إضاءة على المنظمات الشيعية المقاتلة مع النظام السوري

بعضها بخلفيات قبلية... وولاؤها لإيران

ترحيب في بيروت بأنصار الميليشيات العائدين من الحرب في سوريا (إ.ب.أ)
ترحيب في بيروت بأنصار الميليشيات العائدين من الحرب في سوريا (إ.ب.أ)
TT

إضاءة على المنظمات الشيعية المقاتلة مع النظام السوري

ترحيب في بيروت بأنصار الميليشيات العائدين من الحرب في سوريا (إ.ب.أ)
ترحيب في بيروت بأنصار الميليشيات العائدين من الحرب في سوريا (إ.ب.أ)

أولى هذه المجموعات «لواء أبو الفضل العباس»، الذي انتشرت صور على شبكات التواصل الاجتماعي لبعض من أعضائه يتوغلون في منطقة داعل بمحافظة درعا، وأظهر شريط فيديو آخر قائد اللواء ماهر عجيب خلال جولة تفقدية لعدة قرى في المحافظة. ويشير خبير في الشؤون السورية إلى أن إيران أنشأت لواء «أبو الفضل العباس» في نهاية عام 2012، ويقوده حالياً ماهر عجيب جزا، وهو سوري من محافظة حلب، كقائد له، وكان هذا اللواء أول أشكال المقاومة في سوريا.
وفي السياق نفسه، يذكر مصدر آخر من داخل الفرع العراقي للمنظمة الذي يقوده الشيخ أوس الخفاجي، أنه تم إنشاء هذا الفصيل في البداية من العراقيين لحماية موقع مزار السيدة زينب الواقع في ضواحي دمشق.
في حين يُعتبر أن تأسيس المجموعة يُنسب إلى شخصين أحدهما أحمد كيارة واسمه الحقيقي أحمد حسن لعطواني، العراقي الأصل الذي عرف بانتمائه إلى «جيش المهدي» إبان الوجود العسكري الأميركي في العراق، الذي قُتِل في سوريا عام 2012. والشخص الآخر هو حسين عجيب جزا الذي قضى أيضاً في 1 يناير (كانون الثاني) 2013. وبدأ الفصيل عملياته أساساً ضمن شبكة قوات الدفاع الوطني ليدمج لاحقا في لواء الحرس الجمهوري 105. وقبل درعا، قاتل لواء «أبو الفضل العباس» أيضاً في حلب وخناصر (محافظة حلب)، وكنسبا (محافظة اللاذقية) وفي محافظة الرقة.
أما المجموعة الثانية التي تدعي أنها جزء من «المقاومة السورية» فهي «لواء ذو الفقار». ولقد نشرت المنظمة على حسابها على «الفيسبوك»، أنها قاتلت إلى جانب قوات النظام السوري، المنتشر في طفس وداعل بمحافظة درعا، ويبدو أن «لواء ذو الفقار» هو فرع من فروع لواء «أبو الفضل العباس» وكان يقوده شخص بارز آخر من التنظيم العراقي هو حيدر الجبوري (أبو شهيد). وعلى غرار «أبو الفضل العباس»، ادعى «لواء ذو الفقار» لدى تأسيسه في عام 2013 أنه «تم إنشاؤه لحماية المزارات الدينية»، ولا سيما «مزار السيدة زينب».
وأما المنظمة الثالثة، في درعا هي «لواء الباقر»، الذي يعرّف نفسه أيضاً بأنه عضو في المقاومة السورية. ووفقاً لصفحته على فيسبوك، نشر «لواء الباقر» في منطقة اللجاه.
وجرى تشكيل اللواء من قبل خالد مرعي بعد مقتل والده وشقيقه على يد الجيش السوري الحر. ويتكون هذا التنظيم بشكل رئيسي من قبيلة البكارة، وهي قبيلة قوية تمتد بين سوريا والعراق. وبعد وفاة خالد مرعي في عام 2016، توالى عدد من الأعضاء على قيادة المجموعة المتشددة مثل حمزة حسين أبو عباس الذي تولى قيادة «الرد السريع»، وشيرو علي باير، الذي كان مسؤولاً عن التنسيق، وعضو البرلمان السوري عمر حسن الذي تولى القسم السياسي، علماً بأن أعضاء هذه المجموعة تربطهم صلات قربة مع رئيس قبيلة البكارة نواف البشير. وجرى تسليط الضوء على جهود التشييع من قبل كثير من المواقع الإلكترونية مثل موقع «زمان الوصل» المؤيد للمعارضة، الذي ذكر أن أعضاء الحركة والعشيرة يتلقون تعاليم دينية من طهران. هذا وتعرض صفحة «فيسبوك» الخاصة بالمنظمة صورة كبيرة لزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله وعلي خامنئي، وهي تتعهد بـ«الولاء نصر الله وخامئني» في إيران، وفقاً لمصدر من الحركة.
كذلك أشارت صفحة «فيسبوك» أن أعضاء المنظمة تلقوا تدريباً من الحرس الثوري الإيراني، وتدّعي الحركة أنها قوة مساعدة للجيش النظامي، ولقد نشرت في جميع أنحاء سوريا، مع التركيز على شمال وغرب حلب وإدلب والحسكة ودير الزور، وأخيراً درعا.
وإلى جانب حلب، يبدو أن «لواء الباقر» يعمل في المنطقة الساحلية السورية، وفقاً لتقرير شعبان، وتوسّع منذ بداياته في عام 2017 نحو الصحراء السورية بينما تظهر الصور على حسابه على فيسبوك بعض عناصر من «لواء الباقر» تعمل في المنطقة الحدودية السورية مع العراق في بلدة بور كمال، التي كانت تحت سيطرة ما يسمى بـ«داعش».
وتعتبر هذه المنطقة أيضاً خط حدودي بين قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران والقوات المدعومة من الولايات المتحدة بالإضافة إلى قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الموجودة شمال خط ترسيم الفرات. أما من ناحية التعاون العسكري، فيفيد شعبان أن وسائل الإعلام في «لواء الباقر» تتباهى بالتنسيق المتواصل مع «حزب الله» اللبناني في القتال في جنوب ريف حلب، وبشكل أكثر تحديداً في منطقة العيس. وجرى الإعلان عن هذه العمليات بالتنسيق ليس فقط مع «حزب الله» ولكن أيضاً مع الميليشيا العراقية «حركة النجباء»، وفقاً للخبير.
وكان الزعيم السابق الحاج خالد قد شارك في حرب «تموز» 2006 مع «حزب الله» ضد إسرائيل، وفقاً لشعبان. هذه الحركات، التي كانت جميعها تنتمي بشكل واضح إلى إيران. وفي أبريل (نيسان) من هذا العام، ذكرت مجلة «لونغ وور» أن «لواء الباقر» حرّض النشطاء العسكريين والراديكاليين ضد الأميركيين وحلفائه في سوريا، وتعهد «بتحرير كل شبر من الوطن الغالي»، وحثّ السوريين الابتعاد عن مواقع وقواعد «المحتل الأميركي الجبان».
وجاء هذا البيان بعد هجوم وقع في الشهر نفسه على مصالح أميركية في قاعدة اللواء 93 ببلدة عين عيسى (محافظة الرقة) الذي استهدف بصاروخين.
أخيراً، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما سيكون جدول أعمال هذه المجموعات بعد نهاية المعارك ضد المعارضة في سوريا. هل هذا سيعلن نهاية قتالهم أو بداية قتال جديدة؟



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