«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

ضرب في 3 دول بقارتين خلال يوم واحد لإثبات الوجود

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
TT

«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)

تكبد «داعش» التنظيم الإرهابي الأكثر دموية خلال السنوات الماضية، خسائر هائلة في سوريا والعراق أخيراً بسبب هجمات التحالف الدولي وجيوش الدول، وهذه الخسائر أضحت تهدد «خلافته المزعومة»، لذلك لجأ إلى «عمليات خاطفة» في 3 دول مختلفة هي «باكستان، وسوريا، وكندا» في قارتين خلال يوم واحد فقط، كمحاولة لإثبات الوجود وأنه باقٍ ويتمدد.
يقول خبراء عسكريون واستراتيجيون، ومختصون في الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد «داعش» في أكثر من قارة ليشعر الإعلام أنه موجود، وأنه لم يندثر، وأنه يخرج من مناطق تمركزه في العراق وسوريا لمناطق خارجية. لكن الخبراء أكدوا أيضاً «أننا أمام تمددات عسكرية سريعة ومتلاحقة تتمثل في مجموعات قتالية منفردة تأخذ القرار أحياناً بشفرة عن بُعد، أو بشفرة كلامية، أو بعملية نُفذت في منطقة أخرى... ومن المتوقع أن تكون هناك عمليات أخرى قادمة في الطريق».
- بيانات متتالية
ففي بيانات متتالية عبر حسابات التنظيم الإرهابي على تطبيق «تليغرام»، أعلن يوم 25 يوليو (تموز) الحالي تبنيه مسؤوليته الهجوم الانتحاري الخاص بصدم دراجة نارية لمركبة تابعة للشرطة قرب مركز اقتراع، وقتل انتحاري 29 شخصاً على الأقل بمدينة كويتا الباكستانية.
والبيان التالي كان بشأن سوريا، حيث تبنى التنظيم هجوماً استهدف محافظة السويداء في الجنوب، أوقع أكثر من 100 قتيل. والثالث كان تبنيه تنفيذ إطلاق النار في مدينة تورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا، وتسبب ذلك في مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين بجروح.
ويقول مراقبون إن «تلك الأعمال متوقعة من التنظيم، خصوصاً وأن (داعش) منذ بداية ظهوره عام 2014 وهو يركز على العمليات خارج حدود الأماكن التي يسيطر عليها، وعمل على ذلك منذ أن بدأ يضربه التحالف العربي على حدوده، فاعتمد استراتيجية (التأمين الحدودي)، وهي تقوم على ضرب الأذرع الخارجية، حتى يخف من الضغط على الأماكن المسيطر عليها».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تمدد (داعش) في أكثر من قارة، ليشعر الإعلام أنه موجود؛ لكنه في الحقيقة ينحسر ويختفي».
بينما أكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «إعلان تبني العمليات الثلاث في يوم واحد تأكيد (مزيف) على وجوده وأنه لم ينتهِ»، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في تلك «العمليات الخاطفة» فهي تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً.
ويرجح خبراء أيضاً نزوح مقاتلي تنظيم داعش إلى بلاد المغرب العربي، بحثاً عن ملاذ آمن، وهرباً من هزائم سوريا والعراق. مؤكدين أن عدد مقاتلي «داعش» القادمين من بلاد المغرب يتراوح بين ثمانية آلاف وأحد عشر ألف مقاتل... وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المستهدفة لتمركز أعضاء التنظيم، بما يشكل تحدياً أمنياً كبيراً للجزائر وللدول الأوروبية التي تتاخمها، ويُلقي بالمخاوف في قلوب تلك الدول الأوروبية بسبب انطلاق محتمل لموجات الهجرة، وطلب اللجوء إذا ما تمكن التنظيم الإرهابي من فرض سيطرته على مناطق من الجزائر.
وقال المراقبون إن «التنظيم ليس له مخرج الآن في ظل الخسائر المتكررة وفقدان الأراضي التي كان يستولي عليها، سوى الفرار بعناصره الباقية، والبحث عن أراضٍ جديدة في أي مكان لالتقاط الأنفاس».
- أجيال «داعش»
من جانبه، أوضح عبد المنعم، أن «داعش» فكرة، فالدول تستطيع ضرب الجزء العسكري؛ لكن الأفكار لا تموت، والإرهاب فكرة، ومواجهته بتحصين العقول.
وأضاف، أن الأفكار التي تكونت عند «داعش» خلال الثلاث سنوات الماضية، اعتمدت على صناعة جيل مكون من نساء ورجال وأطفال وشباب، الذين يتعاملون مع القضية (الجهادية) من خلال آيديولوجية... وهذا الجيل تم عمل إعداد له في مناطق الصراع، و«داعش» يستخدم آليات جديدة منذ عامين كانت غير متوفرة أو غير منتشرة بين التيارات (الجهادية) الأخرى، منها، الذئاب المنفردة، والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «المنفردين»، ويحاول أن يبث التنظيم الرعب بهذه الذئاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، وإطلاق الشائعات في المجتمعات المنفتحة الكبيرة، مثل إشاعة «حدوث انفجار كبير في أحد الأماكن العامة ليدخل الرعب في نفوس الغربيين - أي العدو - من وجهة نظر الدواعش».
