السفر هو «الحرية المطلقة» ففيه يتخلص الإنسان من أعباء الروتين

رحلة مع الفنان فاروق حسني

في باريس
في باريس
TT

السفر هو «الحرية المطلقة» ففيه يتخلص الإنسان من أعباء الروتين

في باريس
في باريس

بالنسبة للفنان ووزير الثقافة المصري الأسبق، فاروق حسني، فإن السفر مرادف للحرية المطلقة. ورغم ما يظنه البعض من أن رحلاته كأحد الفنانين البارزين تكون سمتها الرفاهية والمزارات الفاخرة، فإنه يقول في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنه يستمد مُتعته من السير في الشوارع لمسافات طويلة. كان للحديث معه نكهة خاصة وهو يتذكر طرائف وقعت له في أسفاره:
> السفر يعني «الحرية المطلقة» ففيه يتخلص جسد الإنسان من أعباء واقع مستمر، ويحلق في آفاق جديدة؛ ولذلك عندما يضيق بي الحال ويتحول إلى واقع رتيب، فإن السفر يصبح ضروريا. كما أنه قيمة ذهنية ونفسية وفنية عالية. عندما أدعو لشخص ما دعوة جميلة فإن أول ما أقوله له: «ربنا يمتعك بحرية السفر» باعتباره نوعا من الخلاص البدني والعقلي.
> لا أسافر لمجرد السفر في حد ذاته، إنما يكون ذلك للتعامل مع الناس والفنون والجدران والبنايات والأنهار والأشجار والمناخ وغير ذلك. وعلى الرغم من أن هناك أماكن كثيرة سبق لي مشاهدتها، فإنني لا أمانع في إعادة الكرة لأنها تسجل وتُثبت ما سبق لي معرفته، ومن هنا أعتبر السفر تثبيتاً للواقع وليس هروبا منه.
فعندما أريد أن أرى الجمال وأعيشه لا بد من السفر. في مصر أتوجه إلى الصعيد، أو أسير في الأماكن التراثية، حتى أتأملها بتأثيرها المتفرد على الواقع. أكثر ما يروق لي كابن للإسكندرية كورنيشها، لا سيما حي «بحري» حيث نشأت وفتحت عيناي وأنا أراه يعانق البحر والبحر يعانقه، بالإضافة إلى الميادين والشوارع القديمة مثل شارع شريف، وشارع السلطان حسين، وهي مناطق مليئة بالتفاصيل والمباني ذات الجمال العتيق، والطرز المعمارية الرائعة مثل «الارت نوفو» و«الارت ديكو».
> في الصيف أسافر إلى بيتي الواقع فوق ربوة بالساحل الشمالي، بعيدا عن ضوضاء القرى السياحية. فيه يأسرني الهواء المحمل باليود، ومنظر البحر من أمامه والبحيرة من خلفه في منظر بديع يجعلني أعيش حالة مثالية من الرضا والسكينة.
> أجد أن لكل مدينة لغتها حسب نوعية الأحياء والسكان وإيقاع حياتهم. هذه اللغة هي التي يتعامل معها الكيان الداخلي للفرد وتُحرك عواطفه، فتكون شحذاً للطاقة ومصدرا للإلهام.
> أول رحلة لي خارج مصر كانت لبلجيكا، وقد مررت قبلها بفرنسا ليوم واحد. كانت باريس تمثل لي جنون المعرفة وشبق الفن، إلى حد أنني عندما وصلت أمام متحف اللوفر ضربت الأرض برجلي بقوة، لأتأكد من أنني أمامه بالفعل، أو ربما لأترك أثرا مني هناك يقربني منه حين أبتعد. كانت زيارة خاطفة، وغير كافية أو مشبعة لي، حيث كان علي اللحاق بالقطار المتوجه إلى بلجيكا، التي انبهرت بمدنها وفى مقدمتها «غنت» و«لوفان». في هذه الرحلة تعلمت كيفية مصادقة المدن ودراستها، حيث كنت أتفحصها بنهم، حتى أدرك من أين تستمد جمالها، ووجدت أن المحصلة الجمالية تأتي من أشياء كثيرة، منها المباني والمتاحف والشوارع والمعاقل الموسيقية والفنية بشكل عام.
> أثناء رجوعي من بلجيكا كنت مُصراً أن أقضي في باريس 3 أيام أخرى، للتزود بجرعة أكبر من الجمال والفن والثقافة الباريسية. منها اتجهت إلى فينسيا التي سمعت وقرأت الكثير عن مدرستها الفنية المرتبطة بالعصور الوسطي، وعصر النهضة. والحقيقة أني كنت حائرا ماذا أشاهد فيها نظرا لثرائها.
> لكن تبقى أقرب المدن الأوروبية إلى نفسي هي روما لأنها لا تزال تحتفظ بأصالتها، ولم تتغير مبانيها التي يعود بعضها للقرن 14 بالإضافة إلى غناها بالمعالم الأثرية، مثل «البانثيون» الشامخ منذ نحو 2200 سنة. عندما تجلس أمامه تشعر أنك قد انتقلت نقلة عاطفية عبر التاريخ. ومما يزيد من أهمية روما بالنسبة لي، أنني عندما سافرت إليها لأول مرة في إطار عملي كرئيس لأكاديمية روما، التقيت فيها بعظماء من كبار الأدباء والفنانين والمثقفين من مختلف الجنسيات والتيارات.
> مررت بعدة مواقف طريفة، كان آخرها في مطار باريس حين سألني موظف الأمن أثناء إنهاء إجراءات الجمارك ما إذا كنت والد محمد صلاح. نفيت ضاحكا وأنا أسأله «هل تحبه؟ فرد: نعم أحبه جداً جداً».
> لا أميل للأكل كثيرا لذلك لا تكون المطاعم من ضمن أولوياتي في السفر، لكني في المقابل عاشق للمقاهي، لأني أحب الصعلكة، والفرجة على الناس. على سبيل المثال في باريس، أحب الجلوس في مقهى «لي دو ماغو» الذي لا يجذبني لأنه مكان لقاء الأدباء والمثقفين أو الصفوة على مر السنين، إنما لموقعه في الحي اللاتنيني العريق، ولأنه يؤدي إلى شوارع تشجع على المشي فيها لساعات من دون ملل. أما في روما فأحب الجلوس في مقهى «روزاتي» الذي يقع في «ميدان الشعب» حيث تتوسطه مسلة «رمسيس الثاني» ومجموعة من التماثيل الرومانية التي تظهر في مكان مرتفع أمامه المقهى.
> أما التسوق فيأتي في ذيل أولوياتي، وغالبا ما أشتري ملابسي بالصدفة، أثناء ممارستي هواية المشي. فأثناء السير أرى الأشياء بوضوح أكبر بما فيها واجهات المحلات، التي تُغريني أحيانا بدخولها وشراء ما أحتاجه.
> ما لا أستغني عنه في السفر هي أسطوانات الموسيقى الكلاسيكية التي أعشقها، إلى جانب زيارة المعارض. فهي ضرورية حتى أبقى مواكبا للحركات الفنية المستقبلية
> أسوأ تجربة سفر بالنسبة لي كانت تلك التي فقدت فيها حقيبتي بباريس، مما وضعني في مأزق كبير.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
TT

