«كنوز» غارسيا ماركيز تعود إلى كولومبيا

تعرض للجمهور ابتداءً من أغسطس

نسخ من روايات غارسيا ماركيز مترجمة إلى لغات أخرى
نسخ من روايات غارسيا ماركيز مترجمة إلى لغات أخرى
TT

«كنوز» غارسيا ماركيز تعود إلى كولومبيا

نسخ من روايات غارسيا ماركيز مترجمة إلى لغات أخرى
نسخ من روايات غارسيا ماركيز مترجمة إلى لغات أخرى

في عمله الشهير «الأرجنتين التي أحبت الجميع»، الذي كتبه غابرييل غارسيا ماركيز احتفاءً بخوليو كورتاثر، الكاتب الأرجنتيني الذي يعتبر حتى اليوم واحداً من أعظم كتاب أميركا اللاتينية، وصف غارسيا ماركيز الحب الكبير الذي شعر به نحو صديقه المقرب كورتاثر.
إلا أنه عام 1984، عندما أبدع غارسيا ماركيز هذا النص الرائع والعميق، لم يدر بخاطره أنه بعد ما يزيد على 30 عاماً سيبدي الملايين من شتى أرجاء العالم إعجابهم بكتاباته وعشقهم لها، وسيتحول إلى أسطورة، وأن كتبه ستترجم إلى أكثر عن 30 لغة.
منذ رحيله عام 2014 حتى اليوم، لم يتوقف سيل الكتابات التي تحتفي بحياته والإرث الأدبي الرفيع الذي خلفه وراءه بصفته واحداً من أعظم الكتاب على مستوى العالم. وعليه، تحولت الأماكن التي اعتاد العيش بها داخل المكسيك وكولومبيا إلى مساحات مخصصة لمتعلقاته الشخصية التي جرى الاحتفاظ بها سراً.
لكن منذ أيام قلائل، أعلنت أرملة ماركيز وملهمته، مرسيدس بارشا، أنباء رائعة مفادها أن أسرة ماركيز قررت التبرع بمجموعة كتبه الشخصية إلى أكبر وأشهر مكتبة عامة في كولومبيا: «بيبليوتيكا لويس أنجيل أرانغو»، الكائنة في بوغوتا، عاصمة البلاد.
والمؤكد أن هذه المجموعة تعد بمثابة كنز ثمين؛ ذلك أنها تتألف من أكثر عن 3.000 كتاب و1.104 نسخ مترجمة إلى 43 لغة؛ ما يجعل منها هدية ثمينة لبلاده ومحبيه.
وخلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» من بوغوتا، وصف مدير المكتبة، ألبرتو أبيلو فيفيس، قرار التبرع بأنه «استثنائي»، وشرح الأهمية الكبرى لهذه المجموعة التي سيجري عرضها مجاناً وإتاحتها للجماهير.
وقال «تمثل هذه الكتب في معظمها الطبعات الأولى وهي مجموعة ثرية للغاية تحوي طبعات مختلفة لجميع أعماله بعد تحريرها، بجانب بعض الملحوظات والرسائل إلى المحررين أو المترجمين؛ ما يشكل مصدراً مذهلاً للباحثين المعنيين. ويعني وجود هذه المجموعة في حوزتنا، أنه سيجري الحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والمقبلة بجوار مجموعة وثائقية موسعة حصلت عليها المكتبة حول غارسيا ماركيز».
وتبعاً لما أفاده أبيلو فيفيس، فإن العنصر الأكثر بروزاً في المجموعة، ويضفي عليها طابعاً فريداً هو التفاصيل التي تحويها طبعات سبق وأن نشرت في دول أخرى، لكنها اختفت اليوم.
يضيف «وجدنا نسخاً بلغات مثل الليتوانية، والفارسية، والتتارية، والتركية، والفيتنامية، واليوغسلافية، والإستونية، والكرواتية، والدنماركية، والسلوفينية، والبلغارية. وهناك كتب نشرت في بلدان كانت تتبع الاتحاد السوفياتي السابق، أو دول أخرى لم يعد لها وجود مثل جمهورية ألمانيا الديمقراطية أو يوغسلافيا. علاوة على ذلك، يبدو تصميم الكتب وأغلفتها مميزاً، ويجعل منها مادة دسمة للجهود البحثية في عالم الغرافيك على مستوى العالم».
وبالطبع، ثمة مناطق كثيرة داخل كولومبيا تحتفي بغارسيا ماركيز وإرثه الأدبي العظيم، لكن تبقى ثمة أهمية خاصة لهذه المجموعة؛ لما تتيحه من فرصة للاقتراب أكثر من عالم الكاتب الراحل.
وأعرب مدير المكتبة عن اعتقاده بأن العنصر الأكثر إثارة للاهتمام فيما يخص المجموعة التي جرى التبرع بها هي «الخطابات والملحوظات المرافقة لبعض النسخ والتي تكشف بوضوح عن علاقة اتصال مهمة بين الكاتب والمحررين».
وتعتبر مجموعة الكتب الشخصية لغارسيا ماركيز بمثابة دليل جديد على مدى أهمية ظاهرة الكاتب الكولومبي المبدع بالنسبة لعالم الأدب والفكر. واللافت أن الكاتب كان يحتفظ لنفسه بنسخ مثيرة للفضول وأخرى ترجمت إلى لغات تنتمي إلى مناطق قاصية من العالم؛ ما يكشف لنا جميعاً كيف أن رشاقة عباراته وروعة صوره قادرة على هدم الحدود بين اللغات والحديث بلغة الحب العالمية.
جدير بالذكر، أنه يجري التعامل فنياً في الوقت الحالي مع المجموعة من أجل ضمان الحفاظ عليها وسيجري عرضها للجمهور بدءاً من أغسطس (آب) في قاعة الكتب والمخطوطات النادرة داخل مكتبة «بيبليوتيكا لويس أنجيل أرانغو».
ويمكن لأي شخص بأي مكان في العالم الاطلاع على عناصر كنز غارسيا ماركيز عبر الموقع الإلكتروني للمكتبة من خلال الرابط التالي:
http:--www.banrepcultural.org-bogota-biblioteca - luis - angel - arango



أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.


ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

نال الفيلمان العربيّان اللذان عُرضا في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة) استحساناً جيداً من قِبل جمهور غفير.

الفيلمان هما «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، وكلاهما في المسابقة الرسمية ضمن 18 فيلماً تتنافس على الجوائز الأولى.

وضع دائم

محمد بكري (يساراً) وصالح بكري في «اللي باقي منك» (مهرجان البحر الأحمر)

يُؤلّف «اللي باقي منك» مع «صوت هند رجب» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني.

يختلف الفيلم هنا بامتداد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022. بداية الفيلم مفتاح للذاكرة، تسردها حنان (شيرين دعيبس) في سنة 1988 قبل الانتقال، في «فلاشباك»، إلى عام النكبة عندما تحوّل التعايش بين الفلسطينيين واليهود من ثقافتين تعيشان فوق أرض واحدة إلى احتلال رسمي عقب حرب لم يُتح للفلسطينيين فيها فرصة الانتصار.

وكما في فيلمها السابق «أميركا»، تبني المخرجة عملها على مزيج من العلاقات الأسرية الحميمة ومفردات الوضع السياسي. هناك مشاهد كثيرة في «اللي باقي منك»، تتناول الاحتلال خلال تلك السنوات: حاجز عسكري يُوقف أباً ويهينه أمام ابنه، عائلة تهرب من بيتها تحت القصف، وغيرها من اللقطات التي تعكس تاريخ الاعتداءات على الفلسطينيين بصرف النظر عن وجودهم فوق أرض توارثوها.

على الرغم من أن ما ترويه المخرجة معروف وصحيح من حيث ممارسات الإسرائيليين، فإن أثر ما نراه يترجم عبر لغة فنية صحيحة. بذلك لا يترك الفيلم تأثيره من خلال المشاهد فحسب، بل يُوازي ما حدث ولا يزال يحدث في غزّة من أهوال.

رسالة الفيلم واضحة بلا التباس، ومعالجتها الفنية جيدة، ولو أنّ بعض الأجزاء يفتقد إلى تماسك أكبر في السرد؛ وهو أمر شائع في الأفلام التي تمتد أحداثها عبر أزمنة متعددة.

