تراجع ديون روسيا الخارجية... وسوقها المالية تترقب انعكاسات «قمة هلسنكي»

الحكومة تعمل على زيادة حجم الاستثمار في الناتج الإجمالي

تواصل الحكومة الروسية خطواتها الرامية إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي
تواصل الحكومة الروسية خطواتها الرامية إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي
TT

تراجع ديون روسيا الخارجية... وسوقها المالية تترقب انعكاسات «قمة هلسنكي»

تواصل الحكومة الروسية خطواتها الرامية إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي
تواصل الحكومة الروسية خطواتها الرامية إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي

قال البنك المركزي الروسي إن حجم الدين العام سجل تراجعاً خلال النصف الأول من العام الحالي، وبلغت وتيرة تراجع حجم الديون السيادية أقصى درجة منذ عام 2015، في غضون ذلك تبقى مسألة النمو الاقتصادي موضوعاً رئيسياً تعمل عليه الحكومة، وأعلنت في هذا السياق عن سعيها لزيادة حجم الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي، هذا بينما تترقب الأسواق نتائج قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي اليوم، وسط إجماع في أوساط المحللين الاقتصاديين بأن مجرد انعقاد القمة حدث إيجابي بالنسبة للسوق الروسية، وأن تأثير النتائج، سلبية كانت أم إيجابية، سيكون قصير الأجل على الاقتصاد الروسي.
ونشر البنك المركزي الروسي على موقعه الرسمي تقريراً قال فيه إن حجم ديون روسيا الخارجية تراجع في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 6.6 في المائة (مقارنة بالربع الأول)، وبلغت في 1 يوليو (تموز) 485 مليار دولار. وأضاف التقرير أن مؤسسات إدارة الدولة خفضت ديونها الخارجية بنسبة 17 في المائة، أو 49.7 مليار دولار، منها 31.5 مليار دولار عبارة عن أوراق مالية بالروبل الروسي، و16.6 مليار دولار أوراقاً مالية بالعملات الأجنبية.
كما تراجع حجم ديون القطاع المصرفي بنسبة 9.3 في المائة، حتى 95.4 مليار دولار، أما المركزي الروسي فتراجعت ديونه حتى 15.6 مليار دولار، أو بنسبة 25.1 في المائة. وكذلك تراجع دين القطاع الحقيقي حتى 327.9 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث قلصت الشركات ديونها على القروض، وديونها في السندات المالية أمام المستثمرين المباشرين، إلا أنها، أي الشركات، زادت ديونها الأخرى (لم يوضح التقرير طبيعة تلك الديون) بمرتين ونصف المرة، أو بنحو 6.2 مليار دولار.
وبشكل عام يبقى دين روسيا الخارجي عند مستويات منخفضة، وهو ما يشكل أحد مؤشرات الاستقرار الاقتصادي الكلي الروسي، وفق تقرير أعده «بنك أوف أميركا» حول الوضع الاقتصادي في الدول النامية.
وتواصل الحكومة الروسية خطواتها الرامية إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي، وأعلنت خلال اجتماعها مؤخراً عن الموافقة على خطة وضعتها وزارة التنمية الاقتصادية، تنص على زيادة حجم الاستثمارات في رأس المال الأساسي حتى 25 في المائة، بحلول عام 2024. وفي عرضه لتلك الخطة قال وزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين، إن تحقيق نمو اقتصادي مستدام على المدى البعيد بنسبة 3 إلى 3.5 في المائة، يتطلب من روسيا بالضرورة زيادة حجم الاستثمارات بنسبة 24 إلى 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وعبر عن قناعته بأن «زيادة حجم الاستثمارات في بنى الناتج المحلي الإجمالي بقدر 4 نقاط، يعني تغيرات ملموسة في بنى الإنفاق في الاقتصاد، من الإنفاق الجاري إلى الإنفاق الاستثماري».
وبلغ حجم الاستثمارات في الاقتصاد الروسي العام الماضي 21 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ مستوى 1.5 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، وفق تقديرات وزارة التنمية الاقتصادية.
ويعد تقليص دور الدولة في الاقتصاد خطوة رئيسية، وترى الوزارة أنها ضرورية لزيادة الاستثمارات، وتدعو بصورة خاصة إلى «انسحاب البنك المركزي من رؤوس أموال المصارف التي تخضع لعمليات إنقاذ وإنعاش، ومواصلة عمليات بيع حصة الدولة في الشركات الكبرى، إلى جانب تسريع عمليات الخصخصة الصغيرة». فضلاً عن ذلك تنص الخطة على تهيئة مناخ استثماري مريح في البلاد، يدفع الشركات لتوسيع استثماراتها، والمواطنين لزيادة حجم مدخراتهم.
وكشف أوريشكين عن «إطلاق آليات جديدة لتحسين أجواء عمل الاستثمار. وتم تشكيل 15 فريق عمل لإعداد نحو 600 اقتراح في هذا المجال».
تأتي هذه المستجدات في وقت لم يتخلص فيه الاقتصاد الروسي، من «حساسيته» العالية تجاه المشهد الجيو سياسي، لا سيما العلاقات مع الولايات المتحدة، وتأثير العقوبات التي فرضتها ضد قطاعات حساسة من الاقتصاد الروسي. ولهذا تولي الأوساط البحثية والاقتصادية الروسية اهتماماً لافتاً بالقمة الأولى المتكاملة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب، في العاصمة الفنلندية هلسنكي اليوم. وبرز إجماع في أوساط المحللين الاقتصاديين بأن «صعوبة توقع نتائج القمة يجعل من الصعب توقع طبيعة تأثيرها على دينامية الاقتصاد الروسي... إلا أن انعقاد القمة بحد ذاتها مؤشر إيجابي للسوق الروسية. مع ذلك فإن التأثير الاقتصادي لنتائج القمة، أياً كانت طبيعته، سلبياً أم إيجابياً، سيكون قصير الأجل». وتقبلت سوق الأوراق المالية في روسيا بارتياح الأنباء حول تحديد موعد ومكان القمة، «وتستمر منذ شهر تقريباً موجة صعود في مؤشرات البورصة، بما في ذلك مؤشرات بورصة موسكو»، وفق ما أكد المحلل المالي قسطنطين بوشوييف.
ويرى يغور سوسين، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في «غاز بروم بنك»، أن «السوق الروسية ستتعامل بإيجابية مع واقع انعقاد القمة بين الرئيسين، ولذلك يمكن أن نتوقع تقلبات قصيرة الأجل في السوق». أما فلاديمير روجانكوفسكي، فقد قال في حديث لوكالة «ريا نوفوستي»، إن الروبل الروسي استقر؛ وفي ظل غياب ما يشير إلى حزمة جديدة غير متوقعة من العقوبات الغربية ضد روسيا «فإن السوق الروسية مقبلة على فترة من الهدوء، لكنها ستكون قصيرة الأجل»، وحذر في الوقت ذاته من أن «هيمنة مثل تلك الأجواء من الهدوء على السوق قد تكون خادعة، نظراً لأن جدول أعمال قمة بوتين - ترمب يشمل ملفات اقتصادية معقدة لا يتوقع أي تقدم حولها، مثل ملف (سيل الشمال - 2) لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.