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد»، إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست»، يحتوي متحف بريطاني يعرض حيثيات أشهر الجرائم الأكثر إثارة للرعب على بعض من أكثر القطع الأثرية إزعاجاً والتي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتشعرك بأحلك اللحظات في التاريخ.

ويعتبر «متحف الجريمة» (المتحف الأسود سابقاً) عبارة عن مجموعة من التذكارات المناطة بالجرائم المحفوظة في (نيو سكوتلاند يارد)، المقر الرئيسي لشرطة العاصمة في لندن، بإنجلترا.

مقتنيات استحوذ عليها المتحف من المزادات والتبرعات (متحف الجريمة)

وكان المتحف معروفاً باسم «المتحف الأسود» حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وقد ظهر المتحف إلى حيز الوجود في سكوتلاند يارد في عام 1874. نتيجة لحفظ ممتلكات السجناء التي تم جمعها بعد إقرار قانون المصادرة لعام 1870 وكان المقصود منه مساعدة عناصر الشرطة في دراستهم للجريمة والمجرمين. كما كان المتحف في البداية غير رسمي، لكنه أصبح متحفاً رسمياً خاصاً بحلول عام 1875. لم يكن مفتوحاً أمام الزوار والعموم، واقتصر استخدامه كأداة تعليمية لمجندي الشرطة، ولم يكن متاحاً الوصول إليه إلا من قبل المشاركين في المسائل القانونية وأفراد العائلة المالكة وغيرهم من كبار الشخصيات، حسب موقع المتحف.

جانب من القاعة التي تعرض فيها أدوات القتل الحقيقية (متحف الجريمة)

ويعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة معروضة، كل منها في درجة حرارة ثابتة تبلغ 17 درجة مئوية. وتشمل هذه المجموعات التاريخية والمصنوعات اليدوية الحديثة، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الأسلحة (بعضها علني، وبعضها مخفي، وجميعها استخدمت في جرائم القتل أو الاعتداءات الخطيرة في لندن)، وبنادق على شكل مظلات والعديد من السيوف والعصي.

مبنى سكوتلاند يارد في لندن (متحف الجريمة)

يحتوي المتحف أيضاً على مجموعة مختارة من المشانق بما في ذلك تلك المستخدمة لتنفيذ آخر عملية إعدام على الإطلاق في المملكة المتحدة، وأقنعة الموت المصنوعة للمجرمين الذين تم إعدامهم في سجن «نيوغيت» وتم الحصول عليها في عام 1902 عند إغلاق السجن.

