محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

من رموز اهتمام الجيل الثاني في «الحرس الثوري» بالشؤون الجيوسياسية

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر
TT

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

محمد باقري... فتى الاستخبارات الإيرانية وسيط بين رئاسة الأركان ودبلوماسية العسكر

تدرج الجنرال محمد باقري بين مختلف مستويات أجهزة استخبارات «الحرس الثوري} الإيراني، وورث عن أخيه الأكبر الراحل المهنة والاسم الحركي المستعار، وجمع إلى خبرته أصول العلوم الجيوسياسية. ولكن رغم معارضة قادة الجيل الأول من «الحرس» فإن المرشد علي خامنئي سلّمه رئاسة أركان القوات المسلحة الإيرانية منذ عامين (يونيو/ حزيران 2016) ليبدأ فصلاً جديداً في تاريخ هيئة الأركان يؤشر إلى دخولها مجال الدبلوماسية العسكرية. وهذا دخول يربطه كثيرون بالأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، وأيضاً بتجربة باقري في رصد الحروب «غير المتكافئة» ومسار الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران ضد الولايات المتحدة، فضلا عن منافسة الحكومة الإيرانية في مجال السياسة الخارجية.

الاسم الحقيقي للجنرال (اللواء) محمد باقري (58 سنة)، مثل معظم حال الذين يعملون في الحقول الاستخباراتية، اسم آخر غير الذي يشتهر به، هو محمد حسين أفشردي. وهو الأخ الأصغر لحسن باقري لقائمقام قيادة «الحرس الثوري» الذي قتل في سن الـ26 في1983 إبان الحرب الإيرانية العراقية.
الأخ الأكبر تولى منصب القائمقام - قبل بلوغه الـ25 - بعد سنوات من العمل الاستخباراتي وتأسيس القواعد الأولى لوحدات استخبارات «الحرس الثوري». ولقد أملت عليه ظروف العمل الاستخباراتي أن يحمل اسماً آخر، هو «محمد باقري» الذي أطلقه عليه محسن رضايي، قائد «الحرس» حينذاك وأمين عام «مجلس تشخيص مصلحة النظام» حالياً. واليوم يُعرف الأخ الأصغر بهذا الاسم وللأسباب نفسها.

- بداية الصعود الأمني
في سن الـ19 التحق الجنرال باقري - المولود في أقصى شمال غربي إيران - بـ«الحرس الثوري» وبسعي من أخيه الأكبر دخل الجناح الاستخباراتي وحصل بعد مضي 36 سنة على رتبة لواء ركن (جنرال) من المرشد علي خامنئي ليصار إلى تعيينه في منصب رئيس هيئة الأركان. وكان هذا حدثاً، حسب مصادر متعددة، أثار غضب بعض قادة «الحرس» القدامى، مثل غلام علي رشيد وعلي شمخاني (أمين عام «مجلس الأمن القومي»). ذلك أن القادة الغاضبين بوصفهم «آباء الحرس» كانوا يتوقعون أن يختار المرشد واحدا من عناصر الجيل الأول لرئاسة هيئة الأركان المسلحة، وليس شاباً من الجيل الثاني... لم يعترف به - عملياً - الجيل الأول، ولم يوجه له دعوة لحضور الاجتماع الأسبوعي المعروف بـ«اجتماع الأربعاء» لكبار قادة الحرس في مكتب محسن رضايي.
غير أن باقري ينوب الآن عن المرشد في قيادة القوات المسلحة، بدلاً من اللواء حسن فيروزآبادي، وهو الشخص الذي حصل على رتبة عسكرية في بداية وصول خامنئي إلى منصب المرشد وترأس الأركان لفترة 28 سنة من دون أن تكون له سابقة ضمن القوات العسكرية التقليدية.
الجنرال باقري درس الجغرافيا السياسية في الجامعة، ووفق سيرته الذاتية المختصرة حصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة الدفاع الوطني العليا في العاصمة الإيرانية طهران. وشأنه شأن كثيرين من قادة «الحرس الثوري» أصبح أستاذا في الجامعة حيث درّس المجال التخصصي نفسه. وهو يعد إلى جانب اللواء رحيم صفوي، قائد «الحرس» السابق من مؤسسي «الرابطة الجيوسياسية الإيرانية»؛ وهذا من المؤشرات التي تظهر إعجاب «جنرال» الجيل الثاني في «الحرس» بالقضايا الجيوسياسية - أي رسم الخرائط الإقليمية -، طبعاً، إلى جانب انشغاله بالعمل الاستخباراتي.
وعلى امتداد 35 سنة تدرج الجنرال باقري في مناصب مثل «مسؤول استخبارات الفيالق» في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، و«قائد استخبارات عمليات القوات البرية في الحرس الثوري» و«رئيس دائرة استخبارات هيئة الأركان المسلحة»، ثم أسند إليه منصب «مساعد الاستخبارات والعلميات في هيئة الأركان». وكل هذه مسؤوليات تعكس حجم الخبرة الاستخباراتية في سجله.

