حكومات «ليبرالية» تتحكم في الإنترنت لموافقة مصالحها

حكومات «ليبرالية» تتحكم في الإنترنت لموافقة مصالحها
TT

حكومات «ليبرالية» تتحكم في الإنترنت لموافقة مصالحها

حكومات «ليبرالية» تتحكم في الإنترنت لموافقة مصالحها

تسعى معظم الحكومات، بما فيها الحكومات الغربية التي تصنف نفسها كليبرالية، إلى فرض السيطرة على محتويات الإنترنت سواء بالحجب أو التدخل المباشر أو وسائل الرقابة الأخرى التي تعزز بها مصالحها وتحبط توجهات المعارضة وتتحكم في مسار المعلومات الإلكترونية. وهناك الكثير من الخيارات والأدوات المتاحة للحكومات من أجل تطبيق هذه الاستراتيجيات.
ومع نمو وسائل التواصل الاجتماعي زادت فرص التحكم الحكومي أحيانا عبر ما يسمى بالكتائب الإلكترونية التي تسعى إلى تغيير توجهات الرأي العام والدفاع عن الموقف الحكومي وتشويه المعارضة. وفي حالات الطوارئ مثل التوتر الاجتماعي تلجأ الحكومات أحيانا إلى إغلاق شبكات الإنترنت بالمرة.
ولا يقتصر التحكم على دول العالم الثالث وإنما يمتد إلى دول ليبرالية مثل الولايات المتحدة التي تسعى الحكومة فيها إلى التدخل من أجل تحويل الرأي العام لاتباع آراء معينة دون غيرها. وتعتبر بعض الحكومات أن السيطرة على الإنترنت تأتي ضمن أولوياتها.
وهناك الكثير من الوسائل التي يمكن بها التحكم في الإنترنت منها منع الوصول إلى مواقع إلكترونية أو تطبيقات بعينها وأحيانا لشبكة الإنترنت كلها. وتلجأ دول أخرى إلى إصدار قوانين تجبر الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت على حذف محتويات معينة. وتستخدم تركيا وروسيا مثل هذا الأسلوب. وفي أوغندا صدر مؤخرا قانون لفرض ضرائب على استخدام منصات اجتماعية مثل «فيسبوك» و«تويتر» من أجل الحد من استخدامهما.
وبدلا من الحجب والمنع يمكن للحكومات تشجيع المحتوى الإيجابي لها، وهو أسلوب تتبعه الحكومة المكسيكية بنشر محتويات مناهضة للمعارضة يبدو من محتواها أنها تأتي من مصادر شعبية. واستخدمت روسيا أسلوبا مشابها في محاولة للتدخل في الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة.
ولتقليل مخاطر التدخل الأجنبي في الشؤون المحلية ولتعزيز التحكم في استخدام الإنترنت تجبر الحكومات أحيانا شركات الإنترنت بنقل قواعد المعلومات الخاصة إلى مراكز محلية. وقد قام الاتحاد الأوروبي بخطوة مشابهة بإصدار قوانين تجبر شركات الإنترنت على تخزين المعلومات الخاصة بمواطني دول الاتحاد الأوروبي في مواقع أوروبية. وتحاول بعض الدول الأخرى أن تبتكر تطبيقات محلية مشابهة لتطبيقات التواصل العالمية من أجل الحد من التواصل عبر شبكات تخرج عن نطاق السيطرة المحلية.
وتلجأ بعض الحكومات إلى إجبار الجهات المستخدمة للإنترنت، من شركات وأفراد، على فرض رقابة ذاتية على ما يبث على الشبكة لأسباب قانونية ودينية وأحيانا تجارية. ويكون الالتزام بالقواعد المتعارف عليها إجباريا أحيانا لدواعي الخوف من العواقب القانونية وربما من عواقب أخرى.
وتختلف درجة التحكم في الإنترنت باختلاف الحكومات فبعضها يفرض رقابة خفيفة وخفية مثل الدول الأوروبية والبعض الآخر يذهب إلى حد منع المناقشات المفتوحة في القضايا الشعبية خصوصا في توقيت حرج مثل زمن الانتخابات أو وقوع حوادث شغب أو مظاهرات. وقد زادت حالات منع الإنترنت أثناء فترات التوتر فيما يعرف باسم الربيع العربي.
وتوجد حالات تستدعي بعض الرقابة والتحكم والمحاسبة خصوصا فيما يتعلق بخرق الحقوق المعنوية للتأليف والنشر وتوجيه السباب للآخرين والتهديد والمواد الإباحية. وفي هذه الحالات يتعين على الحكومات أن تفرض بعض الضوابط وأن تحاسب المخالفين المستغلين لحرية النشر على الإنترنت.
وفي بحث إحصائي بين مستخدمي الإنترنت جرى في عام 2012 وافقت نسبة 71 في المائة من المستخدمين على ضرورة وجود نوع من الرقابة على المحتوى. وفي البحث نفسه أكدت نسبة 83 في المائة على أن التواصل عبر الإنترنت هو أحد الحقوق الإنسانية الأساسية. وظهر من بحث آخر أجرته مؤسسة «غلوبال ويب إندكس» أن 400 مليون شخص حول العالم يستخدمون ما يعرف باسم الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لتجنب الرقابة والتمتع بالخصوصية في اتصالات الإنترنت.
وبالطبع يعبر العلماء المتخصصون في تطوير الإنترنت عن معارضتهم لأي تحكم أو رقابة حكومية فيقول البروفسور جون غيلمور، أحد مؤسسي المنصات الإلكترونية، أن الإنترنت تنظر إلى الرقابة على أنها نشاط سلبي وتتجنبه بوسائل متعددة. ويضيف فينت سيرف، الذي يعرف بأنه أبو الإنترنت، بأنه يرى فشل الرقابة الحكومية في نهاية المطاف لأن ملكية الإنترنت هي ملكية خاصة.
ويفترض بحث من جامعة هارفارد أن مطوري أدوات تجنب الرقابة الحكومية يتقدمون دوما على وسائل الرقابة الحكومية. ومع ذلك تخالف جامعة أكسفورد هذا الرأي ويقول بحث منها إن التحكم في الإنترنت وارد وإن التقدم التكنولوجي لا يضمن تماما حرية الرأي.


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك يجري مقابلة اليوم مع زعيمة حزب ألماني شعبوي على منصة «إكس»

العالم أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي (رويترز)

إيلون ماسك يجري مقابلة اليوم مع زعيمة حزب ألماني شعبوي على منصة «إكس»

يعتزم رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك إجراء مقابلة مع أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي على منصة «إكس»، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا يؤدي ارتفاع استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) إلى ظهور ثغرات جديدة يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها (شاترستوك)

ملصق لتصنيف مستوى أمان الأجهزة المتصلة بالإنترنت... في أميركا

كشف البيت الأبيض، اليوم الثلاثاء، عن ملصق جديد لتصنيف معايير السلامة الإلكترونية للأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل منظمات الحرارة الذكية وأجهزة مراقبة الأطفال…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا علما تايوان والصين يظهران في صورة مركبة (رويترز)

تايوان تتهم الصين باستخدام معلومات مضللة «لتقويض ديمقراطيتها»

كشفت تايوان أن الصين تضاعف جهودها لتقويض الثقة في ديمقراطية الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة من خلال نشر المعلومات المضللة.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
أوروبا صورة ملتقطة في 17 ديسمبر 2024 بالعاصمة الألمانية برلين تظهر فيها أليس فايدل زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

إيلون ماسك سيستضيف زعيمة اليمين المتطرف الألمانية في مقابلة مباشرة

أعلنت المرشحة الرئيسية للانتخابات البرلمانية الألمانية عن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، أنها ستُجري حواراً مباشراً عبر الإنترنت مع إيلون ماسك.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق تاريخياً كانت المواقع تتطلب كلمات مرور معقدة بمزيج من الأحرف والرموز الأبجدية الرقمية (رويترز)

كلمات المرور المعقدة قد لا تكون فعالة كما تعتقد... ما السبب؟

وجد المعهد الوطني للمعايير والتقانة أن «فائدة مثل هذه القواعد أقل أهمية مما كان يُعتقد في البداية»، حيث إنها تفرض عبئاً «شديداً» على ذاكرة المستخدمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».