النظام و«داعش» يتسابقان إلى مناطق أخلتها المعارضة في الجبهة الجنوبية

ميليشيات قريبة من دمشق توقف في حمص قافلة متجهة إلى الشمال

جندي من قوات النظام في القنيطرة أمس (رويترز)
جندي من قوات النظام في القنيطرة أمس (رويترز)
TT

النظام و«داعش» يتسابقان إلى مناطق أخلتها المعارضة في الجبهة الجنوبية

جندي من قوات النظام في القنيطرة أمس (رويترز)
جندي من قوات النظام في القنيطرة أمس (رويترز)

وسّع كل من النظام السوري وتنظيم داعش أمس سيطرتهما على مناطق واسعة في ريف درعا الغربي وريف القنيطرة المحاذية لهضبة الجولان السوري المحتل، مستفيدين من إخلاء قوات المعارضة السورية لمواقعها، وإجلاء المئات منهم نحو الشمال السوري، في آخر عملية ترحيل تسبق استعادة النظام لسيطرته على الجنوب السوري، في وقت يخوض النظام معركة ضد «داعش» في آخر جيب له في حوض اليرموك.
وبرز تطور لافت على عملية إجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية مع النظام السوري في الجنوب، تمثل في توقيف حافلاتهم في منطقة حمص لساعات، قبل أن تستأنف الحافلات رحلتها وتصل إلى منطقة مورك بريف حماة الجنوبي، إثر تدخل روسي.
وقال ناشطون سوريون إن ميليشيات مدعومة من إيران حاصرت قافلة مهجري القنيطرة المتجهة إلى الشمال السوري بعد دخولها من المدخل الغربي لمدينة حمص. وقال مصدر أهلي موجود في القافلة إن عناصر مسلحين من ميليشيا «عصائب أهل الحق» و«أبو الفضل العباس» قطعوا الطريق أمام الحافلات بمدخل حمص عند التحويلة التي تصل إلى طرطوس، ووجهوا الأسلحة إلى الحافلات. ونقلت شبكة «عنب بلدي» عن مصدر قوله إن العناصر «عددهم بالعشرات وقطعوا الطريق بشكل مفاجئ، دون معرفة الغاية التي يريدونها من العملية»، مشيراً إلى أن الحافلات كان يبلغ عددها 55، وبلغ عدد الأطفال والنساء في القافلة الأولى 332 طفلاً و175 امرأة، بينما تضم القافلة الثانية 797 طفلاً و699 امرأة، بحسب ما ذكر «منسقو الاستجابة في الشمال» في بيان.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إن المطالبة بالكشف عن مصير من تبقى من مختطفي اشتبرق، وعشرات المفقودين من تفجير الراشدين الذين جرى في أبريل (نيسان) 2017، هي أسباب توقيف قافلتي درعا والقنيطرة واحتجازها من قبل مسلحين موالين للنظام من جنسيات سورية وغير سورية في أطراف مدينة حمص. وأفاد «المرصد السوري» بأن مساعي روسية أسهمت بالإفراج عن القافلتين المحتجزتين في حمص، فيما ترافق الاحتجاز مع مخاوف على حياة نحو 3400 شخص من مدنيين ومقاتلين وعوائلهم، كانوا يتواجدون على متن عشرات الحافلات المحتجزة من قبل المسلحين الموالين للنظام، ومحاطين بعناصر مدججة بأسلحتها الكاملة.
ووصل مئات المقاتلين والمدنيين المهجرين إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري، قادمين من محافظة القنيطرة في شمال جنوب سوريا، تنفيذاً لبنود «اتفاق المصالحة» بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري في القنيطرة.
ورصد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، وصول الدفعة الثانية من مهجري القنيطرة ودفعة جديدة من مهجري درعا، إلى معبر مورك الواقع في ريف حماة الشمالي، تضم نحو 3400 شخص ممن رفضوا الاتفاق الذي جرى في محافظة القنيطرة والذي فرض في كل من نوى ومحجة بريف درعا. وبدأ التحضير بعد ظهر أمس لإجلاء الدفعة الثالثة بعد الانتهاء من عملية الصعود إليها وتفتيشها، حيث تجري عمليات التفتيش والتهجير بحضور وإشراف روسي.
