قال النجم الإسباني بويان كركيتش وهو مستلقٍ على أريكة بشرفة تطل عليها الشمس وقت الغروب بمدينة فيتوريا بشمال إسبانيا: «أعاني من مشكلة ما، لكني أعشق كرة القدم وهي كل حياتي». وقد لعب كركيتش في خمسة بلدان مختلفة، من بينها إسبانيا، حيث بدأ اللعب مع فريق برشلونة وأصبح أصغر لاعب في تاريخ نادي برشلونة يلعب في الدوري الإسباني الممتاز، ثم انتقل إلى روما الإيطالي ومنه إلى ميلان ثم أياكس أمستردام الهولندي. وفي 2014، انتقل كركيتش إلى ستوك سيتي الإنجليزي قبل أن ينتقل إلى ماينز الألماني على سبيل الإعارة، والآن يلعب مع نادي ديبورتيفو ألافيس الإسباني.
حصل كركيتش على لقب الدوري المحلي أربع مرات، والدوري الأوروبي مرتين، كما حصل على بطولة كأس العالم ولعب إلى جوار مجموعة من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم. وسجل كركيتش أهدافاً في الدوري الإسباني الممتاز والدوري الإيطالي والدوري الهولندي والدوري الإنجليزي والدوري الألماني، ويشعر بالفخر الشديد لأنه نجح في تحقيق ذلك. لكنه مع ذلك يواجه مشكلة غريبة من نوعها تتمثل في أنه تعرض لضغوط هائلة وهو في سن السابعة عشرة من عمره بسبب التوقعات الهائلة التي كان ينتظرها منه الجميع بسبب أدائه اللافت وهو في سن صغيرة في أكاديمية الناشئين بنادي برشلونة الإسباني.
وكان السؤال المطروح هو «هل فكر كركيتش في اعتزال كرة القدم ككل بسبب هذه الضغوط؟»، ولم ينكر اللاعب الإسباني الشاب أنه فكر في ذلك بالفعل، لكن عشقه لكرة القدم هو الذي منعه من ذلك. ونجح كركيتش في التغلب على نوبات القلق التي حرمته من صناعة التاريخ مع المنتخب الإسباني، لكنه لا يزال يتحدى التوقعات المحيطة به والكثير من الأشياء الأخرى المتعلقة باللعبة. وكان هذا هو أحد الأسباب التي جعلته يفضل اللعب في إنجلترا. لقد رأى كركيتش ناديه ستوك سيتي وهو يهبط من الدوري الإنجليزي الممتاز من بعيد لأنه كان يلعب في الدوري الإسباني على سبيل الإعارة، وأشار إلى أن جمهور ستوك سيتي كان مقتنعاً بأن النادي بدأ يكتسب هوية جديدة ويلعب كرة القدم بشكل أفضل، وهو الشيء الذي وصفه بأنه «نصر كبير»، لكنه أعرب عن أسفه من لحظة عودة الفريق مرة أخرى إلى دوري الدرجة الأولى.
وأشار اللاعب الإسباني الشاب إلى وجود شكل من أشكال «النقاء» في إنجلترا، قائلاً: «هناك عبارة تتردد دائما تقول: كرة القدم، كم كنتِ جميلة في الماضي، حيث لم يكن هناك وسائل للتواصل الاجتماعي، وكانت كرة القدم بطبيعتها، وهذا هو الشعور الذي انتابني في إنجلترا التي ما زالت تحتفظ برائحة كرة القدم الأصلية وروحها».
وربما لم يكن من الغريب أن نستمع لكركيتش وهو يقول إنه عندما يعتزل كرة القدم فإنه يتمنى أن يعمل في مجال تعليم كرة القدم ونواحي الحياة المختلفة للاعبين الشباب. ويمكن لكركيتش أن يتحدث في هذه الأمور من واقع تجربته وخبراته الكبيرة. وعندما انضم كركيتش إلى ستوك سيتي كان في الثالثة والعشرين من عمره، ولا يزال عمره 27 عاماً فقط، لكنك تشعر بأنه قد مر وقت طويل منذ أول ظهور له في برشلونة. لقد سجل النجم الإسباني الشاب 900 هدفاً في أكاديمية الناشئين بنادي برشلونة ويقول عن ذلك: «هذا شيء يلاحقني طوال مسيرتي الكروية». وقد شارك كركيتش في الدوري الإسباني الممتاز بعد أسبوعين فقط من احتفاله بعيد ميلاده السابع عشر، ليصبح بذلك أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يشارك في الدوري الإسباني الممتاز، محطماً الرقم المسجل باسم اللاعب الذي كان من المفترض أن يسير على منواله، وهو النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي.
