قضية ألمانية تفتح ملف مصير بيانات مشتركي «فيسبوك» بعد رحيلهم

القاعدة الأولى في قانون حماية المعلومات التقليل من حجم المعلومات الخاصة المنشورة في وسائل التواصل
القاعدة الأولى في قانون حماية المعلومات التقليل من حجم المعلومات الخاصة المنشورة في وسائل التواصل
TT

قضية ألمانية تفتح ملف مصير بيانات مشتركي «فيسبوك» بعد رحيلهم

القاعدة الأولى في قانون حماية المعلومات التقليل من حجم المعلومات الخاصة المنشورة في وسائل التواصل
القاعدة الأولى في قانون حماية المعلومات التقليل من حجم المعلومات الخاصة المنشورة في وسائل التواصل

قضى والدا فتاة ألمانية كانت تبلغ من العمر 15 عاماً عندما قُتلت بعد أن صدمها قطار، 6 سنوات يبحثان عن حقيقة ما حصل لابنتهما. هل كان مقتلها مجرد حادث، أم أنها أقدمت على الانتحار؟ هل كانت تتعرض لمضايقات من أقرانها وهما لا يدركان، أم أنها كانت تعاني من الاكتئاب؟ أسئلة كثيرة لم ينجح الأبوان في إيجاد أجوبة لها طوال هذه السنوات. فابنتهما لم تترك خلفها ما يدل على ما كان يدور في رأسها قبل وفاتها.
الإعلام الألماني واكب اللغز عن كثب، إلا أن الإجابة كانت مدفونة في موقع للتواصل الاجتماعي.
وحدها صفحتها على «فيسبوك» كانت تشكل أملاً بالنسبة لهما بإمكانية الولوج إلى عالم ابنتهما التي ضاعت. لكن «فيسبوك» رفض السماح لهما بالدخول إلى حسابها، وهو بروتوكول متبع مع حسابات المتوفين الذين يسمح لأهاليهم إما بإغلاق الصفحة نهائياً أو تحويلها إلى تذكار.
فلجأ الأبوان إلى المحاكم. وبعد أن فازا في أول حكم صدر عن محكمة في برلين عام 2015، عادا وخسرا حكم الاستئناف عام 2017 بعد أن اقتنعت المحكمة بحجج «فيسبوك» بأن خصوصية التواصل مضمونة في القانون الألماني.
وقبل أيام صدر الحكم النهائي من محكمة العدل الفيدرالية، أعلى محكمة يمكن اللجوء إليها في قضايا الميراث، سمح للأبوين بأن «يرثا» صفحة ابنتهما على «فيسبوك»، تماماً كما يرثان حاجياتها الأخرى. وبات أخيراً بإمكانهما الاطلاع على محتوى صفحتها، وربما إيجاد أجوبة شافية بحثا عنها طويلاً.
القاضي أورليك هيرمان، قال وهو يلفظ حكمه في القضية، إن «الرسائل والمذكرات تمرر إلى الورثة ولا يوجد أي داعٍ للتعاطي مع المحتوى الرقمي بشكل مختلف». وكانت هذه الحجة نفسها التي أقنعت الغرفة الأولى التي أصدرت قرارها عام 2015، والتي أضافت حينها أن للوالدين الحق في معرفة تفاصيل المحادثات التي كانت تجريها ابنتها؛ كونها قاصراً.
إلا أن هذا القرار الذي وصفه البعض بـ«التاريخي» أثار جدلاً حول التعاطي مع المعلومات المخزنة إلكترونياً بعد وفاة مالكها، ومخاوف من تعديها على الخصوصية التي يضمنها الدستور الألماني.
وأربك أيضاً القرار «فيسبوك» الذي عبّر عن عدم رضاه من الحكم. وقالت متحدثة باسم موقع التواصل الاجتماعي «نحن نتعاطف مع العائلة، لكن في الوقت نفسه، حسابات (فيسبوك) تستخدم للتبادل الشخصي بين الأفراد، ونحن لدينا مهمة بالحفاظ على خصوصيتها». وأضافت، أن المدة الطويلة التي استغرقها التوصل إلى حكم نهائي في هذه القضية «يظهر مدى تعقيد الموضوع المطروح». وقالت، إن «فيسبوك» سيحلل مضمون الحكم ليعرف «مدى انعاكاساته».
وقد يجبر «فيسبوك» بعد هذا القرار على تعديل شروط استخدامه فيما يتعلق بتوريث الصفحات بعد وفاة أصحابها، على الأقل في ألمانيا وأوروبا.
وتقول فيلما نيكلاس، محامية ألمانية في قانون الخصوصية، إن القرار «مفهوم ومنطقي؛ لأنه يتعاطى مع المعلومات المخزنة في (فيسبوك) كما يتعاطى مع المذكرات المكتوبة على ورق بالنسبة للميراث». وتضيف في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إنه لا يجب أن يثير مخاوف من «التعدي على الخصوصية الشخصية» للأشخاص بعد وفاتهم، وتقول «على العكس، فإن هذا الحكم يعطي للورثة الحق في تقرير ما سيحصل للمعلومات المخزنة عند (فيسبوك)، ولا يترك القرار بيد الشركة وحدها».
وتعتبر نيكلاس أن الحل الأمثل والقاعدة الأولى في قانون حماية المعلومات لمن «يقلق من إمكانية انتقال معلوماته الخاصة إلى ورثته، هو باتخاذ الاحتياط مسبقاً، والتقليل بأكثر قدر ممكن من حجم المعلومات الخاصة المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي».
وتضيف «كلما كانت هناك معلومات شخصية منتشرة في وسائل التواصل كان الخطر أكبر بإمكانية سرقتها واستغلالها». وتشير نيكلاس أيضاً إلى إمكانية تعديل شروط الخصوصية في «فيسبوك» وانتقاء خيار «حذف الصفحة» بعد الوفاة من دون السماح لأحد بالتصرف بها.


مقالات ذات صلة

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

العالم شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكتين لشركة «ميتا» متعطلتان لدى آلاف من المستخدمين في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تامونا موسيريدزي مع والدها (صورة من حسابها على «فيسبوك»)

بعد 40 سنة... سيدة تكتشتف أن والدها الحقيقي ضمن قائمة أصدقائها على «فيسبوك»

بعد سنوات من البحث عن والديها الحقيقيين، اكتشفت سيدة من جورجيا تدعى تامونا موسيريدزي أن والدها كان ضمن قائمة أصدقائها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»

«الشرق الأوسط» (تبليسي )
العالم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي (رويترز)

أستراليا تقر قانوناً يحظر وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم أقل من 16 عاماً

أقر البرلمان الأسترالي، اليوم (الجمعة) قانوناً يحظر استخدام الأطفال دون سن الـ16 عاما لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيصير قريباً أول قانون من نوعه في العالم.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
العالم يلزم القانون الجديد شركات التكنولوجيا الكبرى بمنع القاصرين من تسجيل الدخول على منصاتها (رويترز)

أستراليا تحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً

أقرت أستراليا، اليوم (الخميس)، قانوناً يحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».