الولايات المتحدة تعزز صادرات النفط إلى الهند لتقليل اعتمادها على الواردات الإيرانية

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ونظيرته الهندية سوشما سواراج في نيودلهي في 28 مايو الماضي (رويترز)
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ونظيرته الهندية سوشما سواراج في نيودلهي في 28 مايو الماضي (رويترز)
TT

الولايات المتحدة تعزز صادرات النفط إلى الهند لتقليل اعتمادها على الواردات الإيرانية

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ونظيرته الهندية سوشما سواراج في نيودلهي في 28 مايو الماضي (رويترز)
وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ونظيرته الهندية سوشما سواراج في نيودلهي في 28 مايو الماضي (رويترز)

مع استمرار ضغطها على الهند لخفض واردات النفط الإيرانية، عززت الولايات المتحدة من الإمدادات النفطية إلى نيودلهي لتقليل اعتمادها على واردات المحروقات من إيران وفنزويلا الخاضعتين لحزمة عقوبات اقتصادية أميركية.
ويفيد تقرير لوكالة «رويترز» بأن الولايات المتحدة سترسل أكثر من 15 مليون برميل من النفط الأميركي الخام إلى الهند خلال يوليو (تموز) من العام الحالي، مقارنة بنحو 8 ملايين برميل طوال عام 2017.
وفي خضم ذلك، حذّرت إيران الهند من أنها ستخسر الامتيازات الخاصة إذا ما حاولت استيراد النفط من دول أخرى لتعويض الفاقد من إمدادات النفط الإيراني. ووجّه الدبلوماسي الإيراني، مسعود رزفانيان رهاجي، المقيم في نيودلهي، الانتقادات إلى الهند لعدم التزامها بوعودها فيما يتعلق بالاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني الاستراتيجي وفي عملية توسيعه.
وجاء تحذيره وسط تقارير تفيد بأن المصافي النفطية الهندية كانت تحاول الحصول على النفط الخام من دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية، وروسيا، والعراق، والولايات المتحدة، من بين دول أخرى، لتعويض النقص في واردات النفط الإيراني.
وقال رهاجي، متحدثاً خلال ندوة بعنوان «الفرص والتحديات الناشئة في الدبلوماسية العالمية وأثرها على الروابط الثنائية مع الهند»: «مما يؤسف له أن الوعود الاستثمارية الهندية بتوسيع واستغلال ميناء تشابهار الإيراني وما يتصل بها من مشروعات لم تستكمل حتى اليوم. ومن المتوقع أن تتخذ الهند الخطوات الضرورية والعاجلة في هذا الشأن إن كانت مشاركتها وتعاونها في تطوير الميناء الإيراني ذات طبيعة استراتيجية لدى نيودلهي».
وكانت الهند تستورد النفط الخام الإيراني على معدل يومي يبلغ 588 ألف برميل منذ بداية العام الحالي؛ مما يجعلها ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني الخام بعد الصين مباشرة، والدولة التي تكافح كثيراً مع اقتراب ميعاد بدء تنفيذ العقوبات الاقتصادية على طهران.
وكانت الولايات المتحدة قد أبلغت الهند وغيرها من البلدان بخفض الواردات النفطية من إيران إلى الحد الصفري بحلول 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، أو الاستعداد لمواجهة عقوبات أميركية. ورغم أن العلاقات الثنائية الأميركية - الهندية كانت في نمو وتصاعد مستمرين خلال العامين الماضيين، مدفوعة إلى حد كبير بشواغل القلق المتبادل بشأن الصعود الصيني على المسرح العالمي، فإن الخلافات بدأت في الظهور بين واشنطن ونيودلهي بشأن إيران.
وزارت سفيرة الولايات المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة، نيكي هيلي، نيودلهي مؤخراً، حيث نقلت رسالة رسمية من واشنطن تتعلق بوقف الواردات النفطية من إيران وإعادة النظر في العلاقات الهندية - الإيرانية. وقالت هيلي، إنها تتفهم الموقف الهندي وصعوبة تغيير العلاقات الثنائية التي تربطها بإيران على نحو مفاجئ، لكنها أضافت: «إنني أفكر في الوقت نفسه في مستقبل الهند، ومستقبل المقدرة على الحصول على الموارد والجهات التي تعتمد عليها نيودلهي في ذلك. وإنني أود حض الهند وتشجيعها على إعادة النظر في العلاقات مع إيران»، على نحو ما صرحت به إلى قناة «إن دي تي في» الهندية.
كما ألغت الولايات المتحدة أخيراً المحادثات الاستراتيجية الرفيعة المستوى، والمعروفة إعلامياً باسم «2 زائد 2»، التي كان من المقرر انعقادها بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس مع وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سواراج، ووزيرة الدفاع نيرلاما سيثارامان، وذلك في اللحظات الأخيرة. وقال البروفسور محمد بدر العلم من الجامعة الإسلامية في الهند: «أعتقد أن العلاقات مستقرة إلى درجة ما، لكنها تمر بحالة من الاضطرابات بسبب العامل الإيراني والتعريفات الجمركية. ولا يمكن التنبؤ بخطوات (الرئيس دونالد) ترمب المقبلة، وينبغي على الهند التحرك بحذر عبر هذا الخضم حفاظاً على العلاقات».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سواراج قد صرحت في مايو (أيار) الماضي بأن الهند ستواصل التجارة البينية مع إيران ولن تتبع سوى العقوبات المفروضة من جانب الأمم المتحدة، وليس العقوبات التي تفرضها أي دولة أخرى على إيران.
