السياسات النقدية وتوجهات ترمب تشغل الأسواق وبال المستثمرين

إيطاليا تبقى مشكلة أوروبياً... و«بريكست» أيضاً

TT

السياسات النقدية وتوجهات ترمب تشغل الأسواق وبال المستثمرين

على خلفية الشائعات التي تتوقع اتجاه بنك اليابان نحو تغيير سياسته في نهاية الشهر، يبدأ المستثمرون بإدراك أن السياسات النقدية للبنوك المركزية حول العالم ستبقى واحدة من أكثر الموضوعات أهمية لما تبقى من هذا العام والعام المقبل.
أميركياً، تتضح الضغوطات الدافعة لتشديد الاقتصاد، فيما يواصل جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، رؤيته المتفائلة بشأن النمو والمخاوف من خروج التضخّم عن زمام السيطرة. وخلال هذا العام، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين، ومن المتوقع حدوث ارتفاع جديد قبل نهاية العام؛ مما سيحدث «ضغوطات تصاعدية على الواجهة الأمامية لمنحنى العائدات ويتسبب بارتفاعه في جزئه القصير بوتيرة أسرع قياساً بالعائدات في الجزء الطويل من المنحنى»، وفقاً لتقرير صادر عن «ساكسو بنك».
وأثّرت سياسات البنك المركزي بشدة على أداء السندات الأميركية هذا العام، حيث بدأنا عام 2018 مع عائد سندات الخزانة المستحقة بعد عامين بنسبة 1.87 في المائة، فيما يتم تداولها الآن على نطاق أوسع بزيادة 75 نقطة أساس عند 2.62 في المائة. وفي الوقت نفسه، تحركت عائدات الخزينة المستحقة لأجل عشر سنوات بمقدار 50 نقطة أساس فقط، مما أدى إلى ثبات عام في منحنى العائدات الأميركية.
ورغم أن البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان ليسا في وضع تشدّد حتى الآن، إلا أنهما بدآ بالفعل بخفض مشترياتهما، مما يشير عموماً إلى التناقص التدريجي في الأموال ضمن النظام المالي العالمي قياساً بالسنوات العشر الماضية. وفي حال استمر انحسار توجه البنوك المركزية، وتحركت تدريجياً نحو التشديد، يمكن توقع افتقار أسعار السندات إلى الدعم، مما سيتسبب بوقوع تقلبات من حيث الدخل الثابت، لا سيما في الأسواق الناشئة.
ولهذا السبب، يرى المستثمرون أنه من المهم ألا تغيب عن البال السياسات النقدية للبنك المركزي، خاصة أن السوق أصبحت أكثر حساسية، وما يمكن أن يعنيه تغيير بنك اليابان لسياساته من إمكانية حدوث إعادة تسعير كبيرة للسندات السيادية حول العالم.
ويشير المستثمرون إلى ضرورة الاحتراس من التواريخ التالية: حيث عقد البنك المركزي الأوروبي اجتماعاً في 26 يوليو (تموز)؛ ومن المنتظر أن تعقد لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية اجتماعاً في 1 أغسطس (آب)، يليه اجتماع بنك اليابان في 31 أغسطس أيضاً.
وقال تقرير «ساكسو بنك»: «تُعيدنا المخاوف بشأن توجه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو مزيد من التشديد إلى أكبر مخاوف السوق المالية المتمثلة في احتمال وقوع انعكاس لمنحنى العائدات الأميركية، والذي قد ينبئ عن بدء حالة من الركود. وفي الماضي، كان منحنى العائد المُنعكس يسبق الركود؛ وتشهد الأسواق حالة حذر متزايدة، فيما يبدو فرق السعر الآن بين سندات الخزينة المستحقة لأجل عشر سنوات وتلك المستحقة لأجل عامين حول +30 نقطة أساس».
وأضاف: «وكما أوضحت توقعاتنا للربع الثالث، نرجّح حدوث انعكاس لمنحنى العائدات بنهاية هذا العام وبداية العام المقبل، ومع ذلك، قد لا ندخل في حالة الركود حتى النصف الثاني من عام 2019. ويشكل ذلك موضوعاً رئيسياً ينبغي على حملة السندات مراقبته. وبينما نرى في انعكاس منحنى العائدات إشارة سلبية، يمكن أن نشهد بعض الفرص لا سيما في الجزء القصير من المنحنى».
وتجدر الإشارة إلى أن سياسات البنك المركزي حول العالم تؤثر بشدة على اتجاه منحنى العائدات في الولايات المتحدة الأميركية. وقد يتسبب تغيير سياسات بنك اليابان المركزي بزيادة انحدار منحنى العائدات الأميركية بالتزامن مع تضاؤل السيولة في الجزء الطويل من المنحنى.
على صعيد آخر، فإن في الأسواق تخشى من التصعيد نحو حرب تجارية غير ضرورية مع شركاء أميركا التجاريين مثل كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي؛ ويمكن للأخبار ذات الصلة أن تحدث تغييراً كبيراً في أداء المحافظ الاستثمارية.
ومع ذلك، ومن حيث الدخل الثابت، قد تبدأ مشكلة أكبر بالظهور، والتي تتمثل في الاهتمام المتزايد الذي يوليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي. وفي واقع الأمر، أصدر ترمب مؤخراً تصريحات سلبية بشأن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي المتعلق برفع أسعار الفائدة. ورغم عدم امتلاكه لأي سلطة على السياسة النقدية، فإن تصريحاته ما تزال تثير التقلبات في هذا المجال.
أوروبياً، وبغض النظر عن سياسات ترمب والبنوك المركزية، يتعلق أكبر خطرين في أوروبا بمجريات الأحداث في إيطاليا والمملكة المتحدة. وينبغي ملاحظة تحوّل اهتمام الحكومة الإيطالية المشكّلة حديثاً نحو خطة الإنفاق. فمن جهة، تود رابطة الشمال طرح معدل ثابت للضريبة بنسبة 20 في المائة و30 في المائة للشركات والأفراد؛ ومن جانب آخر، تتطلع حركة «خمس نجوم» نحو زيادة الإنفاق على الفوائد ودعم المواطنين ذوي الدخل المنخفض.
وتتباين هذه السياسات مع قواعد الميزانية الأوروبية، حيث تشير زيادة الإنفاق إلى إمكانية ارتفاع مستوى العجز الإيطالي فوق مستوى القيود التي وضعها الاتحاد الأوروبي. ويبدو ماتيو سالفيني، نائب رئيس مجلس الوزراء، مستعداً للدخول في «معركة» مع الاتحاد الأوروبي وفق تصريحاته للصحافيين يوم الاثنين الماضي بأن ذلك «لأجل مصلحة الإيطاليين»، وأنه لن يتردد في تجاوز الحدود التي وضعها الاتحاد الأوروبي.
ومع اقتراب عرض موازنة عام 2019 في الخريف، يعتقد بأن الشركات والسندات السيادية الإيطالية ستواصل التأثر بالتقلبات، ومن المرجح أن تتأثر آجال الاستحقاق قصيرة الأجل والسندات الثانوية للمؤسسات المالية المحلية.
أما على صعيد «البريكست» وكيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن المشهد أكثر غموضا الآن بعد التداعيات السياسية الأخيرة في بريطانيا، علما بأن الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق مبدئي يقترب أكثر. إذ يفترض في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل توضيح جملة قضايا شائكة مثل العلاقة التجارية المستقبلية بين الطرفين ومصير حي المال اللندني فضلا عن قضية الحدود مع آيرلندا... ولكل ذلك آثار مباشرة على أسواق المال؛ ليس أوروبيا وحسب، بل عالميا أيضا.


