الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ماكرون منح الإسلام أطراً وقواعد تضمن بأن يُمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي في الأعوام القليلة الماضية ينسحب على أوروبا بنوع خاص، بأكثر من أي موقع أو موضع في الغرب: هل مِن علاقة ما بين القدرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي ومحاصرة ظاهرة العنف ومجابهة حركات التطرف الفكري التي تقود حكماً في نهاية المطاف إلى الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي العقبات التي تقف في طريق أصحاب الأصول العرقية، ومعتنقي الأديان المغايرة للمسيحية في أوروبا، والحديث هنا ولا شك يكاد يكون محصوراً في مسلمي أوروبا الذين باتوا مطالبين بتحقيق ثنائية غير يسيرة، فمن جهة الاحتفاظ بهويتهم الدينية والمذهبية دون انتقاص أو تماهٍ مع الآخر المغاير، ومن جانب آخر يطلب منهم الاندماج المدني بأقصى حدّ ومد، وتقديم خطاب ديني معتدل في مواجهة العنف والعنصرية.

قد يتحتم علينا أن نقدم بدايةً تعريفاً لفكرة الاندماج، التي تعني ضمَّ عناصر جديدة إنسانية في سياقات جماعية موجودة بالفعل، بهدف الحصول على مجتمع واحد متجانس ومتناسق وسبيكة اجتماعية منصهرة في ثوب وإطار واحد وواضح، وبمعنى آخر يعني الاندماج الإيجابي الخلاق بناء الجسور وهدم الجدران بين البشر في رقعة جغرافية، وحيز زماني واحد، لخير وصالح كل الأطراف سواء الأصيلة في المجتمعات أو الوافدة.
والشاهد أن القيم وإن كانت واحدة في كل زمان ومكان، إلا أن عملية التعبير عنها تختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن هنا تظهر الحاجة إلى المواءمات بين القديم والجديد، كما بين الشرق والغرب، وبين العالم المتقدم ومعاييره، والعالم النامي وأزماته.
هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة ما في الاندماج ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين الأوروبيين؟
يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي.
إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجل هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، اجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب والفقر والصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن أفريقيا عامة.
هذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء «صدمة العولمة أو الانفتاح»، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح.
وفى وسط الاضطراب النفسي القاتل يحدث ما أطلق عليه الكاتب الآيرلندي الشهير جورج برنارد شو «البحث عن المرفأ القريب»، وليس أقرب من الطروحات والشروحات الدينية، من هنا تتخلق أجواء «الجيتو» النفسي أولاً، والمادي ثانياً، وتظهر تالياً أعراض الإحساس بالدونية، وينتشر الشعور بالأقلية، ومن ثم عدم الاختلاط بأصحاب المجتمعات الأصلية.
ولعل الناظر للتجربة الأوروبية يدرك أن هناك بالفعل معضلة كبيرة في سيادة نموذج رائد وراقٍ من الاندماج، إذ توجد أحياء بكاملها مغلقة على المسلمين، وهناك أحياء في فرنسا ووسط باريس مثل بلفيل تحديداً يكاد اللسان العربي فيها يتجاوز اللغة الفرنسية، وفي برلين يوجد حي إستانبول وغالبية سكانه من الذين يتحدثون التركية فيما بينهم، وإن أجادوا الألمانية.
هل هناك علاقة مباشرة بصورة معينة بين الإرهاب وعدم المقدرة على الاندماج؟
ربما ينبغي الإضافة إلى ما تقدم أن القصور يشوب كثيراً من الجاليات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وكذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية، إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي. أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها، والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.
قبل نحو عام أجرى معهد «بيرتلسمان ستيفتانغ» الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه «المسلمون في أوروبا... اندماج ولكن دون قبول مجتمعي». وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.
في تقريرها المعنون «بداية جديدة» تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي البعد القانوني أو الحقوقي، والبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي أو المجتمعي.
الأبعاد المتقدمة تحتاج إلى بعض التفكيك والتحليل، إن جاز التعبير؛ فالمسألة الأولى ربما نجدها طرف الدولة المضيفة وهل توفر للقادم إليها سواء كان لاجئاً أو مهاجراً الحزمة القانونية لاعتباره مواطناً كاملَ المواطنة له الحق كله في حرية التنقل والحركة، قادراً على متابعة عملية التعلم، يتلقى علاجه في المؤسسات العلاجية الرسمية للدولة، حاصلاً على رخصة للعمل... كل هذه الجزئيات حال وجودها تدفع المندمجين دفعاً إلى التماهي رويداً رويداً مع المجتمعات الأوروبية، وغنى عن القول إنه حال تراجع دولة المستقر عن تقديم تلك الخدمات، فإن فرص الاندماج تتقلص وتتعاظم إمكانات الاستقطاب من قبل الجماعات الأصولية، ما يعني ازدياد معدلات العنف والإرهاب في الأوساط الأوروبية.
البعد الثاني يتصل بالأوضاع الاقتصادية ويعد طريقاً من اتجاهين بمعنى أن الدولة المضيفة يقع عليها عبء توفير فرص العمل، وعلى المندمج أن يسعى لتنمية قدراته بما يلائم أسواق العمل هناك، وعدم الاكتفاء براتب الإعانة، وكلما أضحى المندمجون أكثر إفادة من الناحية الاقتصادية لمجتمعاتهم الجديدة، بات تقبل المواطنين الأصليين لهم أكثر يسراً وسهولاً وأكثر أريحية.
والثابت أن عدم الاندماج اقتصادياً لا يعنى سوى فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية التي تتوافر لها الأموال لاصطياد عناصر من غير المندمجين والزج بهم في أتون الإرهاب الأعمى، مغررة بهم بفعل حفنة دولارات، عطفاً على فشل مجتمعي في احتواء الجديد القادم من الخارج. فيما يظل البعد المجتمعي والثقافي أهم الأبعاد، والجهد لا بد أن يكون وبالضرورة متبادل بالإقناع العقلي لا بالقسر الفكري، بمعنى أن المندمج يجب أن يدرك أن هناك معطيات حياتية مغايرة طرأت عليه، وأنه يعيش في وسط غير الذي أتى منه، وبيئة لها كينونتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية والمختلفة غالباً عن أوضاعه التي عاش فيها طويلاً من قبل في بلاده الأصلية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على دولة الاستضافة تفهم تلك الإشكاليات النفسية التي يعاني منها المندمجون في سنواتهم الأولى، وأن تقدم لهم الدروس والدورات التثقيفية، خصوصاً مساعدتهم في تعلم لغة الدولة المضيفة، فاللسان حياة، وكلما سهل التعامل مع الآخرين، بات من اليسير الاندماج.
والعكس هنا، أي الفشل في بسط مظلة مجتمعية تجاه المندمجين الجدد، وهو أمر سيعيد سيرة الأنظمة أو الجماعات التكفيرية التي عرفتها بعض المجتمعات الشرق أوسطية مثل جماعة «التكفير والهجرة» في مصر في سبعينات القرن الماضي، والتي كان أعضاؤها ينظرون إلى المجتمع على أنه كافر، ولهذا عمدوا إلى السكن والإقامة في أماكن خاصة بهم، وتالياً تدبير عمليات إرهابية ردعت المصريين لعقود طوال.
ولعل أكثر دولة أوروبية تحديداً يمكن للمرء أن يقيس عليها نجاعة أو إخفاق عملية الاندماج هي فرنسا، لأكثر من سبب، فهي من جهة الدولة الليبرالية العلمانية بامتياز، فيما الجانب الآخر من المشهد يعود إلى وجود أكبر عدد من المسلمين الأوروبيين والمهاجرين إليها، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن فرنسا قد شهدت عدد واضح من العمليات الإرهابية والتي قام بعملها من يمكن أن نطلق عليهم «غير المندمجين»، لا سيما أن بعضهم من الجيل الثاني الذي نشأ وتربى في فرنسا عينها، ما يعنى أن هناك معضلة جوهرية في المشهد الفرنسي.
إشكالية مسلمي فرنسا باتت تطرح تساؤلات لدى النخبة عن علاقة التهميش مع الإرهاب، وقد بلغ الجدل حد صدور تصريحات الرئيس ماكرون نهار الاثنين 9 يوليو (تموز) الحالي أمام البرلمانيين المجتمعين في فرساي، التي قال فيها إنه «لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والإسلام صعبة، مؤكداً أنه سيتم وضع (إطار قواعد) لتسيير شؤون المسلمين في فرنسا».
الرئيس الفرنسي بتصريحه هذا اقترب بشكل إيجابي من مرحلة اندماج فاعل، مفوِّتاً الفرصة على اليمين المتشدد الذي يعمق الهوة بين الأوروبيين ومسلمي القارة العجوز، وقد أضاف في تصريحاته أنه «اعتباراً من الخريف، سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطاراً وقواعد ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية... سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم».
قطع ماكرون ولا شك شوطاً كبيراً على قوانين ومسارب الإرهاب من جماعات التعصب والتشدد الديني حين أشار وسط تصفيق البرلمانيين إلى أن «النظام العام والحس العادي بالكياسة واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطاراً متجدداً وتناغماً مجدداً».
وعلى أن عملية اندماج مسلمي أوروبا وإن كانت تواجه عقبات من بعض التيارات الأصولية الإسلامية التي لا يصب في صالحها هذا التناغم المجتمعي، فإن هناك أيضاً عقبة كؤود أخرى تواجه الحكومات الأوروبية من الأوروبيين أنفسهم... ماذا عن العقبتين المتقدمتين؟
أولاً: ينبغي الإشارة إلى بعض الأخطاء والتي تصل حد الخطايا التي قامت عليها دول أوروبية كرست النهج الانعزالي، عوضاً عن زخم منظومة الاندماج.
خذ إليك بريطانيا على سبيل المثال، التي قدَّمت ملاذاً لجماعات أصولية مثل «الإخوان المسلمين» و«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، ملاذاً وشرعية مكنا للإخوان في أوروبا من السيطرة بدرجة أو بأخرى على الكثير من الأماكن المجتمعية ناهيك بدور العبادة، والمدارس.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.