محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

من رموز اهتمام الجيل الثاني في «الحرس الثوري» بالشؤون الجيوسياسية

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر
TT

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

تدرج الجنرال محمد باقري بين مختلف مستويات أجهزة استخبارات «الحرس الثوري} الإيراني، وورث عن أخيه الأكبر الراحل المهنة والاسم الحركي المستعار، وجمع إلى خبرته أصول العلوم الجيوسياسية. ولكن رغم معارضة قادة الجيل الأول من «الحرس» فإن المرشد علي خامنئي سلّمه رئاسة أركان القوات المسلحة الإيرانية منذ عامين (يونيو/ حزيران 2016) ليبدأ فصلاً جديداً في تاريخ هيئة الأركان يؤشر إلى دخولها مجال الدبلوماسية العسكرية. وهذا دخول يربطه كثيرون بالأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، وأيضاً بتجربة باقري في رصد الحروب «غير المتكافئة» ومسار الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران ضد الولايات المتحدة، فضلا عن منافسة الحكومة الإيرانية في مجال السياسة الخارجية.

الاسم الحقيقي للجنرال (اللواء) محمد باقري (58 سنة)، مثل معظم حال الذين يعملون في الحقول الاستخباراتية، اسم آخر غير الذي يشتهر به، هو محمد حسين أفشردي. وهو الأخ الأصغر لحسن باقري لقائمقام قيادة «الحرس الثوري» الذي قتل في سن الـ26 في1983 إبان الحرب الإيرانية العراقية.
الأخ الأكبر تولى منصب القائمقام - قبل بلوغه الـ25 - بعد سنوات من العمل الاستخباراتي وتأسيس القواعد الأولى لوحدات استخبارات «الحرس الثوري». ولقد أملت عليه ظروف العمل الاستخباراتي أن يحمل اسماً آخر، هو «محمد باقري» الذي أطلقه عليه محسن رضايي، قائد «الحرس» حينذاك وأمين عام «مجلس تشخيص مصلحة النظام» حالياً. واليوم يُعرف الأخ الأصغر بهذا الاسم وللأسباب نفسها.

- بداية الصعود الأمني
في سن الـ19 التحق الجنرال باقري - المولود في أقصى شمال غربي إيران - بـ«الحرس الثوري» وبسعي من أخيه الأكبر دخل الجناح الاستخباراتي وحصل بعد مضي 36 سنة على رتبة لواء ركن (جنرال) من المرشد علي خامنئي ليصار إلى تعيينه في منصب رئيس هيئة الأركان. وكان هذا حدثاً، حسب مصادر متعددة، أثار غضب بعض قادة «الحرس» القدامى، مثل غلام علي رشيد وعلي شمخاني (أمين عام «مجلس الأمن القومي»). ذلك أن القادة الغاضبين بوصفهم «آباء الحرس» كانوا يتوقعون أن يختار المرشد واحدا من عناصر الجيل الأول لرئاسة هيئة الأركان المسلحة، وليس شاباً من الجيل الثاني... لم يعترف به - عملياً - الجيل الأول، ولم يوجه له دعوة لحضور الاجتماع الأسبوعي المعروف بـ«اجتماع الأربعاء» لكبار قادة الحرس في مكتب محسن رضايي.
غير أن باقري ينوب الآن عن المرشد في قيادة القوات المسلحة، بدلاً من اللواء حسن فيروزآبادي، وهو الشخص الذي حصل على رتبة عسكرية في بداية وصول خامنئي إلى منصب المرشد وترأس الأركان لفترة 28 سنة من دون أن تكون له سابقة ضمن القوات العسكرية التقليدية.
الجنرال باقري درس الجغرافيا السياسية في الجامعة، ووفق سيرته الذاتية المختصرة حصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة الدفاع الوطني العليا في العاصمة الإيرانية طهران. وشأنه شأن كثيرين من قادة «الحرس الثوري» أصبح أستاذا في الجامعة حيث درّس المجال التخصصي نفسه. وهو يعد إلى جانب اللواء رحيم صفوي، قائد «الحرس» السابق من مؤسسي «الرابطة الجيوسياسية الإيرانية»؛ وهذا من المؤشرات التي تظهر إعجاب «جنرال» الجيل الثاني في «الحرس» بالقضايا الجيوسياسية - أي رسم الخرائط الإقليمية -، طبعاً، إلى جانب انشغاله بالعمل الاستخباراتي.
وعلى امتداد 35 سنة تدرج الجنرال باقري في مناصب مثل «مسؤول استخبارات الفيالق» في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، و«قائد استخبارات عمليات القوات البرية في الحرس الثوري» و«رئيس دائرة استخبارات هيئة الأركان المسلحة»، ثم أسند إليه منصب «مساعد الاستخبارات والعلميات في هيئة الأركان». وكل هذه مسؤوليات تعكس حجم الخبرة الاستخباراتية في سجله.