يقول كركيتش: «لقد حدث كل هذا بسرعة شديدة. فيما يتعلق بقواعد كرة القدم، فقد سارت الأمور بشكل جيد، لكن لم تكن كذلك على المستوى الشخصي بالنسبة لي؛ إذ كان يتعين عليّ أن أتكيف مع ذلك، ويقول الناس إن مسيرتي لم ترتق إلى حجم التوقعات والآمال. عندما بدأت ألعب بدأ الجميع يصفونني بأنني ميسي الجديد. حسناً، إنه لأمر جيد أن تقارن بنجم كبير مثل ميسي، لكن ما الشيء الذي تتوقعه مني في عالم كرة القدم؟». وأضاف: «هناك الكثير من الأشياء التي لا يعرفها الناس. أنا لم أشارك مع منتخب إسبانيا في نهائيات كأس الأمم الأوروبية عام 2008 بسبب مشكلات تتعلق بشعوري بالقلق، لكننا أخفينا ذلك وقلنا إنني سأذهب في عطلة. وقد استدعيت للانضمام إلى قائمة منتخب إسبانيا لمواجهة فرنسا في أول مشاركة دولية لي، لكني تعرضت لنوبة قلق جديدة وقلنا إنني مصاب بالتهاب في المعدة. لكن لا أحد يريد أن يتحدث عن ذلك، وكرة القدم لا تبالي بمثل هذه الأمور».
دعونا نتحدث عن ذلك الآن، لأن هذا شيء مهم للغاية. يقول كركيتش: «تغيرت حياتي بالكامل عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، فقد شاركت في نهائيات كأس العالم تحت 17 عاما في يوليو (تموز) ولم يكن أحد يعرفني. وعندما عدت، لم يكن بإمكاني حتى السير في الشارع. وبعد بضعة أيام، شاركت لأول مرة في الدوري الإسباني الممتاز أمام أوساسونا، ثم لعبت في دوري أبطال أوروبا بعد ذلك بثلاثة أو أربعة أيام، ثم أحرزت هدفاً في مرمى فياريال، قبل أن يتم استدعائي للانضمام إلى المنتخب الإسباني الأول في فبراير (شباط) 2008. كان هذا شيئاً جيداً، لكن رأسك يمتلئ بالكثير من الأشياء حتى تصل للحظة يقول فيها جسدك (توقف)».
وأضاف: «يؤثر القلق على كل شخص، لكن بطريقة مختلفة عن الآخر. لقد تحدثت إلى شخص يشعر بأن قلبه ينبض 1000 مرة في الدقيقة الواحدة. أما بالنسبة لي، فكنت أشعر بدوخة وبأنني مريض، وكنت أعاني من ذلك بشكل مستمر لمدة 24 ساعة في اليوم». وقال كركيتش وهو يشير إلى رأسه: «كان هناك ضغط قوي هنا لا يبتعد عني مطلقاً. كنت على ما يرام عندما ذهبت إلى غرفة تغيير الملابس في مباراة فرنسا، لكنني بدأت أشعر بهذه الدوخة القوية والذعر ووضعوني على مقاعد البدلاء. كانت تلك هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لذلك، لكن المشكلة تكررت مرة أخرى. وقد تلقيت دواءً وعلاجاً نفسياً للتغلب على الحواجز التي أقمتها وعلى الشعور بالخوف. بدأت هذه المشكلة في فبراير واستمرت حتى الصيف. وعندما حان موعد إقامة بطولة كأس الأمم الأوروبية قررت ألا أذهب، واضطررت إلى عزل نفسي».