وهناك أيضاً معروضات من الحالات الشهيرة التي تتضمن متعلقات تشارلي بيس ورسائل يُزعم أن جاك السفاح كتبها، رغم أن رسالة من الجحيم سيئة السمعة ليست جزءاً من المجموعة. وفي الداخل، يمكن للزوار رؤية الحمام الذي استخدمه القاتل المأجور جون تشايلدز لتمزيق أوصال ضحاياه، وجمجمة القاتل والمغتصب «لويس ليفيفر»، والحبل الذي استخدم لشنق المجرمين. وقال جويل غريغز مدير المتحف لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف هو بمثابة واقع وجزء من التاريخ، مضيفاً: «لا أعتقد أنه يمكنك التغاضي عن الأمر والتظاهر بأن مثل هذه الأشياء لا تحدث. هناك أشخاص سيئون للغاية».

وقال جويل إنه لا يريد الاستخفاف بالرعب، وقال إنهم حاولوا تقديم المعروضات بطريقة لطيفة، وأضاف: «عندما أنظر إلى مجلات الجريمة في المحلات التجارية، فإنها تبدو مثل مجلات المسلسلات ومجلات المشاهير، لذلك يُنظر إليها على أنها نوع من الترفيه بطريقة مماثلة».

وتُعرض البراميل الحمضية الأسيدية المستخدمة من قبل جون جورج هاي، والمعروف باسم قاتل الحمامات الحمضية، في كهف خافت الإضاءة. وهو قاتل إنجليزي أدين بقتل 6 أشخاص، رغم أنه ادعى أنه قتل 9. وفي مكان آخر، يمكن للزوار مشاهدة رسائل حب كان قد أرسلها القاتل الأميركي ريتشارد راميريز إلى مؤلفة بريطانية تدعى ريكي توماس، وكان يعرف راميريز باسم «المطارد الليلي»، لسكان كاليفورنيا بين عامي 1984 و1985 وأدين بـ13 جريمة قتل وسلسلة من اقتحام المنازل والتشويه والاغتصاب. وكشفت ريكي، التي كتبت عدداً من الكتب الأكثر مبيعاً عن القتلة المحترفين، أنها اتصلت بالقاتل في مرحلة صعبة من حياتها وشعرت بجاذبية جسدية قوية ناحيته. ووصفت رسالتها الأولى إلى راميريز بأنها «لحظة جنون». وقالت في حديثها إلى صحيفة «سوسكس بريس» المحلية: «كان رجلاً جيد المظهر، لكنني لم أشعر قط بأنني واحدة من معجباته». وقررت المؤلفة التبرع بالرسائل للمتحف عام 2017 لإعطاء فكرة عن عقلية الوحش.

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يعرض متحف الجريمة أيضاً السراويل البيضاء التي كانت ترتديها القاتلة روز ويست، والتي تم شراؤها بمبلغ 2500 جنيه إسترليني في المزاد. وحصل على تلك السراويل ضابط سجن سابق كان يعمل في برونزفيلد، حيث سجنت ويست لمدة 4 سنوات حتى عام 2008. وقامت روزماري ويست وزوجها فريد بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 10 فتيات بريطانيات بين عامي 1967 و1987 في غلوسترشير. واتهم فريد بارتكاب 12 جريمة قتل، لكنه انتحر في السجن عام 1995 عن عمر 53 عاماً قبل محاكمته. وقد أدينت روز بارتكاب 10 جرائم قتل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 وهي تقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة.

يعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة (متحف الجريمة)

تم التبرع بمعظم القطع الأثرية للمتحف، وقام أيضاً جويل بشراء الكثير منها في مزادات علنية.

في مكان آخر في المتحف المخيف يمكن للزوار رؤية السرير الحقيقي للموت بالحقنة القاتلة والقراءة عن الضحايا والمشتبه بهم الذين لهم صلة بجاك السفاح بين عامي 1878 إلى 1898.

الأسلحة التي استخدمت في الجريمة (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يضم المتحف قفازات الملاكمة التي تحمل توقيع رونالد وريجينالد كراي، والمعروفين أيضاً باسم «التوأم كراي». كان روني وريجي المخيفان يديران الجريمة المنظمة في منطقة إيست إند في لندن خلال الخمسينات والستينات قبل أن يسجن كل منهما على حدة في عام 1969 ثم انتقل كلاهما إلى سجن باركهرست شديد الحراسة في أوائل السبعينات. وتوفي روني في نهاية المطاف في برودمور عام 1995، عن عمر 62 عاماً. في أغسطس (آب) 2000. تم تشخيص ريجي بسرطان المثانة غير القابل للجراحة، وتوفي عن 66 عاماً بعد وقت قصير من الإفراج عنه من السجن لأسباب إنسانية.