قانون الصحافة الجديد في مصر... إنقاذ للمهنة أم تكبيل للحريات؟

مشكلات اقتصادية قد تخيم على القطاع بعد إقراره

القانون يفرض على المؤسسات الصحافية أن تخصص جزءاً من دخلها للهيئة الوطنية مما يزيد من تفاقم أزمتها لعدم وجود إعلانات (غيتي)
القانون يفرض على المؤسسات الصحافية أن تخصص جزءاً من دخلها للهيئة الوطنية مما يزيد من تفاقم أزمتها لعدم وجود إعلانات (غيتي)
TT

قانون الصحافة الجديد في مصر... إنقاذ للمهنة أم تكبيل للحريات؟

القانون يفرض على المؤسسات الصحافية أن تخصص جزءاً من دخلها للهيئة الوطنية مما يزيد من تفاقم أزمتها لعدم وجود إعلانات (غيتي)
القانون يفرض على المؤسسات الصحافية أن تخصص جزءاً من دخلها للهيئة الوطنية مما يزيد من تفاقم أزمتها لعدم وجود إعلانات (غيتي)

تضاربت الآراء حيال قانون الصحافة الجديد في مصر، وبينما اعتبر صحافيون وإعلاميون، أن «القانون الجديد يمنح الصحافي امتيازات غير مسبوقة، ويُعد إنقاذاً للمهنة». قال آخرون، إن القانون سيكون «مقيداً للحريات».
وعقب موافقة مجلس النواب المصري (البرلمان) على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد، طُرحت تساؤلات حول مستقبل مهنة الصحافة والإعلام، في ظل ملكية الدولة المصرية معظم وسائل الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع.
من جانبه، أكد الكاتب الصحافي أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب (البرلمان)، أن «الفترة المقبلة ستشهد ازدهاراً للمهنة، ومزيداً من الشفافية في تعامل المؤسسات الصحافية، من خلال نشر ميزانياتها»، مشيراً إلى أنه «لأول مرة منذ 40 عاماً يكون لدينا قانون ينظم الإعلام المرئي والمسموع، ولأول مرة تتم صياغة قانون لتنظيم الإعلام الإلكتروني».
وقال هيكل لـ«الشرق الأوسط»، إن «القانون يمنح الصحافي امتيازات كثيرة تسمح له بأداء عمله، بشكل لم يحدث من قبل، حيث يتضمن 18 مادة لحماية حرية الصحافيين»، مضيفاً: «اجتهدنا في وضع القانون، وحرصنا على أن يكون مطابقاً للدستور المصري».
في المقابل، توقع الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن «تواجه مهنة الإعلام مشكلات وأزمات في الفترة المقبلة بعد إقرار القانون الجديد، وعلى رأسها المشكلات الاقتصادية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «القانون يفرض على المؤسسات الصحافية التي تمر بظروف اقتصادية صعبة، أن تخصص جزءاً من دخلها للهيئة الوطنية للصحافة؛ مما يزيد من تفاقم أزمتها لعدم وجود إعلانات». مرجحاً أن «تشهد الفترة المقبلة حالة انكماش إعلامي في ظل مزيد من القيود الاقتصادية والقانونية على حرية المهنة»، متوقعاً أن «يتم إغلاق بعض الإصدارات الصحافية، وعلى رأسها المجلات خلال الفترة المقبلة».
وبينما أعربت نقابة الصحافيين في مصر عن رضائها عن القانون الجديد بنسبة كبيرة؛ إلا أن بعض أعضاء مجلس النقابة عدّوه «استمراراً لمحاولات تقييد الصحافة والإعلام وحصاراً لحرية الرأي والتعبير». وقالوا في بيان لهم، إن التعديلات التي تمت على القانون «صورية»، حيث تجاهلت مقترحات النقابة الخاصة بتشكيل الجمعيات العمومية للمؤسسات القومية... كما قدمت «صيغاً تحايلية» في المواد المتعلقة بالصلاحيات الممنوحة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي تتيح له منع تداول وسحب تراخيص وحجب مواقع عامة وشخصية، وهو ما ينسف جوهر المهنة واستقلالها... كما أن نص المادة الخاصة بالحبس الاحتياطي تركت «مطاطة».
وقال محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، وأحد الموقّعين على البيان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القانون الجديد سيؤدي إلى هدم المؤسسات القومية»، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التراجع للحريات الإعلامية.
ويمنح القانون للمجلس الأعلى للإعلام حق النشر والحجب والحظر ومنع التداول ووقف الترخيص لاعتبارات مثل «تكدير السلم العام»، بما في ذلك الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها على 5 آلاف متابع، حيث يتم التعامل معها باعتبارها مواقع إلكترونية. وأكد عبد الحفيظ، أن «النص الخاص بالحسابات الشخصية شيء من العبث، فهناك قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يمكن من خلاله التعامل مع هذه الحسابات بدلاً من معاملتها كمواقع صحافية».
لكن هيكل أكد في هذا الصدد، أن «المجلس الأعلى للإعلام هو الهيئة الضابطة للعمل الإعلامي وفقاً للدستور، ولا بد من منحه هذه الصلاحيات»، مشيراً إلى أنه تمت الاستجابة لكل الملاحظات، بما في ذلك البند الخاص بالحبس الاحتياطي.
في السياق ذاته، اعتبر الكاتب الصحافي كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، القانون الجديد «بمثابة إنقاذ للمهنة»، مشيراً إلى أن القانون «يزيد من فاعلية الجمعيات العمومية للصحف بعيداً عن مجالس إدارتها».
ويشار إلى أنه من المنتظر بعد إقرار القانون الجديد، أن يتم تغيير الهيئات الوطنية للصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام... وكان البرلمان قد وافق على القانون بعد تعديله استجابة لملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة، التي هددت القانون بشبهة عدم الدستورية، وبخاصة في المادة 12 من القانون التي تشترط حصول الصحافي أو الإعلامي على تصاريح لتأدية عمله، والمادة 6 الخاصة بتراخيص إصدار المواقع الإلكترونية. كما طالب مجلس الدولة بحذف جزء من المادة 26، واعتبر المادة 54 من القانون تمييزاً يتنافى مع مبادئ الدستور.
وقال أسامة هيكل، إنه «تمت الاستجابة لجميع ملاحظات مجلس الدولة، ونقابة الصحافيين، باستثناء النص الخاص بالجمعيات العمومية للصحف؛ لأن هذا شيء تنظيمي لا علاقة للنقابة به».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.