وأضاف: «كان الجميع في الاتحاد الإسباني لكرة القدم يعرفون ذلك، والأمر نفسه ينطبق على المدير الفني للمنتخب آنذاك لويس أراغونيس والمدير الرياضي فرناندو هييرو. كان هييرو يبعث لي برسائل كل أسبوع يسأل فيها عن حالتي، واتصل بي قبل يوم واحد من إعلان القائمة النهائية المشاركة في البطولة وقال لي إنهم سوف يستدعونني للقائمة. كنت في السيارة في طريقي للتدريبات، وقلت له إنني لا أستطيع الانضمام للمنتخب، رغم أنني أعرف أن هذا شيئاً مؤلماً. وصلت إلى ملعب كامب نو وكان كارليس بويول هناك وقال لي بويان، سأكون بجانبك دائماً وسأعمل على مساعدتك. لكنني قلت له إنني لا أستطيع، لأنني ما زلت أتلقى العلاج ولم أشف بعد. وفي اليوم التالي، رأيت عنواناً رئيسياً بإحدى الصحف يقول: منتخب إسبانيا يستدعي بويان، وبويان يرفض الانضمام».
وقال اللاعب الإسباني الشاب: «لقد قتلني هذا العنوان؛ لأنه صورني وكأنني لست مهتماً بالانضمام إلى منتخب بلادي. أتذكر أنني كنت في مدينة مايوركا وتعرضت للإهانة من جانب عدد من الأشخاص، الذين لا يعرفون شيئاً عما حدث ويعتقدون فقط أنني لا أرغب في اللعب لمنتخب إسبانيا. كان ذلك صعباً للغاية، على الرغم من أنني في هذه المرحلة لم أكن أهتم بما يقوله الناس. لكن الشيء الذي جعلني أشعر بالألم هو أن هذا العنوان قد تم تسريبه من أفراد بالاتحاد الإسباني لكرة القدم. كيف تستدعيني للانضمام إلى المنتخب وأنت تتحدث معي في اليوم السابق وتعرف الحالة التي أنا عليها؟ وكيف يتسرب ذلك لوسائل الإعلام؟ لقد جعلني ذلك أشعر بأنني وحيد. ولا يزال هناك أشخاص يسألونني حتى الآن عن سبب عدم انضمامي إلى المنتخب الإسباني في ذلك الوقت».
وعندما سُئل كركيتش عن الأسباب التي جعلته لم يخرج في ذلك الوقت لتوضيح ما حدث، رد قائلاً: «كنت أشعر بالخوف، وكنت مريضاً ومرتبكاً. لم أكن أعرف ما الذي يتعين عليّ القيام به. أتذكر أنني أجريت مقابلة تلفزيونية مع القناة الخاصة بنادي برشلونة قلت فيها إنني في حاجة إلى الحصول على عطلة. كنت أعلم أنه لم يكن من المناسب الحديث بهذا الشكل، لكن في هذه السن الصغيرة لم أكن أعرف ما الذي يتعين علي القيام به بالضبط، وكانت المشكلة قد حدثت بالفعل. حاولنا فقط تهدئة الأمور، وشعرت بأنه يتعين عليّ الهرب بأي طريقة ممكنة. وبعد مرور نحو عشر سنوات، أفكر فيما حدث وأرى أن رد الفعل لم يكن مفاجئاً؛ فالكل في كرة القدم يرفض الاعتراف بأن الأمور لا تسير على ما يرام، وأهم شيء بالنسبة لهم أن يقولوا إن كل شيء جيد، فهم يتسترون على المشكلات ويرفضون الحديث عنها».
وأضاف: «الجرح لم يندمل بعد، وما زال ينزف، ويذكرني بما حدث في بعض الأحيان. لقد كنت صغيراً، وتغلبت على الأمور بسرعة، لكنني تعرضت لأضرار كبيرة من الناحية الإعلامية ومن حيث الطريقة التي يراني بها الناس». لقد كان ينظر إلى كركيتش على أنه سيكون أهم لاعب في جيله في إسبانيا. وفي غيابه، لعب المنتخب الإسباني أهم وأنجح حقبة في تاريخه. وبعد أربع سنوات، رحل كركيتش عن «كامب نو» ولعب لستة أندية خلال سبعة مواسم منذ ذلك الحين.
