الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ماكرون منح الإسلام أطراً وقواعد تضمن بأن يُمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي في الأعوام القليلة الماضية ينسحب على أوروبا بنوع خاص، بأكثر من أي موقع أو موضع في الغرب: هل مِن علاقة ما بين القدرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي ومحاصرة ظاهرة العنف ومجابهة حركات التطرف الفكري التي تقود حكماً في نهاية المطاف إلى الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي العقبات التي تقف في طريق أصحاب الأصول العرقية، ومعتنقي الأديان المغايرة للمسيحية في أوروبا، والحديث هنا ولا شك يكاد يكون محصوراً في مسلمي أوروبا الذين باتوا مطالبين بتحقيق ثنائية غير يسيرة، فمن جهة الاحتفاظ بهويتهم الدينية والمذهبية دون انتقاص أو تماهٍ مع الآخر المغاير، ومن جانب آخر يطلب منهم الاندماج المدني بأقصى حدّ ومد، وتقديم خطاب ديني معتدل في مواجهة العنف والعنصرية.

قد يتحتم علينا أن نقدم بدايةً تعريفاً لفكرة الاندماج، التي تعني ضمَّ عناصر جديدة إنسانية في سياقات جماعية موجودة بالفعل، بهدف الحصول على مجتمع واحد متجانس ومتناسق وسبيكة اجتماعية منصهرة في ثوب وإطار واحد وواضح، وبمعنى آخر يعني الاندماج الإيجابي الخلاق بناء الجسور وهدم الجدران بين البشر في رقعة جغرافية، وحيز زماني واحد، لخير وصالح كل الأطراف سواء الأصيلة في المجتمعات أو الوافدة.
والشاهد أن القيم وإن كانت واحدة في كل زمان ومكان، إلا أن عملية التعبير عنها تختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن هنا تظهر الحاجة إلى المواءمات بين القديم والجديد، كما بين الشرق والغرب، وبين العالم المتقدم ومعاييره، والعالم النامي وأزماته.
هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة ما في الاندماج ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين الأوروبيين؟
يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي.
إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجل هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، اجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب والفقر والصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن أفريقيا عامة.
هذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء «صدمة العولمة أو الانفتاح»، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح.
وفى وسط الاضطراب النفسي القاتل يحدث ما أطلق عليه الكاتب الآيرلندي الشهير جورج برنارد شو «البحث عن المرفأ القريب»، وليس أقرب من الطروحات والشروحات الدينية، من هنا تتخلق أجواء «الجيتو» النفسي أولاً، والمادي ثانياً، وتظهر تالياً أعراض الإحساس بالدونية، وينتشر الشعور بالأقلية، ومن ثم عدم الاختلاط بأصحاب المجتمعات الأصلية.
ولعل الناظر للتجربة الأوروبية يدرك أن هناك بالفعل معضلة كبيرة في سيادة نموذج رائد وراقٍ من الاندماج، إذ توجد أحياء بكاملها مغلقة على المسلمين، وهناك أحياء في فرنسا ووسط باريس مثل بلفيل تحديداً يكاد اللسان العربي فيها يتجاوز اللغة الفرنسية، وفي برلين يوجد حي إستانبول وغالبية سكانه من الذين يتحدثون التركية فيما بينهم، وإن أجادوا الألمانية.
هل هناك علاقة مباشرة بصورة معينة بين الإرهاب وعدم المقدرة على الاندماج؟
ربما ينبغي الإضافة إلى ما تقدم أن القصور يشوب كثيراً من الجاليات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وكذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية، إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي. أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها، والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.
قبل نحو عام أجرى معهد «بيرتلسمان ستيفتانغ» الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه «المسلمون في أوروبا... اندماج ولكن دون قبول مجتمعي». وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.
في تقريرها المعنون «بداية جديدة» تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي البعد القانوني أو الحقوقي، والبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي أو المجتمعي.
الأبعاد المتقدمة تحتاج إلى بعض التفكيك والتحليل، إن جاز التعبير؛ فالمسألة الأولى ربما نجدها طرف الدولة المضيفة وهل توفر للقادم إليها سواء كان لاجئاً أو مهاجراً الحزمة القانونية لاعتباره مواطناً كاملَ المواطنة له الحق كله في حرية التنقل والحركة، قادراً على متابعة عملية التعلم، يتلقى علاجه في المؤسسات العلاجية الرسمية للدولة، حاصلاً على رخصة للعمل... كل هذه الجزئيات حال وجودها تدفع المندمجين دفعاً إلى التماهي رويداً رويداً مع المجتمعات الأوروبية، وغنى عن القول إنه حال تراجع دولة المستقر عن تقديم تلك الخدمات، فإن فرص الاندماج تتقلص وتتعاظم إمكانات الاستقطاب من قبل الجماعات الأصولية، ما يعني ازدياد معدلات العنف والإرهاب في الأوساط الأوروبية.