مقالات ذات صلة

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

الولايات المتحدة​ سفينة شحن تَعبر قناة بنما في سبتمبر الماضي (أ.ب)

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

يستنكر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الرسوم المتزايدة التي فرضتها بنما على استخدام الممر المائي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

عائدات سندات الخزانة الأميركية تسجل أعلى مستوى منذ أبريل

سجلت عائدات سندات الخزانة قفزة كبيرة يوم الأربعاء، حيث سجلت عائدات السندات القياسية لمدة عشر سنوات أعلى مستوى لها منذ أبريل (نيسان) الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)

كبير مسؤولي «الفيدرالي» يواصل دعم خفض الفائدة رغم التضخم والتعريفات الجمركية

قال أحد كبار صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه لا يزال يدعم خفض أسعار الفائدة هذا العام على الرغم من ارتفاع التضخم واحتمال فرض تعريفات جمركية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يصطف الناس خارج مركز التوظيف في لويسفيل بكنتاكي (رويترز)

انخفاض غير متوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية الأميركية

انخفض عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع في الأسبوع الماضي مما يشير إلى استقرار سوق العمل بداية العام

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد تباطؤ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة خلال ديسمبر

تباطؤ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة خلال ديسمبر

تباطأ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفق تقرير التوظيف الوطني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كبير مسؤولي «الفيدرالي» يواصل دعم خفض الفائدة رغم التضخم والتعريفات الجمركية

عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)
عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)
TT

كبير مسؤولي «الفيدرالي» يواصل دعم خفض الفائدة رغم التضخم والتعريفات الجمركية

عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)
عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)

قال أحد كبار صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء، إنه لا يزال يدعم خفض أسعار الفائدة هذا العام، على الرغم من ارتفاع التضخم، واحتمال فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق في ظل إدارة ترمب المقبلة.