نظرة إلى حياة صعبة

مُنيا عقل وحسن عقيل في «نجوم الأمل والألم» (مهرجان البحر الأحمر)

يلتقي «اللي باقي منك» مع «نجوم الأمل والألم» (A Sad and Beautiful World) في كونهما مؤلفين من 3 محطات زمنية. في الفيلم اللبناني الذي أخرجه سيريل عريس، نجد حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

عدا ذلك، يختلف الفيلمان تماماً، خصوصاً في أسلوب المعالجة بين دعيبس وعريس. ففي فيلم دعيبس الكاميرا محسوبة الحركة وذات تأطير يتناسب مع الموقف، أما المخرج عريس فيؤم إلى كاميرا متحركة حتى في اللحظات التي تستدعي شيئاً من التأني لتمكين الحكاية من الانتقال من السطح إلى العمق.

سيناريو عريس لا يخلو من صعوبة تبرير مفارقات مثل افتراض أن نينو (حسن عقيل) وياسمينة (مُنية عقل)، الواقعين في الحب منذ تعرّفهما على بعضهما، وُلدا في المستشفى نفسه وفي اليوم نفسه. هذه المفارقة تبقى صدفة غير ضرورية، كما يبدو أن المخرج نفسه يعترف بها ضمناً.

لكن عريس يُعوّض هذه المفارقة بالتركيز على تطوّر العلاقة وتقاطعاتها، وعلى ما يعانيه كلّ من البطلين من ماضٍ عائلي حزين (وفاة والدي حسن، وطلاق والدي ياسمينة)، ما يترك تأثيراً على كُنه المشاعر التي يعايشها كلٌّ منهما منفرداً ثم، بعد الإفصاح عنها، على نحو مشترك.

بصرياً، يحفل الفيلم بترجمة الخلجات العاطفية بصور مناسبة. يلعب هذا العنصر دوراً مهماً في تشغيل محرك الحكاية منذ اللقاء الأول عندما يصدم حسن بسيارته «كشكاً» تملكه والدة ياسمينة، مما يؤدي إلى تعارفهما الحقيقي الأول. هناك لقطات كثيرة يعمد إليها المخرج للخروج من تقليد استخدام الحوار للتعبير: لقطات للعيون، وللوجهين، وللمسافة والنظرات بين العاشقين، بديلاً من الكلمات التي لم تكن لتنجح في التعبير عن تلك المواقف إلا بحدود، أو قد لا تنجح مطلقاً.

شيء آخر مشترك بين هذين الفيلمين اللذين عُرضا متتابعين في اليوم الأول. ففي «اللي باقي منك» يتحدّث الممثل البارع محمد بكري (مؤدّياً دور الأب) ردّاً على عبارة تَرِد على لسان الابن (صالح بكري): «أخدوا أرضك ومصاريك... هيدي بتسمّيها حياة؟ ما تكنش أهبل يا ابني».

وفي «نجوم الأمل والألم» تطرح بطلة الفيلم على صديقها الذي يريد الزواج منها: «بدّك تجيب ولاد بهالعالم؟». كلا العبارتين تعكسان في حياة أبطالهما وبيئاتهم ما يُنبئ بفقدان الأمل في احتمالات حياة أفضل؛ نظرة سوداوية ضمن بيئة سياسية مقنعة.

تعكس العبارتان أيضاً أن حياة الأفراد تمرّ من خلال أحداث لا يد لهم فيها؛ ضحايا من صنع آخرين يشكّلون سحابة سوداء فوق كلّ حياة كان يمكن لها، في ظروف أخرى، أن تكون سعيدة وطبيعية.

أمير بلا إمارة

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم الافتتاح، «عملاق»، هو عمل مختلف تماماً لا عن هذين الفيلمين فقط، بل عمّا قد يتوقعه المرء من فيلم مُفترض به أن يدور حول الشخصية التي يتحدّث العنوان عنها. فإذا بالسرد يتولّى ناصية حكاية متماوِجة: حين يقترب من الشخصية يكون اقترابه محدوداً، وحين يبتعد يتّضح أن الموضوع يدور، غالباً، حول شخص آخر.

يتولّى الفيلم الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، منذ صباه حتى نيله بطولة العالم في الملاكمة وقد مُنح لقب «برِنس». لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، وكيف اكتشف منذ لقائه بذلك الشاب الصغير موهبةَ الملاكمة فيه، ثم أسّسه ومنحه المستقبل الناجح الذي حقّقه فوق الحلبة.