ورداً على سؤال بشأن استجابة نيودلهي لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات على طهران، قالت الوزيرة الهندية: «الهند تتبع فقط العقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة وليست العقوبات أحادية الجانب الصادرة عن أي دولة من الدول».
وذكرت مصادر في وزارة النفط الهندية، أن الوزارة طلبت من شركات مصافي النفط الاستعداد لتخفيض الوارد من النفط الإيراني إلى الحد الصفري اعتباراً من نوفمبر المقبل وفقاً لما طلبته إدارة الرئيس ترمب.
وهناك عدد من شركات المصافي الهندية التابعة للقطاع العام، مثل شركة «إنديان أويل كورب»، و«بهارات بتروليوم كورب»، و«هندوستان بتروليوم كوربوريشن ليميتد»، وشركة «ريلاينس» الخاصة، كانت قد انتهت من اختبارات إمدادات النفط الأميركي الخام خلال العام الحالي، وذلك – في كثير من الأحيان – عن طريق خلط النفط الأميركي بأنواع النفط الثقيلة الأخرى التي تعمل تلك المصافي على معالجتها في المعتاد. وكانت المصافي الهندية قد شرعت في اختبار النفط الأميركي الخام اعتباراً من العام الماضي.
وبدأت شركة «ريلاينس إنداستريز ليميتد» الهندية، وهي أحد أكبر مجمعات تكرير النفط الخام، في الخلط بين النفط الأميركي الخفيف مع الأنواع الأثقل من النفط الوارد من بلدان أخرى.
وفي خضم المخاوف بشأن استيراد النفط من إيران بعد العقوبات الأميركية، أعلنت الهند على نحو رسمي أن كل ما يتعين القيام به لخدمة المصلحة الوطنية للبلاد سيجري القيام به لا محالة.
ورداً على التعليقات التي أدلى بها نائب السفير الإيراني في الهند، أفاد المتحدث باسم الخارجية الهندية، رافيش كومار، بأن تصريحاته قد «أسيئ نقلها» وأن الجانب الإيراني قد أصدر إيضاحاً من طرفه في هذا الصدد.
وأصدرت السفارة الإيرانية في نيودلهي بياناً مفاده أن طهران ستبذل قصارى جهدها لضمان تأمين إمدادات النفط الإيراني إلى نيودلهي، مؤكدة على أن إيران كانت شريكاً جديراً بكل ثقة فيما يتعلق بشؤون الطاقة مع الهند.
وأشار رافيش كومار، المتحدث باسم الخارجية الهندية، إلى أن بلاده «تعتبر إيران شريكاً يحظى بالأهمية في الطاقة والتواصل. ولقد أوضح الجانب الإيراني الكثير من الأمور المهمة في البيان التوضيحي الصادر عن سفارة بلادهم (...) لقد تفهموا موقفنا جيداً، وتجمعنا بهم علاقات قوية وراسخة للغاية». وأضاف أن الهند على تواصل مستمر مع إيران عبر مختلف القضايا، بما في ذلك تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بين إيران، من جهة، وبين الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا والمملكة المتحدة، من جهة أخرى.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت هناك أي تطورات على صعيد التواصل الأميركي مع الهند إزاء مسألة الحد من واردات النفط الإيرانية إلى نيودلهي، قال كومار: «لقد أشير إلى هذا الأمر في الحقيقة. ولقد صدر بيان عن الخارجية الأميركية أعرب فيه الأميركيون عن رغبتهم في التواصل أو الاستعداد للمشاركة في مباحثات مع الكثير من البلدان بصدد هذه المسألة. غير أنهم لم يذكروا الهند على وجه التحديد». واستطرد: «نرحب من دون شك بمثل هذه التواصلات والارتباطات. ولقد التقطنا إشارات بشأنها من قبل. ولسوف نبحث الخطوات اللازم اتخاذها في هذا الصدد. ومن بين الأمور الواضحة للغاية أن كل ما يلزم القيام به خدمة لمصلحة البلاد سيدخل حيز التنفيذ الفعلي لا محالة».



القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
TT

القضاء الفرنسي يقرر الإفراج عن السجين اللبناني الأشهر في العالم

جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف  في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)
جورج إبراهيم عبد الله أثناء محاكمته بتهمة التواطؤ في جريمة قتل الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في محكمة ليون، وسط شرق فرنسا، في 3 يوليو 1986 (أ.ف.ب)

يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984، دخل رجلٌ يحمل الجنسية الجزائرية إلى مقر الشرطة في مدينة ليون، طالباً الحماية من عناصر المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذين يقتفون أثره، إلا أن جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي نجح في كشف هويته الحقيقية، وعلم بسرعة أن الشخص الساعي للحماية، الذي يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، ليس سوى «عبد الكريم سعدي»، وهو الاسم الحركي لجورج إبراهيم عبد الله. وتبين لاحقاً، كما ذكّرت بذلك صحيفة «لو فيغارو»، أن جورج إبراهيم عبد الله كان يمتلك جوازات سفر مالطية ومغربية ويمنية، إضافة لجواز السفر الجزائري، وأيضاً اللبناني.