يقول كركيتش عن ذلك: «كان من السهل أن أستمر مع برشلونة ولا ألعب بشكل مستمر، لكن كان يتعين علي الرحيل إلى مكان آخر. ربما كان يتعين علي أن أكون أكثر صبرا في بعض الأحيان، لكنني كنت دائما ما أتخذ قرار الرحيل من أجل اللعب بشكل مستمر. لقد انطلقت في طريقي في إيطاليا وهولندا وألمانيا وإنجلترا، لكن الجميع ينظر إلى الفترة التي قضيتها في برشلونة، ولا يقدر الناس ما أقوم به، ودائماً ما يقولون: لنرَ ما إذا كان بويان سيعود إلى أفضل مستوى له! لكن السؤال الآن هو: ما أفضل مستوى الذي يتحدثون عنه؟ لقد وصلت إلى هذا المستوى في كل موسم، وأحياناً بشكل متواصل وأحياناً أخرى على فترات متقطعة، لكنني دائماً ما ألعب بشكل جيد».
وتابع: «شيء واحد قاله لي الناس، وهو أنني كلما أصبحت أسوأ من الناحية الأخلاقية أصبحت أفضل داخل الملعب، لكنني لا أستطيع القيام بذلك. وحتى عندما حاولت القيام بأشياء بغيضة داخل الملعب مثلما نصحوني، أصبحت سيئاً تماماً». وفي التدريبات بنادي ديبورتيفو ألافيس، عندما تم الدفع بكركيتش ولاعب برشلونة السابق منير الحدادي في الفريق نفسه معاً، صرخ قائد الفريق قائلا: «انظروا، هناك أربعة ألقاب لدوري أبطال أوروبا هنا»، في إشارة إلى البطولات الأوروبية التي حصل عليها اللاعبان عندما كانا يدافعان عن ألوان نادي برشلونة.
يقول كركيتش مبتسماً: «بعد الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2009، كنت أتحدث مع النجم الفرنسي تييري هنري، الذي قال لي إنه انضم إلى نادي برشلونة لكي يفوز بأول بطولة لدوري أبطال أوروبا. وقلت لنفسي وقتها: يا إلهي، هذا اللاعب الفذ حصل على أول بطولة لدوري أبطال أوروبا وهو في الثلاثين من عمره، أما أنا فقد حصلت عليها وأنا في الثامنة عشرة من عمري. هناك لاعبون لم يلعبوا مباراة واحدة في دوري أبطال أوروبا؛ لذلك فأنا أشعر بأنني محظوظ للغاية». وأضاف: «الشيء الأكثر أهمية ليس الحصول على البطولات والألقاب، لكن أهم شيء هو اكتساب الخبرات من الأجواء التي تعيشها، وما يبقى في قلبك وما تعرفه وما تعيشه؛ لأنه لا يمكن لأي شخص أن يسرق منك ذلك. وسوف تنسى هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثون عنك بشكل سيئ. وإذا كان فيكتور فالديز، الذي يعد أعظم حارس مرمى في تاريخ برشلونة، قد نُسي، فكيف لا ينسونني؟ وبعد ذلك، لن يبقى سوى الشعور بالفخر والكبرياء وتلك اللحظات الفريدة من نوعها التي لم يعشها الكثير من اللاعبين». وتابع: «أنا أعشق كرة القدم ولا يمكن لأي شخص أن يأخذ ذلك مني. أنا فخور بمسيرتي الكروية وفخور بما عشت، وحتى لو كانت هناك لحظات صعبة، بما في ذلك هذا العام، فيجب عليك أن تكون قوياً. سأحب كرة القدم دائماً، وسأواصل العمل وأنا ما زلت صغيراً في السن. وسأستمتع باللعب، وليس لدي أي نية للتوقف».
كركيتش: الجماهير الإسبانية ظلمتني ولا تعرف حقيقة مرضي النفسي
المهاجم الفذ يعزو رفضه اللعب لمنتخب بلاده ورحيله عن برشلونة إلى إصابته بنوبات قلق مزمنة
كركيتش: الجماهير الإسبانية ظلمتني ولا تعرف حقيقة مرضي النفسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة