طالبة مصرية تحترف {ماكير} الرعب والخدع السينمائية

أول ماكيت صنعته تسبب بنوبة فزع لأسرتها وجيرانها

طالبة مصرية تحترف {ماكير} الرعب والخدع السينمائية
TT

طالبة مصرية تحترف {ماكير} الرعب والخدع السينمائية

طالبة مصرية تحترف {ماكير} الرعب والخدع السينمائية

قبل نحو ثلاثة أعوام، فوجئ الأب والأم بابنتهما الصغيرة الطالبة بالمدرسة الثانوية تخرج من غرفتها بملابس متسخة حاملة في يديها رأساً بشرية غارقة في الدماء، يتوسطه سكين صغير مغروس في الوجه، قفز الوالدان من مقعديهما فزعَين، وتعالت صرخات الرعب التي وصلت إلى الجيران الذين تدفقوا إلى المنزل تباعاً، ووسط محاولات إبعاد الأطفال عن مشهد الدماء، حاولت الفتاة شرح الموقف وتوضيح أنه مجرد ماكيت، لكن صرخات الرعب تحولت إلى صيحات غضب، وجاء رد الأسرة حاسماً «لن تفعلي هذه الأشياء البشعة مرة أخرى».
واقعة الرأس البشرية التي تسببت في فزع الأسرة والجيران، كانت كاشفة بالنسبة للفتاة... فقد أدركت أنها موهوبة بالفعل، وأن تجاربها السرية التي كانت تخفيها عن أسرتها لم تضع هباءً، فقد كانت تغلق باب غرفتها يومياً، لتقوم بصنع نماذج بسيطة لجروح أو طعنات في الوجه باستخدام خامات ومواد بدائية.
تقول ديانا سمير (20 عاماً)، طالبة في السنة الثالثة بكلية السياحة والفنادق، جامعة حلوان، لـ«الشرق الأوسط»، «خلال حالة الرعب التي سيطرت على أسرتي والجيران عندما عرضت عليهم أول ماكيت قمت بتنفيذه أصابني الفزع من رد الفعل، فقد كان الموقف جنونياً، والجميع يصرخ في وجهي، وعندما دخلت إلى غرفتي بدأت في استيعاب الأمور، فأدركت أن ما أصابهم من رعب، يعني ببساطة أنني أمتلك موهبة، حاولت بعدها التحدث إلى أسرتي، لكنهم رفضوا أي نقاش، ومع إلحاحي وافقوا على أن أستمر في التدريب بشرط ألا أريهم ما أفعله، وألا يؤثر ذلك على دراستي، بعدها شاركت في الكثير من الدورات التدريبية الخاصة بماكير الرعب والخدع السينمائية، بجانب البحث والقراءة على الإنترنت».
وتضيف سمير «ظللت أتدرب على صنع النماذج في غرفتي دون أن أريها لأسرتي، وحافظت أيضاً على تفوقي الدراسي، فأنا الأولى على دفعتي منذ التحقت بكلية السياحة والفنادق، وأسعى إلى أن أكون الأولى في العام الدراسي الحالي، وأيضاً العام الأخير، وقد تغير موقف أسرتي تماماً من الرفض إلى الدعم والتشجيع عقب مشاركتي في الكثير من الأفلام السينمائية والمسرحيات، بجانب عملي ماكير في الأنشطة الفنية التي تنظمها الجامعة».
واجهت ديانا تحدياً آخر مع أصدقائها وزملائها في الجامعة، وتحولت إلى موضوع للحوار خلال التجمعات الطلابية، وطاردتها تساؤلات كثيرة: كيف لفتاة مثلها أن تتعامل مع هذه الأشكال المرعبة ومشاهد الدماء؟... ومثلما تغير موقف عائلتها، تكرر الأمر نفسه مع أصدقائها وزملائها عقب مشاركتها في بعض الأعمال الفنية، بل إنها بدأت في تنظيم دورات وورش تدريبية لزملائها ضمن الأنشطة الجامعية.
تقول ديانا سمير «لم ألتفت لانتقادات وتحفظات زملائي وأصدقائي في الجامعة، فأنا أحب أفلام الرعب منذ صغري، وحاولت أن أشرح لهم أنها ليست دماء حقيقية، بل مجرد ماكيت وعمل فني كأي فن آخر، وكنت سعيدة بتغير موقفهم، حيث شهدت دورات ماكير الرعب والخدع السينمائية التي نظمتها بالجامعة إقبالاً كبيراً، كما طلب مني الكثير من الأصدقاء في كليات أخرى تولي عمل ماكير لمشروعات تخرجهم الفنية».
وتضيف «خلال التدريب أو صنع نماذج خاصة بي، أستخدم مكونات أصنعها من مواد بسيطة لا تكون مضرة بالبشرة، كالدقيق وعجينة البيتزا والطحينة لتشكيل الماكيت الأساسي، وتحديد شكل الجرح، وأستخدم خلطة من سكر الجلوكوز والشيكولاته والجيلاتين لتعطي لون الدماء، وفي حالة عملي في فيلم أو مسرحية أقوم بشراء المواد الخام من الخارج عبر الإنترنت؛ لأنها غير موجودة في مصر».
وعن تطلعاتها في مهنتها، تقول ديانا «أحلم بالعمل في فيلم رعب مصري بإنتاج كبير على غرار الأفلام الأميركية، ورغم أن لدي فرصة جيدة للتعيين معيدة بالجامعة بسبب تفوقي، فإنني أنوي أيضاً احتراف مهنة ماكير الرعب والخدع السينمائية عقب تخرجي، فأنا أحب ما أقوم به وأشعر بأنه يمكنني أن أحدِث فرقاً ما، ولا ألتفت للانتقادات التي ما زلت أقابلها أحياناً، فعندما أتعرف بشخص ما ويعرف مهنتي يصاب بالفزع».



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.