تكبد «داعش» التنظيم الإرهابي الأكثر دموية خلال السنوات الماضية، خسائر هائلة في سوريا والعراق أخيراً بسبب هجمات التحالف الدولي وجيوش الدول، وهذه الخسائر أضحت تهدد «خلافته المزعومة»، لذلك لجأ إلى «عمليات خاطفة» في 3 دول مختلفة هي «باكستان، وسوريا، وكندا» في قارتين خلال يوم واحد فقط، كمحاولة لإثبات الوجود وأنه باقٍ ويتمدد.
يقول خبراء عسكريون واستراتيجيون، ومختصون في الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد «داعش» في أكثر من قارة ليشعر الإعلام أنه موجود، وأنه لم يندثر، وأنه يخرج من مناطق تمركزه في العراق وسوريا لمناطق خارجية. لكن الخبراء أكدوا أيضاً «أننا أمام تمددات عسكرية سريعة ومتلاحقة تتمثل في مجموعات قتالية منفردة تأخذ القرار أحياناً بشفرة عن بُعد، أو بشفرة كلامية، أو بعملية نُفذت في منطقة أخرى... ومن المتوقع أن تكون هناك عمليات أخرى قادمة في الطريق».
- بيانات متتالية
ففي بيانات متتالية عبر حسابات التنظيم الإرهابي على تطبيق «تليغرام»، أعلن يوم 25 يوليو (تموز) الحالي تبنيه مسؤوليته الهجوم الانتحاري الخاص بصدم دراجة نارية لمركبة تابعة للشرطة قرب مركز اقتراع، وقتل انتحاري 29 شخصاً على الأقل بمدينة كويتا الباكستانية.
والبيان التالي كان بشأن سوريا، حيث تبنى التنظيم هجوماً استهدف محافظة السويداء في الجنوب، أوقع أكثر من 100 قتيل. والثالث كان تبنيه تنفيذ إطلاق النار في مدينة تورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا، وتسبب ذلك في مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين بجروح.
ويقول مراقبون إن «تلك الأعمال متوقعة من التنظيم، خصوصاً وأن (داعش) منذ بداية ظهوره عام 2014 وهو يركز على العمليات خارج حدود الأماكن التي يسيطر عليها، وعمل على ذلك منذ أن بدأ يضربه التحالف العربي على حدوده، فاعتمد استراتيجية (التأمين الحدودي)، وهي تقوم على ضرب الأذرع الخارجية، حتى يخف من الضغط على الأماكن المسيطر عليها».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تمدد (داعش) في أكثر من قارة، ليشعر الإعلام أنه موجود؛ لكنه في الحقيقة ينحسر ويختفي».
بينما أكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «إعلان تبني العمليات الثلاث في يوم واحد تأكيد (مزيف) على وجوده وأنه لم ينتهِ»، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في تلك «العمليات الخاطفة» فهي تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً.
ويرجح خبراء أيضاً نزوح مقاتلي تنظيم داعش إلى بلاد المغرب العربي، بحثاً عن ملاذ آمن، وهرباً من هزائم سوريا والعراق. مؤكدين أن عدد مقاتلي «داعش» القادمين من بلاد المغرب يتراوح بين ثمانية آلاف وأحد عشر ألف مقاتل... وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المستهدفة لتمركز أعضاء التنظيم، بما يشكل تحدياً أمنياً كبيراً للجزائر وللدول الأوروبية التي تتاخمها، ويُلقي بالمخاوف في قلوب تلك الدول الأوروبية بسبب انطلاق محتمل لموجات الهجرة، وطلب اللجوء إذا ما تمكن التنظيم الإرهابي من فرض سيطرته على مناطق من الجزائر.
وقال المراقبون إن «التنظيم ليس له مخرج الآن في ظل الخسائر المتكررة وفقدان الأراضي التي كان يستولي عليها، سوى الفرار بعناصره الباقية، والبحث عن أراضٍ جديدة في أي مكان لالتقاط الأنفاس».
- أجيال «داعش»
من جانبه، أوضح عبد المنعم، أن «داعش» فكرة، فالدول تستطيع ضرب الجزء العسكري؛ لكن الأفكار لا تموت، والإرهاب فكرة، ومواجهته بتحصين العقول.
