ما زالت الرئاسة الفرنسية تسعى لإطفاء الحريق السياسي الذي اندلع مع انكشاف ما قام به الحارس الشخصي للرئيس إيمانويل ماكرون، في الأول من مايو (أيار) الماضي، بمناسبة المظاهرات التي حصلت في عيد العمال. ولم يكف الاجتماع الطارئ الذي عقد في القصر الرئاسي عصر الأحد بحضور رئيس الوزراء ووزير الداخلية ومسؤولين آخرين لإيجاد «المخرج» الذي يتيح للرئيس ماكرون التقاط أنفاسه وطي صفحة فضيحة ألكسندر بنعالا. والأسوأ أن شهادتي وزير الداخلية جيرار كولومب ومدير شرطة باريس ميشال ديلبويش فاقمتا وضع الإليزيه بدل إراحته. ذلك أن الأول رمى مسؤولية ملاحقة بنعالا على فعلته على الرئاسة، وهو ما فعله أيضاً المسؤول الأمني. ومن المتوقع أن يمثل كولومب اليوم أمام لجنة القوانين في مجلس الشيوخ وسيليه في المكان نفسه بعد غد الخميس أمين عام الرئاسة ألكسيس كوهلر، وهو أقرب معاون للرئيس ماكرون، إضافة إلى باتريك سترودزا مدير مكتب ماكرون، والوزير كريستوف كاستانير، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب المندوب العام «الرئيس» لحزب «الجمهورية إلى الأمام»، وهو الحزب الرئاسي.
لم يعد أحد في فرنسا وفي كثير من البلدان الخارجية يجهل «قصة» ألكسندر بنعالا، هذا الشاب ابن السادسة والعشرين عاماً، الذي عَرفَ صعوداً استثنائياً في دائرة الرئيس ماكرون الضيقة بعد أن تولى حمايته الشخصية إبان المعركة الرئاسية العام الماضي. وللتذكير، فإن بنعالا عنف شخصين «شاباً وشابة»، وقام بضربهما بوحشية وهو يضع على رأسه خوذة رجال الشرطة ويحمل شارتها الرسمية من غير وجه حق، لأنه ليس فرداً من أفرادها، ولا يحق له التدخل بأي وجه كان.
وما يؤخذ على الرئاسة ووزارة الداخلية وجهاز الشرطة أن أحداً لم يخبر القضاء، ولم تنكشف الفضيحة إلا بعد شهرين عبر تحقيق أجرته صحيفة «لوموند» ونشرته يوم الأربعاء الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، حامت شبهات حول سعي السلطات للتستر على ما حصل، وحماية بنعالا، لقربه من الرئيس ماكرون، الذي يرافقه في تنقلاته الرسمية والخاصة ولا يتركه قيد أنملة. ويبدو اليوم أنه لم يعد من مفر أمام الرئيس الفرنسي وهو ما تطالبه به المعارضة يميناً ويساراً إلا أن يجاهر الفرنسيين، ويكشف لهم حقيقة ما حصل. لكنه اكتفى، عن طريق مصادر القصر، بتسريب بعض العبارات، ومنها أن ما قام به بنعالا أمر «لا يمكن قبوله»، وأن «لا إفلات من العقاب» لمن خالف القوانين، إضافة لتأكيد حرصه على «كشف الحقيقة». وفي بادرة تهدف إلى حرف الأنظار عن الحادثة بحد ذاتها، طالب ماكرون، أمين عام الرئاسة، بـ«إجراء عملية إعادة تنظيم لـ(أجهزة القصر) للحؤول دون أن يتكرر مثل هذا الخلل في المستقبل».
يبدو من خلال شهادة كولومب أمام اللجنة النيابية أنه رفض تحمل أي مسؤولية، ورمى الكرة في الملعب الرئاسي. وبعد أن كشف وزير الداخلية أمام النواب أنه اطلع على ما حصل في الأول من مايو بعد ظهر اليوم نفسه من خلال مساعديه، أضاف بأنه «تأكد من أن مدير مكتب ماكرون الذي هو المسؤول المباشر عن بنعالا أخبر بما حصل، وأنه اتخذ ما يلزم من التدابير». وبدوره، أعلن مدير الشرطة في باريس، وهو المسؤول عن الأمن فيها «وبالتالي يعود إليه الإشراف على مواكبة المظاهرات وتلافي أعمال الشغب» أن بنعالا لم يكن تحت سلطته، وأنه اعتبر أن حالته «عالجها المسؤولون المباشرون عنه»، أي قصر الإليزيه، وبالتالي فقد تنصل من أي مسؤولية.
وحقيقة الأمر أن كثيرين كانوا ينظرون إلى بنعالا على أنه مقرب من القصر ومن الرئيس ماكرون شخصي. من هنا قدرته على الحصول على شارة الشرطة وعلى جهاز «ووكي توكي» وعلى سيارة وظيفية وعلى شقة في إحدى المباني التابعة للرئاسة وعلى امتيازات مختلفة. ومن هنا، أيضاً، ترك الرئاسة «تعالج» ما حصل والامتناع عن التدخل رغم أن القوانين تفرض إخبار القضاء.
تبدو صورة الوضع اليوم على الشكل التالي: من جهة، بنعالا وأحد شركائه وثلاثة من المسؤولين في قوى الأمن وجهت لهم اتهامات رسمية ووضعوا تحت الرقابة القضائية. ومن جهة ثانية، ثمة لجنتا تحقيق «واحدة من مجلس النواب وأخرى من مجلس الشيوخ» تتابعان الاستماع إلى المسؤولين. ومن جهة ثالثة، هناك تحقيق داخلي للأجهزة الأمنية لجلاء ظروف حصول بنعالا على شارة الشرطة وقيامه بأعمال محصورة بها وبقائها متفرجة على ما يحصل. إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو الشكوك بأن المسؤولين سعوا للتستر على ما حصل بالنظر لموقع بنعالا. والسؤال المرافق هو «الخفة» التي تعامل بها المسؤولون في قصر الرئاسة مع ما قام به بنعالا من خلال توقيفه عن ممارسة مهامه لأسبوعين من غير راتب، وإحالته إلى مهمات غير تلك التي كان يقوم بها. لكن ما حصل حقيقة أنه استمر في مرافقة ماكرون، لا بل كان يحضر إلى الانتقال إلى شقة تابعة للرئاسة، وهو امتياز لا يعطى إلا للمقربين من القصر.
حتى الآن، كانت الضحية المباشرة لهذه الفضيحة التي تستخدمها المعارضة يميناً ويساراً لإضعاف ماكرون والحكومة أن البرلمان الذي كان يناقش مشروع الإصلاحات الدستورية جمد أعماله حتى الخريف المقبل، وأن الحياة السياسية الفرنسية التي كان من المقدر لها أن تدخل مرحلة الإجازة الصيفية ما زالت بالغة التوتر، ولا شك أنها سوف تستمر في ذلك طالما أن الأمور لم تنجل تماماً، وطالما لم يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم.
8:2 دقيقة
وزير الداخلية الفرنسي يحمّل الإليزيه قضية «الحارس الشخصي للرئيس»
https://aawsat.com/home/article/1341341/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D9%85%D9%91%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D9%87-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%C2%BB
وزير الداخلية الفرنسي يحمّل الإليزيه قضية «الحارس الشخصي للرئيس»
لجنتان نيابيتان تحققان والقضاء يوجه اتهامات رسمية لـ5 أشخاص
- باريس: ميشال أبونجم
- باريس: ميشال أبونجم
وزير الداخلية الفرنسي يحمّل الإليزيه قضية «الحارس الشخصي للرئيس»
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة