرحلة الديكتاتورية».
وكان عبد الحسين قد شن هجوماً لاذعاً قبل أيام عبر صفحته في «فيسبوك» على أعضاء في حزب «الدعوة» الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد الإجراءات الأمنية المتشددة التي اتخذتها حكومته ضد المحتجين وأوقعت عشرات الإصابات وتسببت بوفاة ما لا يقل عن 15 متظاهراً.
أحمد عبد الحسين (50 عاماً) شاعر وصحافي، ويعد من بين أكثر النشطاء والفاعلين في الحقل الثقافي حماساً للحراك الاحتجاجي المتواصل منذ سنوات ضد الفساد وسوء الإدارة الحكوميين، وهو أمر جعل منه الأقرب من بين النخب الثقافية إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، خصوصاً بعد التحاق الصدريين بالمظاهرات التي بدأت بها الجماعات المدنية والحزب الشيوعي في مايو (أيار) 2015.
وشخصية أحمد عبد الحسين المتفردة في معارضة السلطة وكتابة الشعر خلقت له كثيراً من المؤيدين والخصوم، ومن بين أشهر خصومه الشاعر العراقي الشهير سعدي يوسف الذي تعرض له مرات عديدة في مقالات وُصفت محلياً بـ«الخالية من اللياقة».
«الثورية المفرطة» دفعت عبد الحسين إلى كتابة مقالة غاضبة ضد السياسي عادل عبد المهدي في جريدة «الصباح» التابعة لـ«شبكة الإعلام العراقي» عام 2008، تسببت بطرده من الجريدة. ويرى أغلب أصدقاء وزملاء أحمد أنه يتمتع بـ«مزاج ثوري» يدفعه إلى الإعلان صراحة عن مواقفه دون التفكير في العواقب التي تترتب على ذلك من فقدان الوظيفة أو الطرد من العمل.
وبينما تتهم شبكة الإعلام بعدم التزام أحمد عبد الحسين بمعاييرها المعتمدة، يقول الأخير: «لا وجود لهكذا إجراء في قانون الشبكة، مواقع التواصل الاجتماعي ليس لها قانون يضعها ضمن طائلة المحاسبة، النشر في (فيسبوك) يشبه حديثاً في المقهى، وأنا لم أنشر انتقاداتي في نافذة رسمية تابعة لشبكة الإعلام».
ورداً على ما يشاع عن تقصيره في عمله، يرى عبد الحسين في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يقصر في عمله، «لكنني من أولئك المغضوب عليهم من قبل عناصر حزب الدعوة التي تدير شبكة الإعلام وتؤثر على إدارتها. لو كان الأمر كذلك، لتم فصلي بسبب الغيابات أو التقصير في عملي وليس بتهمة التشهير والقذف كما ورد في كتاب الفصل»، في إشارة إلى كتاب فصله الصادر عن مدير شبكة الإعلام الذي يذكر أن إنهاء العقد جاء بتهمة «السب والقذف بحق كبار المسؤولين السياسيين والرموز السياسية للبلد».
ويضيف عبد الحسين: «أمر فصلي مفهوم بالنسبة إليّ، لأن رئيس الشبكة تابع لرئيس الوزراء العبادي وهو مضطر إلى اتخاذ هكذا قرارات إرضاءً للجهات التي عيّنته».
وحول وضع عائلته بعد خسارته لمصدر دخله الوحيد، يقول: «عائلتي سعيدة وهي التي طلبت مني عدم توقيع التعهد، لأنها لا ترضى أن يصبح أحد أفرادها متخاذلاً ويوقّع على تعهد غير لائق». ويعيد إنهاء عقد أحمد عبد الحسين إلى الأذهان جدلاً طويلاً ومتواصلاً بشأن التأثيرات التي تمارسها الأحزاب والسلطات السياسية على شبكة الإعلام العراقي الممولة من المال العام ويعمل فيها نحو 5 آلاف موظف وتتفرع عنها مجموعة وسائل إعلام متعددة، منها قناتا «العراقية» وجريدة رسمية ومجلة ومجموعة مراكز أبحاث وأكثر من إذاعة.
والشبكة أسسها الحاكم الأميركي المدني للعراق بول بريمر عام 2004، ويشرف على عملها 9 أمناء ويرأسها مدير تنفيذي، وكان يفترض أن تكون على غرار مؤسسة «بي بي سي» البريطانية، لكنها اتُّهمت على طول الخط بوقوعها تحت تأثير منصب رئاسة الوزراء، خصوصاً حين شغله أعضاء حزب «الدعوة» المالكي والعبادي لثلاث دورات متتالية (2005 - 2018).
لكن رئيس الشبكة التنفيذي الحالي مجاهد أبو الهيل، ينفي ذلك جملةً وتفصيلاً وينفي التأثيرات التي مورست عليه لإنهاء عقد الصحافي أحمد عبد الحسين. ويقول أبو الهيل لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتعرض لضغوط من قبل أعضاء حزب الدعوة أو غيرهم، وقمت بتطبيق القانون بحق الزميل أحمد».
ويرى أبو الهيل أن «الزميل أحمد خالف مدونة السلوك التي تتبناها الشبكة ومعايير النظام الداخلي والمادة 9 من العقد الذي تُلزمه بعدم القذف والتشهير». ويعتقد أبو الهيل أن «ما قام به أحمد عبد الحسين لا يدخل ضمن نطاق حرية التعبير، إنما ضمن سياق التشهير غير المسموح به في لوائح الشبكة، ونحن نعمل على حماية الخطاب الإعلامي والمعايير المهنية من الوقوع في منطقة الفوضى».
ونفى أبو الهيل أن تكون شبكة الإعلام قد استفادت من قانون العقوبات التي شرعها نظام البعث المنحل لمعاقبة الأشخاص الذين يقومون بسب الشخصيات السياسية في العلن كما في حالة أحمد عبد الحسين عضو هيئة أمناء الشبكة السابق وعميد كلية الإعلام الحالي هاشم حسن الذي يرى أن الشبكة «تنظر إلى العاملين فيها على أنهم تابعون لمؤسسة حكومية وعليهم الطاعة والولاء لسياساتها وغير مسموح لهم التعبير عن آرائهم».
ويرى حسن في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن نظرة الشبكة هذه «غير مبررة، لأن قوانينها لا تسمح بذلك، فهي مملوكة للدولة لا للحكومة، هي شبكة الشعب العراقي وولاء الموظفين للشعب وليس للحكومة ومن حقهم التعبير عن آرائهم في إطار القوانين المرعية دون اللجوء إلى أساليب القذف والتشهير».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».