لم تتأخر محاكمة اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، البالغ من العمر اليوم 73 عاماً، الذي قبل القضاء الفرنسي الجمعة إطلاق سراحه بعد 40 عاماً أمضاها في السجن. والغريب أنه حُوكم مرتين: الأولى في عام 1986، بتهمة التآمر الجنائي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وقضت المحكمة بسجنه لمدة أربع سنوات. لكنه، في العام التالي، حُوكم مرة ثانية من قبل محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين اثنين في عام 1982، هما الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف، ومحاولة اغتيال القنصل العام الأميركي روبرت هوم في مدينة ستراسبورغ، وآخر في عام 1984. وثابر جورج إبراهيم عبد الله على إنكار التهم الموجهة إليه، مشدداً على أنه «ليس سوى مناضل عربي». وفي المحاكمة الثانية، التي جرت في عام 1987، وبالنظر للضغوط التي انصبت على فرنسا من جانب الولايات المتحدة الأميركية ومن إسرائيل، صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد. اللافت أن الادعاء العام طلب سجنه لعشر سنوات، إلا أن قضاة محكمة الجنايات الخاصة لم يأخذوا بما طلبه الادعاء وقضوا بالسجن المؤبد.

وليس من المؤكد تماماً أن القرار الصادر عن محكمة تطبيق الأحكام التي وافقت على طلب الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية في السادس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيتحقق. والسبب في ذلك أن الادعاء سارع إلى تأكيد أنه سيتقدم باستئناف على قرار المحكمة المذكورة الإفراج عن عبد الله شرط أن يغادر الأراضي الفرنسية وألا يعود إليها مطلقاً. وجاءت موافقة المحكمة هذه المرة بعد رفض لعشر محاولات سابقة. والمرة الوحيدة التي كاد يخرج فيها عبد الله من سجن «لانميزان» الواقع في منطقة جبال البيرينيه الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، وعلى بعد 120 كلم من مدينة تولوز، إلى الحرية كانت في عام 2013، حيث وافق القضاء المختص وقتها على الإفراج عنه شرط أن يصدر عن وزارة الداخلية وقتها التي كان يشغلها الاشتراكي مانويل فالس قرار بطرده من الأراضي الفرنسية. والحال أن هذا القرار لم يصدر ولم تعرف وقتها حيثياته، ولكن المرجح أن الضغوط المشتركة الأمريكية والإسرائيلية حالت دون ذلك. والمعروف عن فالس قربه من إسرائيل.

ويعد جورج إبراهيم عبد الله أحد أقدم السجناء السياسيين في العالم. والمعروف أنه ساهم في تأسيس وقيادة الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة، وكان مناضلاً نشطاً لصالح القضية الفلسطينية ومتبنياً للأفكار الماركسية.

وبعد مرور عدة سنوات على سجنه، خصوصاً منذ أن أصبح له الحق في الخروج من السجن منذ 25 عاماً، ورفض القضاء الثابت الإفراج عنه، حظي بدعم محلي وخارجي. وكانت كلمة الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة «نوبل» آني أرنو مدوية حين أعلنت أن جورج إبراهيم عبد الله «ضحية قضاء الدولة الفرنسية الذي هو عار فرنسا». الجديد في قرار المحكمة، الجمعة أنها لم تطلب، كما في عام 2013، صدور قرار طرد من وزارة الداخلية. لكن بالمقابل، يشاع أن فرنسا حصلت من لبنان على تعهدات مكتوبة من الحكومة اللبنانية تفيد بأن عودته إلى لبنان «لا يفترض أن تفضي إلى اهتزازات للنظام العام». وترجمة ذلك، وفق صحيفة «لو فيغارو»، أنه لا يفترض أن يستقبل جورج إبراهيم عبد الله، في حال إتمام عودته استقبال الأبطال.

وفي السنوات الأخيرة، سعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، خصوصاً في عهد الرئيس السابق ميشال عون، للإفراج عن عبد الله، لا بل إن وزيرة العدل ماري كلود نجم زارته في سجنه في عام 2022.

من جانبه، رحب محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه، بقرار المحكمة، معتبراً أنه «انتصار قضائي وسياسي». بدوره قال توم مارتن، المتحدث باسم تجمع «فلسطين سوف تنتصر» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن قرار محكمة تنفيذ الأحكام «خبر جيد بالطبع، لكنه مجرد خطوة أولى، لأن المدعي العام استأنف للتو»، مضيفاً: «يجب أن تشجعنا هذه الأخبار السارة على تطوير وتوسيع وتكثيف حملة الدعم التي لن تنتهي حتى يصبح جورج إبراهيم عبد الله حراً طليقاً في بلده لبنان».