تحت عنوان «الخدمات والإصلاح»، بدأت في عام 2011 في ساحة التحرير بمنطقة الباب الشرقي في قلب العاصمة بغداد، أولى التّظاهرات في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حيث يرتفع «نصب الحرية» الشهير الذي شيّده النّحات جواد سليم بإيحاء من عبد الكريم قاسم، أول مؤسس للجمهورية في العراق عام 1958.
يحاكي هذا النّصب الذي يراه العراقيون رمزاً عظيماً للحرّية، التاريخ السياسي الطّويل للعراق. وهو يحتوي على 14 قطعة، ويرمز عددها إلى 14 يوليو (تموز)، يوم الانقلاب على نظام الحكم الملكي في العراق عام 1958.
وفي حديث لـ«الشّرق الأوسط» يقول نعين عبعوب أمين بغداد السابق، إنّ نصب الحرية بات اليوم مهددا بالانهيار، ويضيف: «يعتبر هذا النصب محرك الضمير الثّائر داخل مكامن البغداديين. وهو التّعويذة الخالدة للجماهير الثّائرة في بغداد التي تطالب وتعبر عن رفضها للظّلم والجّوع والمرض والتّخلف». ويضيف أنّ «النّصب وبكل أسف مهدد بالانهيار نتيجة التّشققات في أغلب زواياه وجوانبه، لعدم وجود الصيانة المتخصصة به، وعدم تأمين الأموال اللازمة». مبيناً أنّ «هناك شركة إيطالية تبرعت من أجل صيانته؛ لكنّ الروتين القاتل لم يمكنها من المجيء». ويشير عبعوب إلى أن «الاستخدام الخاطئ لوقوف آليات الجيش والشّرطة بالقرب منه، وصعود المتظاهرين على التّمثال قد أدّيا إلى تفاقم المشكلة التي يعاني منها». ويقول إن «عائدية النّصب تشكّل معضلة أخرى، فهناك من يرى أنّه يعود إلى وزارة الثّقافة، ومنهم من يقول إنه يعود إلى أمانة بغداد، وآخرون إلى وزارة السّياحة، وبالتالي فإنّ وضعه يتحوّل من سيئ إلى أسوأ».
ولعلّ الصّورة الأكثر رمزية وواقعية في نصب الحرّية، كما يرى الإعلامي والنّاشط المدني حامد السيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، هي «المرأة أو الأم التي تمثّل تاريخاً من البكاء والعويل والنّواح في العراق الذي قُدّر له أن يبدأ منذ فجر تاريخه وإلى اليوم». وطبقا لما يحتويه النّصب يطالعنا رمز البراءة والأمل على هيئة طفل صغير يشير إلى بداية الطريق، وبعده امرأة مشحونة بالانفعال والغضب والحزن، ومن ثم منظر مؤثر إذ تحتضن الأم ابنها الشهيد باكية». ويضيف، «وهذا الأمر كثير وروده في التّاريخ العراقي، سواء كان القديم منهُ أم الحديث، لأن النّصب برموزه الـ14 التي يمكن اختزالها إلى 12 رمزاً، إنّما تجسّد شهور السنة الواحدة المشحونة بالغضب والانفعال والحزن في العراق».
وفي هذا السياق يتابع السيد قائلاً: «يمثّل نصب الحرية قدر العراق وقدر الجمهورية التي أتت في أعقاب النّظام الملكي. إنّه يمثل جزءا من هوية بغداد الجمالية فضلاً عن كونه يمتد إلى عمق التّاريخ العراقي بكل تحوّلاته السياسية والاجتماعية وما فيه من طاقات حزن وبكاء». ويتابع موضحاً: «حين ننظر إلى هذا النّصب، نستذكر تاريخاً طويلاً من الآلام والمعاناة، فلطالما عُلّقت جثث تحته، ولطالما بكت نساء أولادهن. لم يمرّ يوم عليه إلّا وارتبط بحدث قد يكون مأساويّا أو يمثّل تحولا تاريخيا». ويضيف السيد أنّه «انطلاقا ممّا يحيط بهذا النّصب من أمكنة ومقتربات ومنها حديقة الأمة (في العهد الملكي كانت تسمى حديقة غازي)، فإنها تختزل تاريخنا في البكاء والنّواح، فقدرنا كعراقيين أن نكون كذلك، ويوماً ما، قد نصبح كلنا شهداء تحت هذا النصب الخالد».
«نصب الحرية» الشاهد على تاريخ العراق... مهدد بالانهيار
يعتبر محرك الاحتجاجات البغدادية
«نصب الحرية» الشاهد على تاريخ العراق... مهدد بالانهيار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة