عائلات معتقلين تفجع بوفاة أقاربها بعد سنوات من الانتظار

TT

عائلات معتقلين تفجع بوفاة أقاربها بعد سنوات من الانتظار

انتظرت سلوى طويلاً أن تسمع شيئاً عن ابن شقيقها الذي اعتقل في العام 2011، لكنها لمّا تبلغت نبأ وفاته من موظفة في دائرة النفوس في حماة في وسط سوريا، كادت لا تصدق، فراحت تردّد تحت وقع الصدمة «هل قضي الأمر؟ هل مات حقاً؟».
وتروي السيدة، التي تستخدم اسماً مستعاراً، بمرارة لوكالة الصحافة الفرنسية كيف تلقت الخبر الفاجعة خلال زيارة إلى دائرة النفوس في حماة، مسقط رأس العائلة، من موظفة منهمكة في أوراق مكدسة فوق مكتبها. وتقول: «قالت لي: نعم، تبلغنا بأسماء كل الذين ماتوا في الداخل (السجون)».
ويقدر عدد المعتقلين في السجون منذ اندلاع النزاع في 2011 بعشرات الآلاف في أنحاء سوريا. وغالباً ما يتعرضون، وفق منظمات حقوقية وأفراد من عائلاتهم، للتعذيب وحرمانهم من المحاكمات العادلة ومن أي تواصل مع أقربائهم.
وتغرق عائلاتهم في دوامة من القلق والشك، ويقضي أفرادها أوقاتهم في التنقل بين الفروع الأمنية وينفقون مدخراتهم لمعرفة مكان احتجازهم أو حتى إذا ما زالوا على قيد الحياة.
في الأسابيع الأخيرة، تحققت عائلات وناشطون حقوقيون من قيام السلطات السورية بتحديث سجلات النفوس المدنية، وإضافة كلمة «متوفى» إلى جانب أسماء معتقلين بعد تحديد تاريخ وفاتهم في العام 2013. ومع تناقل الخبر بسرعة، قصدت عائلات كثيرة دوائر النفوس، الأشهر الماضية، لمعرفة إذا ما كان أبناؤها المعتقلون «ما زالوا على قيد الحياة». ويقول رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن 400 عائلة سمعت جواب «لا» رداً على سؤالها.
وتقدر الشبكة عدد المعتقلين لدى السلطات السورية بنحو 80 ألف شخص.
ويقول عبد الغني إن «النظام كان يمتنع في السابق عن إعطاء معلومات حول المعتقلين. ولم يكن يعلن وفاتهم. أما الآن فهو يفعل ذلك ولكن بطريقة بربرية».
وتم تحديث سجلات محافظة حماة أولاً، تبعتها حمص (وسط) المجاورة، فدمشق، ثم مدينة اللاذقية الساحلية والحسكة (شمال شرق). ولا تزال الأسماء الجديدة تصل تباعاً إلى السجلات، بحسب الشبكة. ويؤكد عبد الغني أنه خلال سبع سنوات تابع فيها ملف حقوق الإنسان في سوريا، لم يسبق أن علمت عائلات المعتقلين بوفاة أبنائها بهذه الطريقة.
ويضيف: «من كان يريد تسجيل واقعة وفاة، يذهب هو لإعلام دائرة النفوس بذلك لكن الآن تسير الأمور بالعكس».
يوم ذهبت سلوى، صبيحة يوم أحد في شهر يونيو (حزيران)، برفقة زوجة أخيها إلى دائرة السجل المدني، كانا خائفتين من أن تكونا الوحيدتين اللتين تسألان عن قريب لهما، قبل أن تتفاجآ بـ«وجود طابور طويل يمتد حتى أسفل الدرج»، وفق سلوى. وتضيف: «أغلبهم من النساء، أمهات أو أخوات معتقلين فيما وقف العساكر بينهم. كانت كل واحدة تخرج وهي تمسح دموعها وتخبئ وجهها بوشاحها».
عادت سلوى إلى منزلها غارقة في دموعها بعدما علمت بوفاة ابني شقيقيها سعد الذي اعتقل في العام 2011 وسجلت وفاته في العام 2013، وابن عمه سعيد الذي اعتقل في العام 2012 وسجلت وفاته في العام الماضي. ونظمت العائلة، التي لم تتسلّم أي جثمان، مراسم عزاء لمدة يوم واحد من دون أن تجرؤ على إشهار حزنها في مدينة حماة الخاضعة لسيطرة قوات النظام. وتقول سلوى بمرارة: «حرقوا قلوبنا، كانا كالورود، حتى في الحداد نخاف أن نحزن ونخفي حزننا». وتمكنت عائلة المعتقل إسلام دباس من رؤية ابنها على قيد الحياة للمرة الأخيرة في العام 2012، خلف قضبان سجن للنظام قرب دمشق. ويروي شقيقه عبد الرحمن المقيم حالياً في مصر لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان يرتدي كنزة كتب عليها (الحرية فقط) بالإنجليزية. بعدها بفترة لم تعد تصلنا أخباره». وعلم أحد أقارب إسلام، المقيم في سوريا، بمسألة تحديث السجلات، وتحقق من ملفه.
ويقول عبد الرحمن «تشير الوثيقة إلى أنه توفي في 15 يناير (كانون الثاني) 2013 في صيدنايا». ووصفت منظمة العفو الدولية العام الماضي سجن صيدنايا بأنه «مسلخ بشري»، نظراً إلى حجم الانتهاكات في هذا السجن القريب من دمشق. ويوضح عبد الرحمن: «صراحة لقد ارتحنا، قالت لي أمي إنه محظوظ. هو يرقد بسلام». وأقامت العائلة مراسم العزاء الأسبوع الماضي في مصر، على بعد مئات الكيلومترات من مسقط رأسها، من دون تسلم جثمانه. ونقل عبد الرحمن ووالدته عبر الهاتف نبأ وفاة إسلام لوالده الموجود أيضاً في السجن في سوريا.
وتشدد المحامية السورية نورا غازي، عضو حركة «عائلات من أجل الحرية» المعارضة، على أن «تأكيد الشكوك لا يكفي». وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية، «حسناً، لقد أخبرونا بوفاتهم، لكننا نريد أن نعرف مكان وجود جثامينهم. نريد أن نعلم السبب الحقيقي وراء وفاتهم».
بعد سنوات من البحث والانتظار المضني، تؤكد غازي المقيمة في بيروت أن «الناس متعبون في سوريا. بالطبع هناك حالة إنكار. هناك مشككون يقولون: لماذا علينا أن نصدق أن هذه الوثيقة حقيقية؟ أو أن التاريخ صحيح؟».
العام الماضي، تأكدت غازي من وفاة زوجها باسل خرطبيل في السجن، بعد اعتقاله في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وتقول: «أعلنت الحداد عليه، وارتديت الأسود. ظننت أنني حصلت على الحقيقة». ورغم تأكدها من موته في السجن، لكن اطلاع أحد أقاربها في دائرة السجلات المدنية في دمشق أوائل الشهر الحالي على تسجيل وفاته بتاريخ 5 أكتوبر 2015، أصابها مجدداً بصدمة كبيرة.
وتقول: «عندما رأينا ذلك، بدا الأمر وكأنه مات من جديد». وتضيف بتصميم: «لا عودة عن ذلك. لقد حاربت لأكثر من عامين من أجل معرفة مصيره. الآن سأقاتل كل حياتي لكي أحصل على جثمانه».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.