- الحكومة مستاءة
بعد مرور سنة، بالتحديد، وفي تطور يحمل في طياته الكثير من الدلالات، اختار الرئيس الإيراني حسن روحاني جنرالاً من جنرالات الجيش لمنصب وزير الدفاع، وبذا خرجت وزارة الدفاع بعد ما يقارب ثلاثة عقود من تحت عباءة «الحرس».
الوزارة كانت منذ 1992 وحتى قبل سنة خلت، بيد جنرالات «الحرس الثوري»، إذ تعاقب على منصب الوزير كل من محمد فروزنده (رئيس «منظمة جرحى الحرب الاقتصادية القابضة» لاحقاً) وعلي شمخاني (أمين عام «مجلس الأمن القومي» حالياً) ومصطفى نجار (أصبح لاحقاً وزيرا للداخلية) وأحمد وحيدي (عضو اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية لاحقاً) وحسين دهقان (مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدفاعية وهو ومرشح محتمل للرئاسة بعد روحاني).
وبعد تداول الحديث عن الاستياء العام بين قادة الجيش الإيراني، وفي خطوة اعتبرتها الصحف الإصلاحية «رد اعتبار» لقادة الجيش، اختار روحاني في حكومته الثانية، أمير حاتمي لحقيبة وزارة الدفاع، وكان حاتمي – بالمناسبة – يشغل منصب نائب رئيس الأركان. وكانت المحاولة وفق تحليل لوكالة تابعة لـ«الحرس» محاولة من روحاني «لحفظ التوازن» في مناصب قادة القوات المسلحة، إلا أن جهات مستقلة فسّرت خطوة روحاني على أنها محاولة من النظام لكسب ود قادة الجيش ضد منافس قوي اسمه «الحرس الثوري».
وفي مرحلة لاحقة اتخذ الرئيس روحاني خطوة أبعد في هذه اللعبة، ليبرهن أن لديه موقفاً من الرئيس الجديد للأركان المشتركة... ولا يتناغم معه كثيرا. وللعلم، في البنية الإدارية الجديدة للقطاع العسكري الإيراني، تعد هيئة الأركان المسلحة، هيئة عليا تشرف على أنشطة الجيش و«الحرس الثوري» وقوات الشرطة، فضلا عن وزارة الدفاع. وفي خطوة لافتة أقرّ روحاني هذا العام تقليص ميزانية هيئة الأركان إلى النصف من 30 ألف مليار ريال إلى 16 مليار ريال، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها ميزانية وزارة الدفاع على ميزانية رئاسة الأركان.
بالتالي، اعتبرت الخطوة «مواجهة» لرئيس أركان يحمل ضمن سجله مواقف معارضة لرؤساء الجمهورية... منها رسالته عام 1999 إلى رئيس الحكومة (آنذاك) محمد خاتمي يهدده فيها أنه في حال لم يتدخل لإخماد حراك الطلاب «الإصلاحيين» واحتجاجاتهم، فإن «الحرس الثوري» سيتدخل بطريقته الخاصة.
ولكن من بين أبرز علامات المواجهة، راهناً، بين الرئيس ورئيس الأركان، مزايدة الجنرال الشاب وظله الثقيل على صلاحيات الحكومة وتجاهله اتجاهات روحاني، سواءً على الصعيد الدفاعي أو السياسة الخارجية.