وقال كريستوفر والر، العضو المؤثر في مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، إنه يتوقع أن يقترب التضخم من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في الماضي في الأشهر المقبلة. وفي بعض التعليقات الأولى التي أدلى بها مسؤول في بنك الاحتياطي الفيدرالي حول التعريفات الجمركية على وجه التحديد، قال إن الرسوم الجمركية الأكبر على الواردات من غير المرجح أن تدفع التضخم إلى الارتفاع هذا العام، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقال والر في باريس في منظمة «التعاون الاقتصادي والتنمية»: «رسالتي الأساسية هي أنني أعتقد أن مزيداً من التخفيضات ستكون مناسبة». وأضاف: «إذا لم يكن للتعريفات الجمركية، كما أتوقع، تأثير كبير أو مستمر على التضخم، فمن غير المرجح أن تؤثر على وجهة نظري».

وتُعد تعليقاته جديرة بالاهتمام؛ نظراً لأن تأثير الرسوم الجمركية يشكل بطاقة جامحة هذا العام بالنسبة للاقتصاد الأميركي. وقد هبطت الأسواق المالية في الأشهر الأخيرة جزئياً بسبب المخاوف من أن التضخم قد يستمر في كونه مشكلة، وأن التعريفات الجمركية قد تجعل الأمر أسوأ. ويميل المنتجون إلى رفع الأسعار للعملاء للتعويض عن التكاليف الزائدة للرسوم الجمركية على المواد والسلع المستوردة.

ومع ذلك، فإن والر أكثر تفاؤلاً بشأن التضخم من كثير من مستثمري «وول ستريت». وقال: «أعتقد أن التضخم سيستمر في إحراز تقدم نحو هدفنا البالغ 2 في المائة على المدى المتوسط، ​​وأن مزيداً من التخفيضات (للمعدلات) ستكون مناسبة». وفي حين ظل التضخم ثابتاً في الأشهر الأخيرة - حيث ارتفع إلى 2.4 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً للمقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي - زعم والر أن الأسعار خارج قطاع الإسكان، وهو ما يصعب قياسه، تتباطأ.

وتتعارض تصريحات والر مع التوقعات الزائدة في «وول ستريت» بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يخفض سعر الفائدة الرئيس كثيراً، إن فعل ذلك على الإطلاق، هذا العام مع استمرار ارتفاع الأسعار. ويبلغ المعدل حالياً حوالي 4.3 في المائة بعد عدة تخفيضات في العام الماضي من أعلى مستوى له منذ عقدين من الزمن عند 5.3 في المائة. وتتوقع الأسواق المالية خفض أسعار الفائدة مرة واحدة فقط في عام 2025، وفقاً لتسعير العقود الآجلة التي تتبعها أداة «فيد ووتش».

ولم يذكر والر عدد التخفيضات التي يدعمها على وجه التحديد. وقال إن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعوا خفضين هذا العام في ديسمبر (كانون الأول). لكنه أشار أيضاً إلى أن صناع السياسات دعموا مجموعة واسعة من النتائج، من عدم التخفيضات إلى ما يصل إلى خمسة تخفيضات. وأضاف أن عدد التخفيضات سيعتمد على التقدم نحو خفض التضخم.

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن تأثير التعريفات الجمركية على سياسة الفيدرالي والتضخم يصعب قياسه مسبقاً، حتى يتضح أي الواردات ستتأثر بالتعريفات، وما إذا كانت الدول الأخرى سترد بتعريفات خاصة بها. ولكن في المؤتمر الصحافي الأخير لـ«الفيدرالي» في ديسمبر، أقر باول بأن بعض صناع السياسات التسعة عشر في البنك المركزي بدأوا في دمج التأثير المحتمل لسياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب على الاقتصاد.

وقال باول: «لقد اتخذ بعض الناس خطوة أولية للغاية وبدأوا في دمج تقديرات مشروطة للغاية للتأثيرات الاقتصادية للسياسات في توقعاتهم في هذا الاجتماع». وقال إن مسؤولين آخرين لم يتخذوا مثل هذه الخطوة، في حين لم يحدد البعض ما إذا كانوا قد فعلوا ذلك.

وقد اقترح مسؤولون آخرون في «الفيدرالي» مؤخراً أن يتحرك البنك ببطء أكبر بشأن خفض أسعار الفائدة هذا العام، بعد الخفض في كل من اجتماعاته الثلاثة الأخيرة في عام 2024. وقالت ليزا كوك، عضو مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، يوم الاثنين، إن البنك المركزي يمكنه «المضي قدماً بحذر أكبر» في خفض أسعار الفائدة.

وقال والر، في جلسة أسئلة وأجوبة، إن أحد أسباب ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل يرجع إلى القلق من أن عجز موازنة الحكومة الفيدرالية، الضخم بالفعل، قد يظل كذلك أو حتى يزيد. وقد أدت أسعار الفائدة طويلة الأجل المرتفعة إلى ارتفاع تكلفة الرهن العقاري والاقتراض الآخر، مما زاد من الضغوط على كل من الشركات والمستهلكين.

وقال: «في مرحلة ما، ستطالب الأسواق بقسط لقبول مخاطر التمويل»، مثل هذا الاقتراض الزائد.