قبل تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بدأت التساؤلات تكثر حول ما إذا كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (81 عاما) سيترشح لولاية خامسة، وهي فرضية يرجحها المحللون بكثرة هذه الأيام في ظل دعوات كثيفة له من معسكره للترشح.
يقول محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا أطال الله في عمره، فسيترشح بوتفليقة بالتأكيد لولاية خامسة». فيما يؤكد دبلوماسي أجنبي في الجزائر أن ولاية خامسة لرئيس الدولة الحاكم منذ 1999، وحامل الرقم القياسي في طول فترة الحكم على رأس الدولة الجزائرية، أصبحت أمراً شبه مؤكد بالنسبة للأوساط السياسية الغربية.
من جهته، يقول بيار فيرمرين، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة «باريس 1» إن «كل المؤشرات الخارجية تدل على أن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص تحظى بنفوذ قوي، وتجود في أعلى هرم الدولة الجزائرية، تدفع في اتجاه إعادة انتخاب الرئيس».
ويضيف الخبير المتخصص في شؤون المغرب العربي أن مجموعات دينية ومحلية وثقافية، وأحزابا سياسية تبدو «مهمشة بالكامل، فيما يبدو أنه ليست هناك أي سلطة مضادة في رأس الدولة».
وحول احتمال ألا يترشح بوتفليقة لرئاسية 2019، يشير البروفسور هناد إلى حالتين فقط يمكن للرئيس المنتهية ولايته ألا يترشح بسببهما: «إذا انسحب (من الحياة السياسية)، وهي فرضية مستبعدة، أو إذا تم إعلانه غير قادر على أداء مهامه قبل الانتخابات، وهو أمر غير وارد في الوقت الراهن»، رغم حالته الصحية المتردية، حيث يثير الوضع الصحي للرئيس تكهنات عدة، خصوصا منذ أصبح ظهوره نادرا بعد إصابته بجلطة دماغية في 2013 أقعدته على كرسي متحرك، وأثرت على قدرته في الكلام. لكن هذا الأمر لم يمنع حزبه (جبهة التحرير الوطني)، وأبرز حليف له (التجمع الوطني الديمقراطي)، من مطالبة الرئيس باستمرار «بمواصلة مهامه». وليس هذا فحسب، بل تبعهما أيضا في هذه الدعوة إسلاميو «تجمع أمل الجزائر»، وحلفاء آخرون والمركزية النقابية. وحول هذه النقطة خاصة يقول فيرمرين: «ما تمت محاولته ونجح (سابقا)، قد يعاد مجددا»، مذكرا بـ«السابقة التي حصلت في الحملة الرئاسية الماضية خلال 2014، التي قام بها مقربون من بوتفليقة الذي لم يظهر علنا، ومع ذلك تمّ انتخابه بنسبة عالية جدا بلغت 81.5 في المائة من الأصوات».
بالنسبة للأصوات المعارضة لترشح بوتفليقة، يرى خبراء ومتابعون للشأن المحلي أن المعارضين أصبحوا أيضا على قناعة بأن تولي الرئيس ولاية خامسة أصبح أمرا شبه حتمي. وفي هذا السياق، يرى سفيان جيلالي، رئيس حزب «الجيل الجديد»، وأحد أبرز معارضي الولاية الخامسة المرجحة، أنه «ليس هناك من شك بأن بوتفليقة يريد إنهاء أيامه في السلطة»، والدعوات الصادرة عن المعسكر الرئاسي تهدف إلى «منع أي ترشيحات أخرى محتملة».
وتأتي إقالة المدير العام للأمن الوطني عبد الغاني هامل من منصبه مؤخرا بشكل مفاجئ، ودون تحديد سبب لهذه الإقالة، لتذكر أيضا بالتعديلات في صفوف أجهزة الاستخبارات القوية في البلاد، وذلك قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية في 2014.
وبهذا الخصوص يقول الدبلوماسي الأجنبي «إنها حملة ترتيب البيت الداخلي قبل الانتخابات»، معتبرا أن إقالة هامل كانت بهدف القضاء على طموحات هذا الرجل، الذي اعتبر في أحيان كثيرة أحد المرشحين المحتملين لخلافة رئيس الدولة.
ويرى حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، أنه «من خلال إقالة هامل، فقد أكد الرئيس بوتفليقة مجددا أنه هو الرئيس، وهو وحده»، معتبرا أن ذلك شكل «بداية معجلة للحملة الرئاسية».
بهذا الخصوص يلفت بيار فيرمرين إلى أن «كوادر الرئاسة النافذين» أقدموا على «تحييد أو تحجيم دور الجيش وأجهزة الاستخبارات»، التي كانت نافذة جدا، و«صانعة ملوك في السابق» في الجزائر.
وإذا ترشح لولاية خامسة حتى مع تراجع صحته، فإن فوز بوتفليقة يبدو محسوما تقريبا، لكونه يعتبر مهندس الوئام المدني والمصالحة الوطنية ما بعد الحرب الأهلية (1992 - 2002). وعلى رغم أن الولاية الرابعة شهدت صعوبات اقتصادية واجتماعية مؤلمة في بلد يعاني اقتصاده من تدهور أسعار النفط، وبطالة مرتفعة في صفوف الشباب (30 في المائة)، فإن «الجزائريين يريدون تجنب المغامرة السياسية، أو الفوضى التي عاشوها، بأي ثمن»، في إشارة إلى «العقد الأسود»، الذي نشأ عن إلغاء الجيش عام 1992 الانتخابات التشريعية التي فاز بها الإسلاميون»، حسب تصريحات فيرمرين.
ويرى كثير من المحللين أخيرا أنه، سواء ترشح بوتفليقة أم لا، فإن هذا الأمر لا يغير في النهاية أمورا كثيرة لأن النظام القائم مصيره الاستمرار لفترة طويلة.
وبهذا الخصوص أكد جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أن الكلمة الفصل تعود إلى بوتفليقة «الذي لم يرد بعد على طلبنا مواصلة مهمته».
لكن في سنة 2014 لم يعلن بوتفليقة ترشيحه إلا قبل شهرين من الانتخابات.