البعد الثاني يتصل بالأوضاع الاقتصادية ويعد طريقاً من اتجاهين بمعنى أن الدولة المضيفة يقع عليها عبء توفير فرص العمل، وعلى المندمج أن يسعى لتنمية قدراته بما يلائم أسواق العمل هناك، وعدم الاكتفاء براتب الإعانة، وكلما أضحى المندمجون أكثر إفادة من الناحية الاقتصادية لمجتمعاتهم الجديدة، بات تقبل المواطنين الأصليين لهم أكثر يسراً وسهولاً وأكثر أريحية.
والثابت أن عدم الاندماج اقتصادياً لا يعنى سوى فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية التي تتوافر لها الأموال لاصطياد عناصر من غير المندمجين والزج بهم في أتون الإرهاب الأعمى، مغررة بهم بفعل حفنة دولارات، عطفاً على فشل مجتمعي في احتواء الجديد القادم من الخارج. فيما يظل البعد المجتمعي والثقافي أهم الأبعاد، والجهد لا بد أن يكون وبالضرورة متبادل بالإقناع العقلي لا بالقسر الفكري، بمعنى أن المندمج يجب أن يدرك أن هناك معطيات حياتية مغايرة طرأت عليه، وأنه يعيش في وسط غير الذي أتى منه، وبيئة لها كينونتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية والمختلفة غالباً عن أوضاعه التي عاش فيها طويلاً من قبل في بلاده الأصلية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على دولة الاستضافة تفهم تلك الإشكاليات النفسية التي يعاني منها المندمجون في سنواتهم الأولى، وأن تقدم لهم الدروس والدورات التثقيفية، خصوصاً مساعدتهم في تعلم لغة الدولة المضيفة، فاللسان حياة، وكلما سهل التعامل مع الآخرين، بات من اليسير الاندماج.
والعكس هنا، أي الفشل في بسط مظلة مجتمعية تجاه المندمجين الجدد، وهو أمر سيعيد سيرة الأنظمة أو الجماعات التكفيرية التي عرفتها بعض المجتمعات الشرق أوسطية مثل جماعة «التكفير والهجرة» في مصر في سبعينات القرن الماضي، والتي كان أعضاؤها ينظرون إلى المجتمع على أنه كافر، ولهذا عمدوا إلى السكن والإقامة في أماكن خاصة بهم، وتالياً تدبير عمليات إرهابية ردعت المصريين لعقود طوال.
ولعل أكثر دولة أوروبية تحديداً يمكن للمرء أن يقيس عليها نجاعة أو إخفاق عملية الاندماج هي فرنسا، لأكثر من سبب، فهي من جهة الدولة الليبرالية العلمانية بامتياز، فيما الجانب الآخر من المشهد يعود إلى وجود أكبر عدد من المسلمين الأوروبيين والمهاجرين إليها، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن فرنسا قد شهدت عدد واضح من العمليات الإرهابية والتي قام بعملها من يمكن أن نطلق عليهم «غير المندمجين»، لا سيما أن بعضهم من الجيل الثاني الذي نشأ وتربى في فرنسا عينها، ما يعنى أن هناك معضلة جوهرية في المشهد الفرنسي.
إشكالية مسلمي فرنسا باتت تطرح تساؤلات لدى النخبة عن علاقة التهميش مع الإرهاب، وقد بلغ الجدل حد صدور تصريحات الرئيس ماكرون نهار الاثنين 9 يوليو (تموز) الحالي أمام البرلمانيين المجتمعين في فرساي، التي قال فيها إنه «لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والإسلام صعبة، مؤكداً أنه سيتم وضع (إطار قواعد) لتسيير شؤون المسلمين في فرنسا».
الرئيس الفرنسي بتصريحه هذا اقترب بشكل إيجابي من مرحلة اندماج فاعل، مفوِّتاً الفرصة على اليمين المتشدد الذي يعمق الهوة بين الأوروبيين ومسلمي القارة العجوز، وقد أضاف في تصريحاته أنه «اعتباراً من الخريف، سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطاراً وقواعد ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية... سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم».
قطع ماكرون ولا شك شوطاً كبيراً على قوانين ومسارب الإرهاب من جماعات التعصب والتشدد الديني حين أشار وسط تصفيق البرلمانيين إلى أن «النظام العام والحس العادي بالكياسة واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطاراً متجدداً وتناغماً مجدداً».
وعلى أن عملية اندماج مسلمي أوروبا وإن كانت تواجه عقبات من بعض التيارات الأصولية الإسلامية التي لا يصب في صالحها هذا التناغم المجتمعي، فإن هناك أيضاً عقبة كؤود أخرى تواجه الحكومات الأوروبية من الأوروبيين أنفسهم... ماذا عن العقبتين المتقدمتين؟
أولاً: ينبغي الإشارة إلى بعض الأخطاء والتي تصل حد الخطايا التي قامت عليها دول أوروبية كرست النهج الانعزالي، عوضاً عن زخم منظومة الاندماج.
خذ إليك بريطانيا على سبيل المثال، التي قدَّمت ملاذاً لجماعات أصولية مثل «الإخوان المسلمين» و«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، ملاذاً وشرعية مكنا للإخوان في أوروبا من السيطرة بدرجة أو بأخرى على الكثير من الأماكن المجتمعية ناهيك بدور العبادة، والمدارس.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».