«نحن طرابلس» تجمع على «فيسبوك» للتضامن مع المدينة

مئات شاركوا في اليوم الاغترابي الطويل

طرابلس تستعد لاستقبال المغتربين
طرابلس تستعد لاستقبال المغتربين
TT

«نحن طرابلس» تجمع على «فيسبوك» للتضامن مع المدينة

طرابلس تستعد لاستقبال المغتربين
طرابلس تستعد لاستقبال المغتربين

منذ الساعة السادسة من صباح أمس، كانت «الماشية»، وهي الحديقة الصغيرة التي تتوسط طرابلس، تستعد لاستقبال المغتربين، في اليوم الكبير الذي خططوا لإحيائه في مدينتهم، كل منهم قادم من مغتربه الذي هاجر إليه قسراً أو طوعاً: من جدة والرياض ودبي وأبوظبي، ومن مونتريال ولندن وباريس وكاليفورنيا ونيويورك، من مختلف أصقاع العالم، ضربوا لأنفسهم موعداً في هذا اليوم التضامني مع مدينتهم. من أتى شارك، ومن لم يتمكن من تلبية النداء كانت وسائل التواصل وسيلته ليعيش لحظة بلحظة، عبر الفيديوهات التي كانت تبث مباشرة وقائع هذا اليوم الذي ساهمت في إحيائه البلدية وجمعيات مدنية، وكذلك التجار الذين قرروا أن يكونوا حاضرين يوم عطلة في متاجرهم لاستقبال الزوار.
بدأ يوم المغتربين الذين تجمعوا بالعشرات وأولادهم، صغاراً وكباراً، بنزهة باكرة على الدراجات، ثم التقوا في الماشية، التي استقبلتهم فيها الجمعيات والكشافة، وكذلك صناع الحرف وبائعو الزهور، ورقص الدبكة والموسيقى. احتفى المغتربون الذين بدوا سعداء بلقائهم، وقد التحق بهم أصدقاء ومحبون أرادوا الترحيب بالمبادرة. وخلال النهار الطويل الذي تضمن جولة في الأسواق المملوكية القديمة، وشروحات حول الأهمية التاريخية لكل معلم، توثقت عرى التعارف التي بدأت تجمعاً فيسبوكياً صغيراً، ولجنة تأسيسية من أفراد يعيش كل منهم في بلد مختلف.
الدافع الأول لهذا التجمع هو مساعدة المدينة، من خلال تعاضد الطاقات الموجودة في الداخل وفي المغترب، لحل الأزمات المتلاحقة والمتراكمة. فطرابلس من المدن الفقيرة في لبنان، وتعاني البطالة كما الشلل الاقتصادي، وجاءت أخيراً أزمة جبل النفايات الذي يرتفع بالقرب من مينائها، ولا يزال يبحث عن حل.
ونشطت المجموعة لجمع تواقيع من آلاف المواطنين على عريضة تدعو لحل نهائي لمشكلة النفايات في المدينة، كما جالت مجموعة منهم على مسؤولين ونواب ووزراء المدينة، وجمعت تواقيعهم على تعهد بحل المشكلة، والسعي لإيجاد خواتيم لها.
وعلى أجندة «نحن طرابلس» رحلة إلى جزيرة الأرانب، في السابع من أغسطس (آب)، لتعريف المغترب بالجزيرة، ودعم جزر طرابلس من الناحية السياحية والبيئية. وتعد المجموعة خطة لجعل إعادة التدوير من الأمور الحياتية اليومية، وستسعى لتأمين منح للطرابلسيين المتفوقين عبر العالم، وتيسير وخلق فرص استثمار وعمل لإنعاش المدينة.
وتضمن اليوم الاغترابي الطويل، أمس، حفلاً للموسيقي عمر حرفوش في القلعة الصليبية، عزف خلاله على البيانو، كما توجه الجميع إلى «مقهى فهيم» التراثي، في منطقة التل وسط المدينة، وتابعوا معاً الختام المونديالي في أجواء من المرح والحماسة.
كانت مجموعة «نحن طرابلس» قد عقدت مؤتمراً صحافياً في أوتيل «Via Mina» الميناء، عرضت خلاله استراتيجية المجموعة وأهدافها وهيكلها التنظيمي ومشاريعها المستقبلية.
وأعلن مسؤول العلاقات الخارجية، الموسيقار عمر حرفوش، تلقيه كتاباً من مجلس الشيوخ الفرنسي Sénat، بواسطة عضو المجلس نتالي غوليه، التي كانت خلال شهر فبراير (شباط) الماضي قد تحسست أزمة النفايات في طرابلس، في سياق حديث لعمر حرفوش، بالإضافة إلى عريضة «نحن طرابلس»، للضغط في حل أزمة جبل النفايات التي وقعها آلاف المقيمين والمغتربين، ما دفع مجلس الشيوخ الفرنسي إلى التحضير لمؤتمر بيئي، يخصص فيه طاولة مستديرة بعنوان: «طرابلس.. مختبر أيكولوجيا المواطن»، إلى جانب طاولة أخرى حول إشكاليات في البحر المتوسط.
هذا المؤتمر سيرأسه، في 10 سبتمبر (أيلول) المقبل، الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، الذي رعى اتفاق باريس للمناخ «COP 21»، وستمثل طرابلس خلاله المؤسسة لمجموعة «نحن طرابلس»، الإعلامية هنا حمزة، لنقل صوت طرابلس حول هذه الأزمة، والتعاون في خطوة منهجية يصادق عليها الاتحاد الأوروبي في بروكسل. ويؤمل أن يفضي المؤتمر إلى إنشاء مبادرة للحد من تداعيات جبل النفايات على البحر والبيئة المحيطة، يتم خلالها قياس الأثر البيئي قبل المبادرة وبعدها، بإشراف من «نحن طرابلس» التي ستكتسب صفة رسمية، تخولها الإشراف على المبادرة عبر الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسكو.
وقالت حمزة: «إن كفاءة الطرابلسيين، وحبهم للمدينة، واندفاعهم، هو الأهم، وسيتجلى هذا الرصيد في إنجازات المجموعة التي لا تحمل مصالح مالية أو طموحات شخصية»، وأكدت أنّ «نحن طرابلس» لا تنتمي لأية جهة سياسية، إنما علاقتها بكل السياسيين إيجابية وبناءة، وهم جزء من عائلة طرابلسية كبيرة يجب أن تتحد في حب المدينة والعمل معاً لمصلحتها.
ثم تولى الحديث كل من مسؤولة اللجان المتخصصة نادين بركة، ومسؤول السياحة والنشاطات نبيل منصور، ومسؤولة البيئة ريما علم الدين، الذين أعطوا لمحة عن أطر العمل في اللجان وخططها القريبة.
يشار إلى أن مجموعة «نحن طرابلس» تشكلت عبر منصة إلكترونية، وتنتظم في مشاريع على الأرض. وينتشر أعضاء المجموعة في أكثر من 60 دولة في العالم، وتضم 40 منسقاً و20 ألف عضو. ويجمع نشطاء «نحن طرابلس» حب طرابلس، ونجاحات أهلها في الاغتراب، وتوظيف قدراتهم في دعم المدينة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».