وأضاف، أن الأفكار التي تكونت عند «داعش» خلال الثلاث سنوات الماضية، اعتمدت على صناعة جيل مكون من نساء ورجال وأطفال وشباب، الذين يتعاملون مع القضية (الجهادية) من خلال آيديولوجية... وهذا الجيل تم عمل إعداد له في مناطق الصراع، و«داعش» يستخدم آليات جديدة منذ عامين كانت غير متوفرة أو غير منتشرة بين التيارات (الجهادية) الأخرى، منها، الذئاب المنفردة، والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «المنفردين»، ويحاول أن يبث التنظيم الرعب بهذه الذئاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، وإطلاق الشائعات في المجتمعات المنفتحة الكبيرة، مثل إشاعة «حدوث انفجار كبير في أحد الأماكن العامة ليدخل الرعب في نفوس الغربيين - أي العدو - من وجهة نظر الدواعش».
وحذر الخبراء من خطورة مراوغة تنظيم داعش الإرهابي الآن، والقيام بعمليات إرهابية في دول كثيرة من العالم عن طريق «الذئاب المنفردة» التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.
- «ذئاب الدواعش»
«الذئاب المنفردة» هو تعبير يقصد به تحول شخص أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود أي رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
المراقبون قالوا أيضاً إن «الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ لكنهم ينفذون هجمات مسلحة بدوافع عقائدية، سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة، أو بالطرق البدائية مثل سكين المطبخ أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات.
وقال اللواء قشقوش، يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال شبكة الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على استراتيجيات التنظيم والأهداف التي يضعها بهدف شن هجمات إرهابية، ويكمل توفر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت مهمة تدريب أفراد «الذئاب المنفردة» من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح، وغيره من التدريبات العسكرية التي تحول هؤلاء الأشخاص لمنفذين ماهرين.
- رسالة العدناني
يشار إلى أن الناطق باسم تنظيم «داعش» أبو محمد العدناني دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح متاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيميا.
وأضاف عمرو عبد المنعم: «نجد أن هذه العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً، وهو يستخدم حالياً النساء والأطفال وكبار السن، ويستخدم الوسائل غير التقليدية».
لافتاً إلى أن «داعش» ينحصر ولا يموت، وهذه لعبة سياسية تستخدمها القوى الكبرى، التي تستطيع أن تقضي على التنظيم بسهولة؛ لكن تُبقى التنظيم في أماكن بسوريا والعراق وليبيا، ليكون فزاعة للعالم العربي وبعض القوى الأخرى.
موضحاً أنه لا بد أن نقرأ انحسارات «داعش» وتمدده في إطار الآليات الفكرية لهذا التنظيم، ولا نقرأها من المنظور العسكري البحت... وحالياً موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ضرب الكثير من الحسابات التابعة لـ«داعش»، وأيضاً على «فيسبوك»، و«تليغرام» هناك مشروعات لضرب حسابات «داعش» وبدأ ينحسر في بعض المناطق، وبالتالي كل هذا سوف ينعكس على الأرض.
- تجنيد إلكتروني
حذر الخبراء في هذا الصدد أيضاً من أن «داعش» عقب هزائمه على الأرض بات يسعى لإقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين.
وقال صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تركيز داعش على تبني الهجمات في الدول أخيراً تتماشى مع تكثيف وتيرة الهجمات من قبل المتعاطفين معه». لافتاً إلى أنه يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«تليغرام» لتدبير الهجمات الإرهابية، وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي بلغة مفهومة لهم، وغالباً تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة، مضيفاً: أن عناصره يلجأون إلى حصول المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت، حيث إن 80 في المائة من مخزونهم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
في غضون ذلك، حذرت تقارير عالمية من أن استراتيجية «النكاية والإنهاك»، التي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي، تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، خاصة مع صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة، وأماكن اختفائهم والأماكن المستهدفة بالعمليات الإرهابية، وهو ما يسبب وقوع الكثير من العمليات الإرهابية التي تهز كيان الدول وتضرب استقرارها وتهدد مواردها الاقتصادية، وتدفع الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى الهرب خوفاً من التعرض لتلك العمليات. وأكد الخبراء، أن لجوء «داعش» إلى هذه الاستراتيجية يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.
«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»
ضرب في 3 دول بقارتين خلال يوم واحد لإثبات الوجود
«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة