ماكرون ينتقل من الدفاع إلى الهجوم ويتهم المعارضة بالاستغلال السياسي

إذا كان الهجوم أفضل أساليب الدفاع، فإن الرئيس الفرنسي حسم أخيرا أمره واستقر رأيه على العمل بهذا المبدأ محاولة منه لإغلاق ملف ما اصطلح على تسميته «بنعالا غيت» في إشارة إلى موظف سابق في قصر الإليزيه ضالع في ضرب متظاهرين في الأول من مايو (أيار) الماضي. وبعد 8 أيام من الكشف عنها عبر مقال لصحيفة «لو موند» المستقلة، لم يجد إيمانويل ماكرون سبيلا أفضل من مهاجمة الصحافة التي اتهمها بتضخيم الحادث وبث أخبار خاطئة، لا بل «سخافات».
وبنظره، فإن مجمل ما عاشته فرنسا منذ الثامن عشر من الشهر الحالي «عاصفة في فنجان»، حيث لا «فضيحة دولة» بل «خطأ» في التصرف ارتكبه موظف في القصر الرئاسي نال عقابه في اليوم الثاني من ارتكابه لفعلته.
بموازاة ذلك، خرج ألكسندر بنعالا، «بطل» المسلسل الرئاسي، عن صمته. وفي حديث مطول نشرته الصحيفة نفسها في عدد الخميس، اعترف هذا الشاب المتحدر من عائلة مهاجرة من بلد مغربي، أنه ارتكب «خطأ». إلا أنه وجه أصابع الاتهام لجهات في وزارة الداخلية التي أرادت «قتله» «أي إزاحته» وإصابة الرئيس ماكرون. وإذ قبل ما قاله الأخير الذي اعتبر أن بنعالا «خيب ظنه»، إلا أنه رفض اتهامه بـ«خيانة» الرئيس الذي منحه ثقته. وقال بنعالا ما معناه: «ليس لدي شعور بأنني خنت رئيس الجمهورية بل ارتكبت غلطة كبيرة» في إشارة لمشاركته في ضرب شابين كانا يشاركان في مظاهرة بمناسبة عيد العمل، بينما حضوره كان بصفة «مراقب» لا أكثر. وكرر بنعالا عدة مرات أن جهة ما رأت في هذه الحادثة فرصة لإلحاق الأذى «المعنوي والسياسي» بالرئيس ماكرون. وفي الحديث نفسه، صحح بنعالا الأرقام التي تحدثت عن راتب من 10 آلاف يورو، إذ أفاد بأن راتبه لم يتجاور الستة آلاف يورو وهو المعدل الوسطي للمستشارين التقنيين في القصر الرئاسي، كما أن الشقة التي وضعت بتصرفه لا تبلغ مساحتها 300 متر مربع، بل 80 مترا مربعا.
بيد أن المساعي التي تبذلها الرئاسة والحكومة لا تعني أن «الفضيحة» سوف تنطفئ سريعا. فاللجنتان البرلمانيتان في مجلسي النواب والشيوخ مستمرتان في الاستماع إلى شهادات كبار المسؤولين. ومجددا، كان أمس دور وزير الداخلية جيرار كولومب في مجلس الشيوخ بعد أن مثل أمامها أمين عام الرئاسة كوهلر وهو أقرب معاوني الرئيس ماكرون والمسؤول الرئيسي عن إدارة القصر الرئاسي. وردا على «ظنون» المعارضة التي تتهم الحكومة والرئاسة بالسعي لطمس «الحادثة»، أكد كوهلر بقوة «وكذلك ماكرون» أن عقابا أنزل ببنعالا منذ اليوم التالي «الثاني من مايو»، وتمثل بكف يد بنعالا طوال 15 يوما وحرمانه من راتبه، ونقله في إطار الرئاسة إلى الاهتمام بشؤون داخلية. لكن المشكلة أن هذه التأكيدات جاء ما يناقضها، ومنها مهمات قام بها بنعالا بعد تجميد عمله ما يعكس «الرفق» الذي عومل به. رغم ذلك، فقد اعتبر الإليزيه أن العقوبة كانت «متناسبة» مع الجرم. بيد أن الأمر الأخطر الذي لم يجد بعد جوابا عليه هو الأسباب التي منعت الرئاسة من إخطار النيابة العامة مباشرة بعد حصول الحادثة كما ينص على ذلك القانون، ما يغذي شكوك الرغبة في «طمس» الفضيحة.
وبعد أن اتسع نطاق الجدل حول الفضيحة والعقوبة ودخول القضاء على الخط عقب ما نشرته صحيفة «لو موند» وذيوع شريط الفيديو الذي يبين عنف بنعالا، عمد الإليزيه إلى البدء بعملية تسريح بنعالا والإعلان أن ماكرون طلب من أمين عام القصر تقديم مقترحات لتعديل أساليب العمل الداخلية لتلافي تكرار ما حصل. يضاف إلى ذلك أن مسوؤلين من القصر وبينهم كوهلر أكدوا أن بنعالا لم يكن مكلفا «حماية» الرئيس، وبالتالي فإن السؤال الذي طرح يتناول وظيفته الفعلية في الإليزيه. وفي تصريحه للصحيفة الفرنسية، أفاد بنعالا بأن مهمته كانت الاهتمام بالنشاطات «الخاصة» غير الرسمية للرئيس وزوجته. وحتى الآن، وجهت لبنعالا ولأربعة أشخاص آخرين تهم متنوعة، منها اللجوء إلى العنف وانتحال صفة رسمية بما فيها شارة الشرطة، والحصول على وثائق لا يحق له الاطلاع عليها. والأربعة الآخرون هم ثلاثة من كوادر الشرطة الذين مكنوا بنعالا من الحصول على شريط الفيديو، والرابع شريك له عملا معا إبان حملة ماكرون الانتخابية ومد له يد المساعدة في قمع المتظاهرين.
أما ماكرون الذي اتهم بـ«العجرفة» لرفضه الحديث إلى الفرنسيين عن «الحادثة»، فإنه يكثر هذه الأيام من الخوض في تفاصيلها. وأمس تحدث عنها للمرة الثالثة ليعرب عن دهشته أمام عنف ردود الفعل، والتضخيم الذي يلازمها.