وحذر الخبراء من خطورة مراوغة تنظيم داعش الإرهابي الآن، والقيام بعمليات إرهابية في دول كثيرة من العالم عن طريق «الذئاب المنفردة» التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.
- «ذئاب الدواعش»
«الذئاب المنفردة» هو تعبير يقصد به تحول شخص أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود أي رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
المراقبون قالوا أيضاً إن «الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ لكنهم ينفذون هجمات مسلحة بدوافع عقائدية، سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة، أو بالطرق البدائية مثل سكين المطبخ أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات.
وقال اللواء قشقوش، يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال شبكة الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على استراتيجيات التنظيم والأهداف التي يضعها بهدف شن هجمات إرهابية، ويكمل توفر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت مهمة تدريب أفراد «الذئاب المنفردة» من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح، وغيره من التدريبات العسكرية التي تحول هؤلاء الأشخاص لمنفذين ماهرين.
- رسالة العدناني
يشار إلى أن الناطق باسم تنظيم «داعش» أبو محمد العدناني دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح متاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيميا.
وأضاف عمرو عبد المنعم: «نجد أن هذه العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً، وهو يستخدم حالياً النساء والأطفال وكبار السن، ويستخدم الوسائل غير التقليدية».
لافتاً إلى أن «داعش» ينحصر ولا يموت، وهذه لعبة سياسية تستخدمها القوى الكبرى، التي تستطيع أن تقضي على التنظيم بسهولة؛ لكن تُبقى التنظيم في أماكن بسوريا والعراق وليبيا، ليكون فزاعة للعالم العربي وبعض القوى الأخرى.
موضحاً أنه لا بد أن نقرأ انحسارات «داعش» وتمدده في إطار الآليات الفكرية لهذا التنظيم، ولا نقرأها من المنظور العسكري البحت... وحالياً موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ضرب الكثير من الحسابات التابعة لـ«داعش»، وأيضاً على «فيسبوك»، و«تليغرام» هناك مشروعات لضرب حسابات «داعش» وبدأ ينحسر في بعض المناطق، وبالتالي كل هذا سوف ينعكس على الأرض.
- تجنيد إلكتروني
حذر الخبراء في هذا الصدد أيضاً من أن «داعش» عقب هزائمه على الأرض بات يسعى لإقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين.
وقال صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تركيز داعش على تبني الهجمات في الدول أخيراً تتماشى مع تكثيف وتيرة الهجمات من قبل المتعاطفين معه». لافتاً إلى أنه يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«تليغرام» لتدبير الهجمات الإرهابية، وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي بلغة مفهومة لهم، وغالباً تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة، مضيفاً: أن عناصره يلجأون إلى حصول المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت، حيث إن 80 في المائة من مخزونهم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
في غضون ذلك، حذرت تقارير عالمية من أن استراتيجية «النكاية والإنهاك»، التي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي، تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، خاصة مع صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة، وأماكن اختفائهم والأماكن المستهدفة بالعمليات الإرهابية، وهو ما يسبب وقوع الكثير من العمليات الإرهابية التي تهز كيان الدول وتضرب استقرارها وتهدد مواردها الاقتصادية، وتدفع الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى الهرب خوفاً من التعرض لتلك العمليات. وأكد الخبراء، أن لجوء «داعش» إلى هذه الاستراتيجية يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.