الـ«كاري» طبق البريطانيين المفضّل

يدر على البلاد 8 مليارات دولار سنويا

الـ«كاري» طبق البريطانيين المفضّل
TT

الـ«كاري» طبق البريطانيين المفضّل

الـ«كاري» طبق البريطانيين المفضّل

الـ«كاري» بشكل عام هو الطبق الذي يتكون من المرق مع اللحم أو الخضراوات أو العدس أو جميعها. لكن الهنود لم يطلقوا على أطباقهم هذه التسمية الحديثة، بل كانوا يسمون أطباقهم بأسماء مختلفة ومعينة كما تفعل بقية الشعوب مثل فاندالو وكورما وسالان وتيكا ماسالا ومالي كوفتا وغيره. ولذلك ينزعج الكثير من الهنود وخبراء الطبخ من هذا الخلط وهذا النوع من المغالطات. وكما يبدو أن البرتغاليين الذين جاءوا إلى الهند بحثا عن التوابل في منتصف القرن الخامس عشر هم من بدأ باستخدام الكلمة المأخوذة من تسمية تاميلية وورثها البريطانيون بعد ذلك ونشروها حول العالم وثبتوها كاسم للأطباق الهندية.
وتشير المعلومات المتوفرة أن البرتغاليين بدأوا باستخدام اسم أحد الأطباق التاميلية «كاري - kari» وحولوها لسبب أو لآخر إلى «كارل - carel» أو «كاري - caree»، وذلك للتعبير عن اليخنات المكثفة المصنوعة من صلصة جوز الهند والتوابل المكثفة.
تقول الموسوعة الحرة، بأن كلمة كاري - Curry ظهرت أول مرة باللغة الإنجليزية في كتاب: The Forme of Curry عام 1390 مأخوذة عن الفرنسية كاري - cuire التي تعني «الطهي»، وأنه تم انجلزة الكلمة التاميلية «كارل - carel» التي تعني «صلصة»، من قبل شركة الهند الشرقية البريطانية في كتاب للطبخ البرتغالي في منتصف القرن السابع عشر.
مهما يكن فإن البريطانيين هم من بدأ باستخدام مسحوق الكاري تجاريا في الهند وبريطانيا وفي العالم في القرن التاسع عشر، وهو مسحوق يتكون من عدة بهارات على رأسها الكزبرة والكركم والكمون والحلبة والفلفل. ويبدو أن انتشار المسحوق حول العالم كان أهم العوامل التي عززت استخدام الاسم «كاري».
وقد جاءت أول وصفة للكاري بالإنجليزية عام 1747 على يد الكاتبة هانا جلاس صاحبة كتاب «فن الطبخ سهل وبسيط» الشهير. لكن في القرن التاسع عشر لم يكن ممكنا العثور على كتاب للطبخ من دون وصفات الكاري.
ويقول الكاتب مايكا سنايدر في هذا المضمار بأن إيزابيلا بيتن ضمنت كتابها الخاص بـ«إدارة الأسرة» عام 1861 وصفة من البصل والتفاح والمرق ومسحوق الكاري المملح باللحم والمكثف بخلطة الرو (الزبدة والطحين) تنتهي بإضافة بعض من الكريم. ومن هذه الوصفة أصبح كاري رسميا طبقا بريطانيا.
ولا عجب أن تكون ظاهرة الكاري ظاهرة بريطانية بامتياز، من نشر الاسم إلى نشر مسحوق الكاري الذي كان يعطى للعمال الهنود الذين يعملون لشركة الهند الشرقية في مزارع السكر والمطاط في آسيا إلى جانب معاشاتهم، إلى وجود أكثر من 10 آلاف مطعم في بريطانيا ونحو 25 مليون زبون سنويا.
تصل قيمة قطاع الكاري في بريطانيا حاليا إلى 8 مليارات دولار سنويا، ويعتبر البريطانيون بعض الأطباق المعروفة مثل طبق «تشيكين تيكا ماسالا» من الأطباق الوطنية. وقد بدأ عملية افتتاح مطاعم الكاري في لندن بداية القرن التاسع عشر في منطقتي البيكادلي والماي فير، وأصبحت الآن في كل مكان مناسكوتلندا إلى بيرمنغهام إلى برادفورد وساوث هول وبريك لاين.
ويضيف شنايدر، ومن غرائب الأمور أنه عندما جاءت وصفة أحد أطباق الكاري في كتاب ماري راندولف The Virginia House - Wife عام 1824 في الولايات المتحدة الأميركية، لم تكن الهند تعرف الكلمة نفسها، أو كما يقول: «المكان الوحيد في العالم الذي لم يكن لديه طبق يدعى الكاري آنذاك هو الهند».
ويتابع الكاتب قائلا بأنه فيما كان الصينيون يدمنون على الأفيون الذي يدخله البريطانيون نهاية القرن التاسع عشر إلى البلاد خلال ما يعرف بحروب الأفيون كانت المستعمرات البريطانية والمناطق الآسيوية الخاضعة للتاج البريطاني تدمن على المسحوق الجديد مسحوق الكاري. ولذا بدأ استخدامه بكثرة في بينانغ ومالاكا وسنغافورة وهونغ كونغ وتايلاند. بالطبع كانت هذه المناطق تعرف الكزبرة المطحونة والكركم والبهارات الأخرى التي نشرها الرهبان البوذيون منذ أكثر من ألف سنة، لكنها لم تعرف كلمة الكاري التي جاءت مع المسحوق.
وقد «استمر البريطانيون في جلب مسحوق الكاري معهم أينما ذهبوا، وكانت محطتهم الثانية هي اليابان. في عام 1868، عندما استبدل إمبراطوري ميجي عهد شوغون الإقطاعي، وعمل على تجديد التجارة المفتوحة بعد أكثر من 200 عام من الانعزال عن العالم. هذه الخطوات فتحت شهية اليابانيين على الأطباق الغربية، وكان من بين هذه الأطباق طبق الكاري. وبعد أن أصبحت الكاري جزءا لا يتجزأ من طعام الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية انتشرت الكاري في الكوريتين.
وفي مجال التسميات لا بد من الذكر هنا أن الهنود يطلقون أسماء مختلفة على شتى أنواع الكاري:
فمثلا يطلقون اسم دوبيازا - Dopyaaza على أطباق الكاري التي تحتوي على الكثير من البصل (مأخوذ من المطبخ الأفغاني)، ويطلقون اسم كوفتا - Kofta على أطباق الكاري المكونة من كرات اللحم واسم بونا غوشت - Bhuna Gosht على الأطباق التي تشمل قطع لحم الغنم المقلية بالبهارات والمطبوخة بصلصة الكاري. كما يطلق الهنود اسم سالان - Salan على أطباق الكاري الحيدر آبادية التي تعتمد على الفلفل الحار والفستق في تكوينتها، كما يسمون أطباق الكاري التي تضم السمك بحليب جوز الهند مويلي - Moilee ويطلقون على الأطباق التي تعتمد على الزبدة ماخانوالا - Makhanwala، وعلى الأطباق التي تضم صلصة مكثفة من اللبن أو الكريم ومعجون الحبوب والمكسرات مع اللحم أو الخضار اسم كورما - Korma وتشاتيناد - Chettinad على الأطباق التي تعتمد على الفلفل الأسود وعادة ما تكون من مناطق التاميل الساحلية.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».