بذلك تحدث استدارة شبه كاملة من الموضوع المفترض إلى حكاية تفرض نفسها، فتتحدّث عن حياة المدرّب وليس عن حياة الرياضي. ليس لأن حياة الرياضي نسيم (يؤديه أمير المصري) خالية مما يستوجب السرد (فالفيلم يتحدّث عن خلفيّته ولا يعرضها)، بل لأن المخرج وكاتب السيناريو روان أتهال لديه خطة عمل تقتضي ذلك. تصبح حياة الملاكم (محور الفيلم) جانبية باستثناء استغلالها تذكرة لنجاح الفيلم. في ذلك ممارسة لما يتطرّق إليه الفيلم في بداياته حين يفصح عن معاملة عنصرية يتلقّاها نسيم في صباه.

الفيلم بذلك يختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
TT

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة؛ مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، انتشاراً واسعاً، إذ يتناول تأثير رواد التكنولوجيا على الطريقة التي نرى بها العالم.

وتتجول الكلاب الروبوتية ذات اللون الجلدي، والمزوّدة برؤوس شمعية دقيقة تشبه مستوى متحف «مدام توسو» لعدد من المليارديرات والفنانين - من بينهم جيف بيزوس، وإيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ، وآندي وارهول، وبابلو بيكاسو - داخل حظيرة صغيرة، وتقوم بـ«إخراج» صور فوتوغرافية.

ويحمل العمل الفني عنوان «حيوانات عادية» من إنتاج استوديو «بيبِل» في تشارلستون، وقد عُرض هذا العام في «آرت بازل» خلال انطلاق الفعالية السنوية في ميامي بولاية فلوريدا.

وقال مايك وينكلمان، المعروف باسم «بيبِل»، في مقطع نُشر من بورتوريكو على «تيك توك»: «الصورة التي يلتقطونها، يعيدون تفسير الطريقة التي يرون بها العالم. لذا فهي تضم فنانين، ولديها أيضاً إيلون وزوكربيرغ». وأضاف: «وبشكل متزايد، هؤلاء التقنيون والأشخاص الذين يتحكمون في هذه الخوارزميات هم الذين يقررون ما نراه، وكيف نرى العالم».

وتتجول الكلاب الروبوتية، وتجلس، وتصطدم بعضها ببعض، وبين الحين والآخر يومض ظهرها بكلمة «poop mode» قبل أن تُخرج صورة رقمية تُترك على الأرض، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وكتب أحد مستخدمي «تيك توك»: «شكراً، لم أكن أخطط للنوم الليلة على أي حال»، وقال آخر: «هؤلاء مقلقون تقريباً مثل الأشخاص الفعليين»، وعلّق مستخدم على حساب «آرت بازل» في «إنستغرام»: «هذا عبقري ومرعب في الوقت نفسه»، فيما تساءل آخر: «هل هذا حقيقي أم ذكاء اصطناعي؟».

مشهد من معرض «حيوانات عادية» في ميامي (أ.ف.ب)

ويهدف العمل الفني، بحسب الناقد الفني إيلي شاينمان الذي تحدث لـ«فوكس نيوز»، إلى إعادة النظر في كيفية تمكّن الفنانين العاملين في البيئات الرقمية من إحياء مفاهيمهم وأفكارهم عبر الروبوتات، والنحت، والرسم، والطباعة، والأنظمة التوليدية، والأعمال الرقمية البحتة.

وقال وينكلمان لشبكة «سي إن إن»، إن الروبوتات صُممت للتوقف عن العمل بعد 3 سنوات، على أن تكون مهمتها الأساسية تسجيل الصور وتخزينها على سلسلة الكتل (البلوك تشين). وأكد معرض «آرت بازل» لـ«فوكس نيوز ديجيتال»، أن كل نسخة من روبوت «حيوانات عادية» بيعت بالفعل مقابل 100 ألف دولار.

وقال فينتشنزو دي بيليس، المدير العالمي والمدير الفني الرئيسي لمعارض «آرت بازل»، لـ«فوكس نيوز ديجيتال»: «نهدف من خلال معرض (زيرو 10) إلى منح ممارسات العصر الرقمي سياقاً تنظيمياً مدروساً، وخلق مساحة للحوار بين الجمهور الجديد والحالي، مع الإسهام في بناء بيئة مستدامة للفنانين والمعارض وهواة الجمع على حدٍ سواء».