- دبلوماسية العسكر
لقد أظهر محمد باقري، تحديداً، منذ أول أيام تعيينه، أنه يريد أداء دور مختلف عن دور سلفه فيروزآبادي، على صعيد العلاقات الدولية. يريد دوراً ينسجم مع آراء رئيس الأركان الجديد ويتفق مع أسس رؤيته الجيوسياسية. وفي هذا الإطار، زار باقري تركيا في أغسطس (آب) الماضي وأجرى مفاوضات مع وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الأركان المسلحة خلوصي أكار. وبعد ذلك توجه إلى كل روسيا وباكستان وسوريا، في خطوة يمكن أن تظهر لنا اهتمام «الحرس» بتوظيف صلاحيات رئيس الأركان كأداة دبلوماسية. أي كأداة يمكن أن تؤثر على مستقبل «الحرس» في الملف السوري. كذلك استضافت إيران خلال أقل من سنة رؤساء أركان كل من تركيا وروسيا وبوليفيا وباكستان والعراق. وكان جدول أعمال باقري أكثر ازدحاماً من جدول وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، ما دفع المراقبين إلى الحديث عن بداية فترة «دبلوماسية العسكر» في إيران.
غير أن ذروة «دبلوماسية» الجنرال باقري، حقاً، كانت إبان فترة التوتر حول استفتاء إقليم «كردستان العراق»، عندما سافر إلى تركيا، وأجرى مفاوضات مباشرة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بحضور رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، كما وجه دعوة في الفترة ذاتها إلى رئيس أركان الجيش العراقي، وناقش أزمة «كردستان العراق». وبذا تحوّل إلى اللاعب الأساسي والأكثر نشاطاً فيما يتعلق بالخطوة الكردية... أكثر حتى من رئيس الحكومة وأعلى من الوزارة الخارجية.
يومذاك رأى كثيرون من مؤيدي الحكومة الإيرانية أن رئيس هيئة الأركان ربما تجاوز حدوده وأن على روحاني مواجهته. وهو أمر ترك أثره في ميزانية الأركان التي قلّصتها الحكومة إلى النصف؛ ما تسبب بدوره في انزعاج باقري... الذي ما لبث أن قدم شكوى إلى المرشد الإيراني بهذا الصدد.
وعلى ما يبدو، رد خامنئي ضمنياً على خطوة روحاني، وخلال إعلان إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي في الخريف الماضي، أعلن تغيير موقع رئيس الأركان من عضو غير أساسي إلى أحد الأعضاء الأساسيين في المجلس. وهكذا عزز له موقعه مقابل الرئيس الإيراني.

- رأس هرم القوات المسلحة
الآن يرأس باقري هرم القوات المسلحة الإيرانية.
ومن ثم، فنحن أمام جنرال من «الحرس الثوري» لديه إلمام بـ«مجالات العمل الاستخباراتي» ويميل إلى مجال الأنشطة الجيوسياسية، ماذا يعني ذلك؟
«تقييم تبعات الحرب المحتملة مع أميركا» و«بحث في نماذج حروب الميليشيات الشيعية ضد الولايات المتحدة» و«الاستراتيجية الجيوسياسية على أساس الهلال الشيعي» في المنطقة العربية... هي محاور معظم مؤلفات باقري ومقالاته. وهي، بطبيعة الحال، تقدم صورة واضحة عن عقليته ومنطقه العسكري، لا سيما أن غالبية كتابات الرجل تأتي في سياق التفكير بهذه القضايا، وحتماً، التركيز على دور الميليشيات في هذه المعركة.
إضافة إلى ما سبق، فإن أداء الجنرال باقري يظهر رغبته الكبيرة في العمل السياسي وتنشيط «دبلوماسية العسكر» كبديل لدبلوماسية الحكومة. وبالفعل، هذا ما تحدث عن ضرورته مستشار قائد «الحرس الثوري» يدالله جواني في عدة مناسبات. وأكثر من ذلك، يتماهى هذا الميل مع ما ورد على لسان المرشد خامنئي، خلال الأسبوع الماضي في الملتقى السنوي للوفود الدبلوماسية الإيرانية المقام في طهران، عندما شدد على «الدبلوماسية الآيديولوجية» كنوع من الدبلوماسية الوفية للشعارات السياسية والمذهبية لـ«الثورة»، ما يؤكد النظرة التوسعية لدى قادة «الحرس»... الجلية تماماً في مؤلفات باقري.
أخيراً، إذا ما افترضنا أن اختيار محمد باقري رئيسا لهيئة الأركان - التي توضح المعطيات أن خامنئي اتخذه رغم معارضة كبار «الحرس»، باستثناء رحيم صفوي الذي يعد من داعمي باقري -، فإن هذا الاختيار جاء متعمداً وعن وعي تام بالخلفيات والظروف. ذلك أن المرشد اتخذ خطوة باتجاه خلق شخصية يمكنها لعب أدوار ذات مهام دبلوماسية من العيار الثقيل. والمعنى، أنها تستطيع أن تؤدي أدوارا يمكن أن يكون منصب رئيس الجمهورية من بينها. وهنا علينا ألا ننسى أننا نسمع كل يوم همسات عن انتخاب «رئيس عسكري» في الواجهة السياسة الإيرانية كأحد أبرز آمال تسيار «المحافظين» المقربين من «الحرس الثوري».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.