الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ماكرون منح الإسلام أطراً وقواعد تضمن بأن يُمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي في الأعوام القليلة الماضية ينسحب على أوروبا بنوع خاص، بأكثر من أي موقع أو موضع في الغرب: هل مِن علاقة ما بين القدرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي ومحاصرة ظاهرة العنف ومجابهة حركات التطرف الفكري التي تقود حكماً في نهاية المطاف إلى الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي العقبات التي تقف في طريق أصحاب الأصول العرقية، ومعتنقي الأديان المغايرة للمسيحية في أوروبا، والحديث هنا ولا شك يكاد يكون محصوراً في مسلمي أوروبا الذين باتوا مطالبين بتحقيق ثنائية غير يسيرة، فمن جهة الاحتفاظ بهويتهم الدينية والمذهبية دون انتقاص أو تماهٍ مع الآخر المغاير، ومن جانب آخر يطلب منهم الاندماج المدني بأقصى حدّ ومد، وتقديم خطاب ديني معتدل في مواجهة العنف والعنصرية.

قد يتحتم علينا أن نقدم بدايةً تعريفاً لفكرة الاندماج، التي تعني ضمَّ عناصر جديدة إنسانية في سياقات جماعية موجودة بالفعل، بهدف الحصول على مجتمع واحد متجانس ومتناسق وسبيكة اجتماعية منصهرة في ثوب وإطار واحد وواضح، وبمعنى آخر يعني الاندماج الإيجابي الخلاق بناء الجسور وهدم الجدران بين البشر في رقعة جغرافية، وحيز زماني واحد، لخير وصالح كل الأطراف سواء الأصيلة في المجتمعات أو الوافدة.
والشاهد أن القيم وإن كانت واحدة في كل زمان ومكان، إلا أن عملية التعبير عنها تختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن هنا تظهر الحاجة إلى المواءمات بين القديم والجديد، كما بين الشرق والغرب، وبين العالم المتقدم ومعاييره، والعالم النامي وأزماته.
هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة ما في الاندماج ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين الأوروبيين؟
يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي.
إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجل هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، اجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب والفقر والصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن أفريقيا عامة.
هذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء «صدمة العولمة أو الانفتاح»، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح.
وفى وسط الاضطراب النفسي القاتل يحدث ما أطلق عليه الكاتب الآيرلندي الشهير جورج برنارد شو «البحث عن المرفأ القريب»، وليس أقرب من الطروحات والشروحات الدينية، من هنا تتخلق أجواء «الجيتو» النفسي أولاً، والمادي ثانياً، وتظهر تالياً أعراض الإحساس بالدونية، وينتشر الشعور بالأقلية، ومن ثم عدم الاختلاط بأصحاب المجتمعات الأصلية.
ولعل الناظر للتجربة الأوروبية يدرك أن هناك بالفعل معضلة كبيرة في سيادة نموذج رائد وراقٍ من الاندماج، إذ توجد أحياء بكاملها مغلقة على المسلمين، وهناك أحياء في فرنسا ووسط باريس مثل بلفيل تحديداً يكاد اللسان العربي فيها يتجاوز اللغة الفرنسية، وفي برلين يوجد حي إستانبول وغالبية سكانه من الذين يتحدثون التركية فيما بينهم، وإن أجادوا الألمانية.
هل هناك علاقة مباشرة بصورة معينة بين الإرهاب وعدم المقدرة على الاندماج؟
ربما ينبغي الإضافة إلى ما تقدم أن القصور يشوب كثيراً من الجاليات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وكذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية، إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي. أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها، والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.
قبل نحو عام أجرى معهد «بيرتلسمان ستيفتانغ» الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه «المسلمون في أوروبا... اندماج ولكن دون قبول مجتمعي». وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.
في تقريرها المعنون «بداية جديدة» تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي البعد القانوني أو الحقوقي، والبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي أو المجتمعي.
الأبعاد المتقدمة تحتاج إلى بعض التفكيك والتحليل، إن جاز التعبير؛ فالمسألة الأولى ربما نجدها طرف الدولة المضيفة وهل توفر للقادم إليها سواء كان لاجئاً أو مهاجراً الحزمة القانونية لاعتباره مواطناً كاملَ المواطنة له الحق كله في حرية التنقل والحركة، قادراً على متابعة عملية التعلم، يتلقى علاجه في المؤسسات العلاجية الرسمية للدولة، حاصلاً على رخصة للعمل... كل هذه الجزئيات حال وجودها تدفع المندمجين دفعاً إلى التماهي رويداً رويداً مع المجتمعات الأوروبية، وغنى عن القول إنه حال تراجع دولة المستقر عن تقديم تلك الخدمات، فإن فرص الاندماج تتقلص وتتعاظم إمكانات الاستقطاب من قبل الجماعات الأصولية، ما يعني ازدياد معدلات العنف والإرهاب في الأوساط الأوروبية.
البعد الثاني يتصل بالأوضاع الاقتصادية ويعد طريقاً من اتجاهين بمعنى أن الدولة المضيفة يقع عليها عبء توفير فرص العمل، وعلى المندمج أن يسعى لتنمية قدراته بما يلائم أسواق العمل هناك، وعدم الاكتفاء براتب الإعانة، وكلما أضحى المندمجون أكثر إفادة من الناحية الاقتصادية لمجتمعاتهم الجديدة، بات تقبل المواطنين الأصليين لهم أكثر يسراً وسهولاً وأكثر أريحية.
والثابت أن عدم الاندماج اقتصادياً لا يعنى سوى فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية التي تتوافر لها الأموال لاصطياد عناصر من غير المندمجين والزج بهم في أتون الإرهاب الأعمى، مغررة بهم بفعل حفنة دولارات، عطفاً على فشل مجتمعي في احتواء الجديد القادم من الخارج. فيما يظل البعد المجتمعي والثقافي أهم الأبعاد، والجهد لا بد أن يكون وبالضرورة متبادل بالإقناع العقلي لا بالقسر الفكري، بمعنى أن المندمج يجب أن يدرك أن هناك معطيات حياتية مغايرة طرأت عليه، وأنه يعيش في وسط غير الذي أتى منه، وبيئة لها كينونتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية والمختلفة غالباً عن أوضاعه التي عاش فيها طويلاً من قبل في بلاده الأصلية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على دولة الاستضافة تفهم تلك الإشكاليات النفسية التي يعاني منها المندمجون في سنواتهم الأولى، وأن تقدم لهم الدروس والدورات التثقيفية، خصوصاً مساعدتهم في تعلم لغة الدولة المضيفة، فاللسان حياة، وكلما سهل التعامل مع الآخرين، بات من اليسير الاندماج.
والعكس هنا، أي الفشل في بسط مظلة مجتمعية تجاه المندمجين الجدد، وهو أمر سيعيد سيرة الأنظمة أو الجماعات التكفيرية التي عرفتها بعض المجتمعات الشرق أوسطية مثل جماعة «التكفير والهجرة» في مصر في سبعينات القرن الماضي، والتي كان أعضاؤها ينظرون إلى المجتمع على أنه كافر، ولهذا عمدوا إلى السكن والإقامة في أماكن خاصة بهم، وتالياً تدبير عمليات إرهابية ردعت المصريين لعقود طوال.
ولعل أكثر دولة أوروبية تحديداً يمكن للمرء أن يقيس عليها نجاعة أو إخفاق عملية الاندماج هي فرنسا، لأكثر من سبب، فهي من جهة الدولة الليبرالية العلمانية بامتياز، فيما الجانب الآخر من المشهد يعود إلى وجود أكبر عدد من المسلمين الأوروبيين والمهاجرين إليها، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن فرنسا قد شهدت عدد واضح من العمليات الإرهابية والتي قام بعملها من يمكن أن نطلق عليهم «غير المندمجين»، لا سيما أن بعضهم من الجيل الثاني الذي نشأ وتربى في فرنسا عينها، ما يعنى أن هناك معضلة جوهرية في المشهد الفرنسي.
إشكالية مسلمي فرنسا باتت تطرح تساؤلات لدى النخبة عن علاقة التهميش مع الإرهاب، وقد بلغ الجدل حد صدور تصريحات الرئيس ماكرون نهار الاثنين 9 يوليو (تموز) الحالي أمام البرلمانيين المجتمعين في فرساي، التي قال فيها إنه «لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والإسلام صعبة، مؤكداً أنه سيتم وضع (إطار قواعد) لتسيير شؤون المسلمين في فرنسا».
الرئيس الفرنسي بتصريحه هذا اقترب بشكل إيجابي من مرحلة اندماج فاعل، مفوِّتاً الفرصة على اليمين المتشدد الذي يعمق الهوة بين الأوروبيين ومسلمي القارة العجوز، وقد أضاف في تصريحاته أنه «اعتباراً من الخريف، سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطاراً وقواعد ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية... سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم».
قطع ماكرون ولا شك شوطاً كبيراً على قوانين ومسارب الإرهاب من جماعات التعصب والتشدد الديني حين أشار وسط تصفيق البرلمانيين إلى أن «النظام العام والحس العادي بالكياسة واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطاراً متجدداً وتناغماً مجدداً».
وعلى أن عملية اندماج مسلمي أوروبا وإن كانت تواجه عقبات من بعض التيارات الأصولية الإسلامية التي لا يصب في صالحها هذا التناغم المجتمعي، فإن هناك أيضاً عقبة كؤود أخرى تواجه الحكومات الأوروبية من الأوروبيين أنفسهم... ماذا عن العقبتين المتقدمتين؟
أولاً: ينبغي الإشارة إلى بعض الأخطاء والتي تصل حد الخطايا التي قامت عليها دول أوروبية كرست النهج الانعزالي، عوضاً عن زخم منظومة الاندماج.
خذ إليك بريطانيا على سبيل المثال، التي قدَّمت ملاذاً لجماعات أصولية مثل «الإخوان المسلمين» و«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، ملاذاً وشرعية مكنا للإخوان في أوروبا من السيطرة بدرجة أو بأخرى على الكثير من الأماكن المجتمعية ناهيك بدور العبادة، والمدارس.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».