- الحكومة مستاءة
بعد مرور سنة، بالتحديد، وفي تطور يحمل في طياته الكثير من الدلالات، اختار الرئيس الإيراني حسن روحاني جنرالاً من جنرالات الجيش لمنصب وزير الدفاع، وبذا خرجت وزارة الدفاع بعد ما يقارب ثلاثة عقود من تحت عباءة «الحرس».
الوزارة كانت منذ 1992 وحتى قبل سنة خلت، بيد جنرالات «الحرس الثوري»، إذ تعاقب على منصب الوزير كل من محمد فروزنده (رئيس «منظمة جرحى الحرب الاقتصادية القابضة» لاحقاً) وعلي شمخاني (أمين عام «مجلس الأمن القومي» حالياً) ومصطفى نجار (أصبح لاحقاً وزيرا للداخلية) وأحمد وحيدي (عضو اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية لاحقاً) وحسين دهقان (مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدفاعية وهو ومرشح محتمل للرئاسة بعد روحاني).
وبعد تداول الحديث عن الاستياء العام بين قادة الجيش الإيراني، وفي خطوة اعتبرتها الصحف الإصلاحية «رد اعتبار» لقادة الجيش، اختار روحاني في حكومته الثانية، أمير حاتمي لحقيبة وزارة الدفاع، وكان حاتمي – بالمناسبة – يشغل منصب نائب رئيس الأركان. وكانت المحاولة وفق تحليل لوكالة تابعة لـ«الحرس» محاولة من روحاني «لحفظ التوازن» في مناصب قادة القوات المسلحة، إلا أن جهات مستقلة فسّرت خطوة روحاني على أنها محاولة من النظام لكسب ود قادة الجيش ضد منافس قوي اسمه «الحرس الثوري».
وفي مرحلة لاحقة اتخذ الرئيس روحاني خطوة أبعد في هذه اللعبة، ليبرهن أن لديه موقفاً من الرئيس الجديد للأركان المشتركة... ولا يتناغم معه كثيرا. وللعلم، في البنية الإدارية الجديدة للقطاع العسكري الإيراني، تعد هيئة الأركان المسلحة، هيئة عليا تشرف على أنشطة الجيش و«الحرس الثوري» وقوات الشرطة، فضلا عن وزارة الدفاع. وفي خطوة لافتة أقرّ روحاني هذا العام تقليص ميزانية هيئة الأركان إلى النصف من 30 ألف مليار ريال إلى 16 مليار ريال، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها ميزانية وزارة الدفاع على ميزانية رئاسة الأركان.
بالتالي، اعتبرت الخطوة «مواجهة» لرئيس أركان يحمل ضمن سجله مواقف معارضة لرؤساء الجمهورية... منها رسالته عام 1999 إلى رئيس الحكومة (آنذاك) محمد خاتمي يهدده فيها أنه في حال لم يتدخل لإخماد حراك الطلاب «الإصلاحيين» واحتجاجاتهم، فإن «الحرس الثوري» سيتدخل بطريقته الخاصة.
ولكن من بين أبرز علامات المواجهة، راهناً، بين الرئيس ورئيس الأركان، مزايدة الجنرال الشاب وظله الثقيل على صلاحيات الحكومة وتجاهله اتجاهات روحاني، سواءً على الصعيد الدفاعي أو السياسة الخارجية.

- دبلوماسية العسكر
لقد أظهر محمد باقري، تحديداً، منذ أول أيام تعيينه، أنه يريد أداء دور مختلف عن دور سلفه فيروزآبادي، على صعيد العلاقات الدولية. يريد دوراً ينسجم مع آراء رئيس الأركان الجديد ويتفق مع أسس رؤيته الجيوسياسية. وفي هذا الإطار، زار باقري تركيا في أغسطس (آب) الماضي وأجرى مفاوضات مع وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الأركان المسلحة خلوصي أكار. وبعد ذلك توجه إلى كل روسيا وباكستان وسوريا، في خطوة يمكن أن تظهر لنا اهتمام «الحرس» بتوظيف صلاحيات رئيس الأركان كأداة دبلوماسية. أي كأداة يمكن أن تؤثر على مستقبل «الحرس» في الملف السوري. كذلك استضافت إيران خلال أقل من سنة رؤساء أركان كل من تركيا وروسيا وبوليفيا وباكستان والعراق. وكان جدول أعمال باقري أكثر ازدحاماً من جدول وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، ما دفع المراقبين إلى الحديث عن بداية فترة «دبلوماسية العسكر» في إيران.
غير أن ذروة «دبلوماسية» الجنرال باقري، حقاً، كانت إبان فترة التوتر حول استفتاء إقليم «كردستان العراق»، عندما سافر إلى تركيا، وأجرى مفاوضات مباشرة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بحضور رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، كما وجه دعوة في الفترة ذاتها إلى رئيس أركان الجيش العراقي، وناقش أزمة «كردستان العراق». وبذا تحوّل إلى اللاعب الأساسي والأكثر نشاطاً فيما يتعلق بالخطوة الكردية... أكثر حتى من رئيس الحكومة وأعلى من الوزارة الخارجية.
يومذاك رأى كثيرون من مؤيدي الحكومة الإيرانية أن رئيس هيئة الأركان ربما تجاوز حدوده وأن على روحاني مواجهته. وهو أمر ترك أثره في ميزانية الأركان التي قلّصتها الحكومة إلى النصف؛ ما تسبب بدوره في انزعاج باقري... الذي ما لبث أن قدم شكوى إلى المرشد الإيراني بهذا الصدد.
وعلى ما يبدو، رد خامنئي ضمنياً على خطوة روحاني، وخلال إعلان إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي في الخريف الماضي، أعلن تغيير موقع رئيس الأركان من عضو غير أساسي إلى أحد الأعضاء الأساسيين في المجلس. وهكذا عزز له موقعه مقابل الرئيس الإيراني.

- رأس هرم القوات المسلحة
الآن يرأس باقري هرم القوات المسلحة الإيرانية.
ومن ثم، فنحن أمام جنرال من «الحرس الثوري» لديه إلمام بـ«مجالات العمل الاستخباراتي» ويميل إلى مجال الأنشطة الجيوسياسية، ماذا يعني ذلك؟
«تقييم تبعات الحرب المحتملة مع أميركا» و«بحث في نماذج حروب الميليشيات الشيعية ضد الولايات المتحدة» و«الاستراتيجية الجيوسياسية على أساس الهلال الشيعي» في المنطقة العربية... هي محاور معظم مؤلفات باقري ومقالاته. وهي، بطبيعة الحال، تقدم صورة واضحة عن عقليته ومنطقه العسكري، لا سيما أن غالبية كتابات الرجل تأتي في سياق التفكير بهذه القضايا، وحتماً، التركيز على دور الميليشيات في هذه المعركة.
إضافة إلى ما سبق، فإن أداء الجنرال باقري يظهر رغبته الكبيرة في العمل السياسي وتنشيط «دبلوماسية العسكر» كبديل لدبلوماسية الحكومة. وبالفعل، هذا ما تحدث عن ضرورته مستشار قائد «الحرس الثوري» يدالله جواني في عدة مناسبات. وأكثر من ذلك، يتماهى هذا الميل مع ما ورد على لسان المرشد خامنئي، خلال الأسبوع الماضي في الملتقى السنوي للوفود الدبلوماسية الإيرانية المقام في طهران، عندما شدد على «الدبلوماسية الآيديولوجية» كنوع من الدبلوماسية الوفية للشعارات السياسية والمذهبية لـ«الثورة»، ما يؤكد النظرة التوسعية لدى قادة «الحرس»... الجلية تماماً في مؤلفات باقري.
أخيراً، إذا ما افترضنا أن اختيار محمد باقري رئيسا لهيئة الأركان - التي توضح المعطيات أن خامنئي اتخذه رغم معارضة كبار «الحرس»، باستثناء رحيم صفوي الذي يعد من داعمي باقري -، فإن هذا الاختيار جاء متعمداً وعن وعي تام بالخلفيات والظروف. ذلك أن المرشد اتخذ خطوة باتجاه خلق شخصية يمكنها لعب أدوار ذات مهام دبلوماسية من العيار الثقيل. والمعنى، أنها تستطيع أن تؤدي أدوارا يمكن أن يكون منصب رئيس الجمهورية من بينها. وهنا علينا ألا ننسى أننا نسمع كل يوم همسات عن انتخاب «رئيس عسكري» في الواجهة السياسة الإيرانية كأحد أبرز آمال تسيار «المحافظين» المقربين من «الحرس الثوري».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.