ومن المتوقع أن تنتشر الشرطة العسكرية الروسية وشرطة النظام المدنية في منطقة فك الاشتباك 1974، بعد إجلاء المقاتلين وعائلاتهم من القنيطرة. ويأتي هذا الحادث في الوقت، الذي توشك فيه القوات السورية النظامية على استعادة السيطرة التامة على الحدود مع الجولان المحتل، والسيطرة على محافظة القنيطرة بالكامل.
وفيما أشار «المرصد السوري» إلى أن بعض الفصائل التي كانت مدعومة من إسرائيل، فر قادتها باتجاه الجولان المحتل، وتركوا المقاتلين لمصيرهم، تحدث ناشطون سوريون عن أن مسلحي «جبهة النصرة» أقدموا أمس الأحد، على إحراق معبر القنيطرة الفاصل بين الشطرين المحرر والمحتل من الجولان. وقال نشطاء إن «جبهة النصرة» تعمدت إحراق المعبر كعمل انتقامي قبل مغادرة مسلحيها الجنوب السوري.
واستعادت قوات النظام أمس السيطرة على 21 بلدة وقرية ومزرعة وتلة استراتيجية بريف القنيطرة الجنوبي والمنطقة الممتدة بين ريفي القنيطرة ودرعا، بحسب ما ذكرته وكالة «سانا» الرسمية السورية للأنباء، وذلك غداة التقدم في المنطقة الممتدة بين ريفي درعا والقنيطرة.
وفي المقابل، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر على دراية بالوضع، قوله إن تنظيم داعش استطاع بالفعل توسيع الأراضي الخاضعة لسيطرته أمس بالسيطرة على ما لا يقل عن 18 قرية هجرها مقاتلو معارضة يحاربون تحت لواء الجيش السوري الحر. وقال إن التنظيم المتشدد يستفيد من انهيار الجيش السوري الحر.
في هذا الوقت، حصر النظام السوري عملياته العسكرية بالجيب الذي يسيطر عليه تنظيم داعش في حوض اليرموك، حيث فشلت قوات النظام في التقدم على مناطق سيطرة التنظيم. وذكرت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش»، أن التنظيم تمكن من إفشال هجوم قوات النظام على حوض اليرموك على محاور تلة عشترة وتلة الجموع ومحور جلين.
وذكرت وسائل إعلام النظام السوري أن قواتها سيطرت على كامل محافظة درعا، عدا منطقة حوض اليرموك التي تشكل 6 في المائة من مساحة درعا ككل. وأشارت إلى مواجهات عسكرية مستمرة في خطوة للتقدم على محور تل الجموع الاستراتيجي. وقالت مصادر دبلوماسية وأخرى معارضة إن طائرات روسية وسورية كثفت قصفها لمعقل لتنظيم داعش في جنوب غربي سوريا على الحدود مع الأردن وإسرائيل، وذلك بعد توغل المتشددين في مناطق هجرتها جماعات معارضة أخرى.
وأضافت المصادر أن قوات تابعة للتنظيم ومتحصنة في حوض اليرموك الذي يقع على الحدود بين الأردن وهضبة الجولان تصدت لهجوم بري شنه الجيش السوري وحلفاؤه.
وقال مصدر بالمخابرات لـ«رويترز» إن ما يتراوح بين ألف و1500 مقاتل بالتنظيم يحافظون على مواقعهم رغم حملة القصف المستمرة منذ عشرة أيام والتي أوضح أنها أصابت قرى وتسببت في خسائر «لا حصر لها» بين المدنيين.
وذكر شخص كان يسكن المنطقة ولا يزال على صلة بأقارب له أن آلاف المدنيين الذين تعرضت قراهم للقصف فروا إلى مناطق آمنة إما خاضعة للجيش أو للمعارضة. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن إن الطائرات الروسية نفذت مئات الغارات الجوية على حوض اليرموك خلال ثلاثة أيام، وهو ما أدى لنزوح أكثر من 20 ألف نازح لم يجدوا ملاذاً سوى مناطق سيطرة النظام ليهربوا إليها.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.